التركمان يرزحون تحت وطأة تهديدات مؤيدي النظام السوري رغم "الخبز والملح"

 تعرض التركمان مثل باقي مكونات الشعب السوري، إلى معاناة كبيرة جراء تهميش النظام لهم قبل الحراك الشعبي، فيما حمّلهم ارتباطهم بالدم واللغة مع تركيا تبعات ما يجري هناك، فتحولت لغة مؤيدي النظام إلى عداء وتهديد، رغم العشرة والخبز والملح فيما بينهم.

وقبل 4 سنوات عند بدء الحراك الشعبي، تحرك التركمان مثلهم مثل إخوانهم من مكونات الشعب السوري، للتعبير عن رفضهم للظلم الذي تعرضوا له من قبل النظام، وتهميشهم وتحميلهم تبعات تاريخ لم يكونوا فيه فاعلين، فقدموا التضحيات والشهداء، وتشردوا في المخيمات وفي دول الجوار، وتقاسموا آلامهم مع إخوانهم السوريين.

واتهم التركمان وممثليهم السياسيين؛ النظام السوري بتحميلهم قرابة الدم مع تركيا - حيث فتحت الأخيرة أبوابها لعموم الشعب السوري - على أساس أنها تآمرت على النظام، والتركمان مرتبطون بها، فيما تلقوا تهديدات بالإبادة مرات عديدة، من قبل أنصار النظام، وهم من تقاسموا لقمة العيش مع كافة مكونات الشعب، وحتى مؤيدي النظام في الساحل السوري.

وقال أحمد جقل - وهو عضو تركماني سابق في الهيئة السياسية للائتلاف الوطني المعارض، ونائب رئيس الكتلة الوطنية التركمانية السورية - إن "التركمان بدأوا بالثورة والحراك الشعبي مع بقية مكونات الشعب السوري، وتظاهروا في أحيائهم ومناطقهم ومدنهم، وتعرضوا للاعتقال من قبل أجهزة النظام، وتعرضوا للتعذيب، ولا يزال المئات منهم معتقلين".

وأضاف في تصريحات للأناضول، أن "التركمان شاركوا إخوانهم في الدفاع عن ثورة الشعب السلمية، ورفعوا السلاح بوجه النظام، وقدموا عشرات آلاف من الشهداء، بل ويتواجد معظمهم في مناطق موالية للنظام، مما يعرضهم لعمليات انتقامية، وتهديدات بالتصفية والإبادة، لمن بقي في مناطق سيطرة النظام".

ولفت إلى أن "التركمان كان لهم نصيب في اللجوء إلى بلدان الجوار، وخاصة تركيا، التي استقبلتهم كما استقبلت بقية مكونات الشعب دون تمييز، في حين أشار إلى أن مخيمات التركمان بحاجة إلى مزيد من الرعاية والعناية والاهتمام، لتخفيف وقع معاناة اللجوء".

من جانب آخر، لفت إلى أن "التركمان في سوريا، ونظرا لرابط الدم واللغة مع تركيا، تحملوا من بداية الأحداث عبئا كبيرا، حيث اتهمهم النظام بالتبعية لتركيا رغم أنهم مواطنون سوريون ومدنهم وقراهم داخل سوريا، وكذلك شككت بعض أطياف المعارضة بداية بأن يكونوا جزءا من سعي لمخطط تركي في المنطقة، وهو ما رفضوه، مؤكدين انتماءهم لوطنهم، ومطالبين بحقوقهم في مستقبل الدولة المدنية في سوريا".

وشدد على أن "التركمان مصرون على إسقاط نظام الأسد، وإقامة دولة مدنية في سوريا يتمتعون فيها بالحقوق المتساوية مع الجميع، ويحافظون على هويتهم وثقافتهم، وأنهم مستعدون لتقديم أرواحهم في سبيل ذلك".

من ناحيته قال أحمد شيرين رئيس جمعية أتراك سوريا، وهو عضو في الكتلة الوطنية التركمانية: إن "الوضع السوري في الداخل مزر إلى حد كبير، حيث منطقة باير بوجاق شمال اللاذقية، تعرضت لقصف كبير، ودمرت معظم البلدات والقرى، وحاول النظام الانتقام من التركمان، باتهامهم بقرب مناطقهم من تركيا التي وقفت إيجابيا إلى جانب الحراك في سوريا".

وأوضح في تصريحات للأناضول أنه "لم ينفع تداخل مناطق التركمان في ريف اللاذقية، وفي المدينة، مع المناطق المؤيدة للنظام، وهو ما جعلهم يختلطون مع بعضهم البعض على مدى عشرات السنوات السابقة، ورغم العشرة والخبز والملح فيما بينهم، إلا أنه مع بدء الأحداث انقلبت الأمور، وتعرض التركمان لمضايقات واعتداءات كبيرة، نتيجة التهم المسبقة التي ساقها النظام".

وروى شيرين بعضا من هذه القصص، حيث أفاد "أن بعض المؤيدين للنظام احتلوا بيوت بعض التركمان المحسوبين على المعارضة، وأرسلوا تهديدات لآخرين عبر وسائل التواصل المختلفة، في حين أن قلة قليلة كانت على دراية لما يحدث من ممارسات النظام، وغلبت لغة العقل والحكمة، على الانفعال والتعصب".

وفي نفس السياق، أشار إلى أن "المأساة الإنسانية متفاقمة في الداخل السوري عموما، وفي مناطق التركمان خصوصا، حيث الحاجة الماسة من أجل تقديم المساعدات الإغاثية والإنسانية، موجها نداءه إلى المؤسسات الرسمية وغير الرسمية التركية، ومختلف دول العالم والمنظمات الدولية للاهتمام بالتركمان أيضا وعدم إهمالهم، لكي لا يُهمّشوا كما فعل النظام السوري، وأن ثورتهم أيضا كانت ضد هذا التهميش".

وأكد أن "مخيمات التركمان، ومنها مخيم عثمانية جنوب تركيا، بحاجة إلى مزيد من الدعم والاهتمام، وتحسين الخدمات فيه، حيث لا تقل معاناة اللاجئين والأطفال والنساء التركمان عن معاناة إخوانهم السوريين".

وفي مناطق أخرى عاني التركمان كذلك من ممارسات النظام والاتهامات التي تطالهم بالارتباط في تركيا، وحتى لو لم يشارك أي مواطن تركماني في الحراك أو بأعمال مناهضة للنظام، كان عرضة للاتهام والتساؤل.

وأوضح هادي الشامي، وهو أحد سكان حي جوبر الدمشقي من التركمان، أن "حواجز النظام كانت دائما تسأل المواطنين القادمين من جوبر من أي حي بالضبط، وعندما كانوا يعرفون بانهم من الحي التركماني، كانوا يوضعون تحت الشبهة ويقولون لهم هل انتم أردوغانيون، نسبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومواقفه".

وأضاف في تصريحات للأناضول أنه "كان يعمل في شركة تركية مع بدء الأحداث، وهو ما كان يعرضه دوما للسؤال من قبل مؤيدي النظام عن مواقفه، لكونه تركمانيا، ويعمل في شركة تركية، مبينا أنه من العار أن يُسأل عن ذلك فيضطره للتأكيد على انتمائه لسوريا التي يحمل جنسيتها، وحرصه على أمنها".

وشدد على أن "التركمان تحركوا مع السوريين ضد النظام، ولا يجوز ربط ذلك بالمواقف التركية، حيث لم تمنعهم هويتهم القومية عن الخروج مع شركائهم في الوطن ضد النظام".

من جانبه قال زياد حسن، نائب رئيس حزب الحركة الوطنية التركمانية، إنه "لم تكن أوضاع التركمان السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المراحل التي سبقت انطلاق الثورة السورية، أفضل حالا من بقية المكونات الاجتماعية في سوريا، وقد كانت معاناة التركمان كقومية، معاناة مزدوجة، حيث كان النظام البعثي العنصري يسعى الى إذابة هذه القومية السورية الأصيلة، ومحو وجودها من الذاكرة المجتمعية للشعب السوري".

وبين حسن في تصريحاته للأناضول؛ أنه "كان لهذه السياسة السوداء إسقاطات مجحفة بحق التركمان بكل مجالات الحياة، وبشكل خاص في المجالين الثقافي والاقتصادي، وكل هذه الإجراءات كانت أسباب موضوعية عايشها الشعب السوري طيلة العقود الماضية، مما دفع الشعب التركماني الى المشاركة الفاعلة في الثورة السورية منذ اليوم الاول لانطلاقتها، حيث كان التركمان في سوريا من أوائل المنخرطين في تشكيل التنسيقيات الثورية في حلب وبقية المحافظات، وشاركوا في كل الفعاليات الثورية خلال المراحل المختلفة للثورة".

وشدد على أن "الواقع الانساني اليوم الحالي مؤلم جدا بالنسبة لحلب وبقية المناطق التي يقطنها التركمان السوريون، فمناطق تركمان حلب يخضع 80% منها لسيطرة داعش، ومساحات واسعة من مناطق التركمان في حمص ودمشق واللاذقية والرقة خاضعة لسلطة النظام أو داعش، وهذا الواقع يحمل في كل تفاصيله وجزئياته آلاماً ومشكلاتٍ إنسانية واقتصادية وثقافية".

وتقدر أحزاب تركمانية سورية أعداد التركمان في البلاد بنحو 3 ملايين ونصف، وينتشرون في معظم المناطق السورية، وتأسس أول كيان سياسي لهم باسم الكتلة الوطنية التركمانية السورية في شباط 2012، وبعد ذلك تأسست كيانات أخرى من مثل الحركة التركمانية والمجلس التركماني، وحزب الحركة الوطنية التركمانية، وحظيت كلها بدعم من أطياف المعارضة السورية، وتشارك في الائتلاف الوطني لقوى الثورة.

وصادف يوم 15 مارس/ آذار الجاري الذكرى الرابعة لاندلاع الثورة السورية التي تحولت بعد أشهر من اندلاعها صراعاً مسلحاً خلّف نحو 220 ألف قتيل، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية سورية، فضلًا عن أكثر من 10 ملايين نازح ولاجئ داخل البلاد وخارجها.

ومنذ 15 مارس/ آذار 2011 تطالب المعارضة السورية بإنهاء أكثر من 44 عامًا من حكم عائلة الأسد، وإقامة دولة ديمقراطية يتم فيها تداول السلطة، غير أن النظام السوري اعتمد الخيار العسكري لوقف ما يسميها بـ"الأزمة"؛ ما دفعسوريا إلى دوامة من العنف، ومعارك دموية بين قوات النظام والمعارضة، لا تزال مستمرة حتى اليوم.

ترك تعليق

التعليق