"ألق حلب الصناعي" يأبى أن يشع

يبدو أن أزمة المحروقات التي يعاني منها النظام بدأت تجهض حلمه بتجاوز "غصة" خسارة نصف حلب، وأمله في استعادة "ألقها الصناعي" لصالحه، عبر إعادة إحياء مدينة الشيخ نجار الصناعية.

"عاصمة سوريا الاقتصادية"، التي طالها الدمار، وشرذمتها الحرب بين النظام وفصائل المعارضة، بقيت ماثلة في ذهن مسؤولي النظام باعتبارها "غصة" قاسية في حلقه، نظراً لكونه خسر نصفها، ومعظم ريفها، بين ليلة وضحاها في صيف العام 2012، ولم يستطع حتى اليوم استعادتها بالكامل.

ولأن النظام بنى وشائج متينة مع مجتمع المال والصناعة السورية خلال عقود، جعلت جزءاً كبيراً من هذا المجتمع مرتهناً لصالح نخبة النظام، ومتحالفاً معه، فقد طال اقتحام المعارضة لحلب، النظام في مقتل، بعد أن جعله يخسر ثقة جزء من صناعيي حلب البارزين، فهو عاجز عن حمايتهم، كما ظهر قبل سنتين من صيف العام 2014.

لكن في صيف العام المذكور، تمكن النظام من استعادة مدينة "الشيخ نجار" الصناعية، مما أحيا آماله في بعث "عاصمة سوريا الاقتصادية"، وإعادة "ألقها الصناعي" لصالحه.

وقبيل، وأثناء معارك النظام على أبواب مدينة الشيخ نجار الصناعية، شمالي حلب، أطلق النظام حملة إعلامية تعبوية ضخمة، مفادها أنه سيعيد إحياء أكبر المدن الصناعية في البلاد، حال استعادتها من قبضة المعارضة المسلحة.

ومنذ تموز الماضي، تاريخ استعادة النظام للمدينة الصناعية بحلب، وحتى اليوم، يبدو أن "ألق حلب الصناعي" يأبى أن يشع، والسبب هذه المرة ليس ضربات المعارضة المسلحة أو تهديداتها، بل عجز النظام عن تأمين المحروقات والكهرباء لمنشآتها الصناعية التي تعمل بأقل من ثلث قدراتها حتى الساعة.

وتمتد مدينة الشيخ نجار الصناعية، التي كانت توصف بأنها "قلب حلب الصناعي"، على مساحة نحو 4500 هكتار، مقسمة إلى ثلاث كتل، تضم بمجملها نحو ألف معمل، وتعتبر أكبر تجمع للمعامل في حلب، إلى جانب منطقة الليرمون.

لكن هذه المدينة، التي حظيت بالكثير من التعبئة المعنوية لحظة إعادة إطلاقها من جانب النظام، تعمل اليوم ثلاثة أيام، لتتوقف عشرة أيام، بسبب عدم توفر المحروقات والطاقة الكهربائية الكافية لتشغيل منشآتها.

وحسب مدير المدينة، فإن "الشيخ نجار" تحصل على 30 ألف ليتر من المازوت فقط، يومياً، بينما تحتاج إلى أكثر من 150 ألف ليتر.

إضافة إلى ذلك، لم يستطع النظام حتى الآن تأمين التمويل اللازم لإصلاح باقي البنية التحتية المدمرة للمدينة، التي شهدت أعنف المعارك. وهو يحتاج ما لا يقل عن 3 مليارات ليرة سورية، حسب مدير المدينة أيضاً.

وحتى الآن، لم يعود للعمل إلا ثلث منشآت المدينة، 340 منشأة، من أصل 1000.

قصة مدينة "الشيخ نجار"، التي شكلت في وقت من الأوقات بعداً معنوياً حاسماً بالنسبة للنظام في حلب، ذبلت اليوم. فالنظام الذي استخدمها للتعبئة، وإثبات الجدارة كحكومة قادرة على إعادة البناء وتحقيق الأمن وإعادة إحياء الصناعة، يعجز اليوم عن تأمين المتطلبات الأولية للعمل الصناعي، وهي المحروقات والكهرباء. أما لماذا يعجز النظام عن ذلك؟...فالجواب ببساطة، لأن أولوية النظام، عسكرية، وموارده الرئيسية مخصصة للآلة العسكرية ومقاتليه، وما يفيض عن ذلك، إن فاض شيء، يمكن حينها أن يخصص لما هو أقل أهمية.

باختصار، قصة مدينة "الشيخ نجار" الصناعية، مصداق على قدرة النظام على التدمير، وعجزه عن البناء وإعادة الإعمار، لسبب بسيط، وهو عجز العقلية الأمنية – العسكرية التي تديره عن فهم الرابط بين "إعادة الإعمار" وبين الاستقرار. وهي مصداق يؤكد، مرة أخرى، بطلان نظرية "إعادة الإعمار" التي يطلقها النظام من حين لآخر لتخدير آلام جمهوره والميالين إليه، وإيهامهم بأن أيام "الحسم" قد قاربت على النفاذ، وأن الضوء يلوح في نهاية نفق "الحل الأمني – العسكري" الذي أدخل فيه البلاد منذ ربيع العام 2011.
 

ترك تعليق

التعليق