مخيم البريقة...مثال على مآسي مخيمات النزوح الداخلي التي تفوق نظيراتها في الخارج

 رصد تقرير صحفي ميداني الوضع الإنساني المُتردي للنازحين السوريين المتواجدين في مخيم البريقة، قرب الشريط الشائك الفاصل عن الجولان المحتل، في محافظة القنيطرة.

التقرير من إعداد "المكتب الإعلامي في مؤسسات مدد"، وقد حصلت "اقتصاد" على نسخة منه تعرضها للقراء للإطلاع.

ويقدم التقرير لمحة عن معاناة الأطفال النازحين في مخيمات النزوح داخل محافظة القنيطرة من خلال دراسة ميدانية لحالة واحدة هي مخيم بريقة ومأساة قاطنيه وخصوصاً الأطفال منهم، مركزاً على فئاتهم العمرية وحالتهم الاجتماعية والصحية والتعليمية وذلك خلال الزيارة الميدانية التي قام بها فريق مدد أثناء توزيع الحرامات الشتوية في المخيم قبل العاصفة "زينة" بيوم واحد.

نص التقرير:

ليس خفياً على أحد أن الأطفال هم الفئة الأكثر تضرراً مما يجري في سورية، بعد أن فقدوا منزلاً يأويهم ومدرسة ينهلون العلم منها، وخسر بعضهم أباً يعيله أو أماً أو عائلة بكاملها تحيطه بالأمان.
ولعل النزوح داخل سورية من أصعب التجارب التي مر ويمر بها الأطفال السوريون، خاصة في ظل شحّ الدعم المقدم وضعف وجود وإمكانيات الجهات الإغاثية العاملة على الأرض، علاوةً على التزايد الكبير في أعداد النازحين إلى القنيطرة من قرى درعا وريف دمشق والنزوح الداخلي في قرى القنيطرة بحد ذاتها جراء العمليات العسكرية الدائرة.
المعاناة الأولى لنازحي المخيمات تتركز في مواجهة الظروف الجوية، فالخيم التي تأويهم لا تقيهم شرّ برد الشتاء أو حر الصيف، وهي خيم مكتظة بقاطنيها ولا تحقق أدنى معايير السكن التي وضعتها المنظمات الدولية في معايير "إسفير" كمثال، والتي تمثل معاييراً للحدّ الأدنى من الاستجابة الإنسانية المطلوبة، إذ أن هذه الخيم بتكوينها قد تكون في بعض الحالات قطعاً قماشية بالية وأكياس وحرامات موصولة ببعضها بطريقة ما قد تنهار مع الريح ليس إلا، وقد يكون أمراً غير معلوم للكثيرين درجات الحرارة المنخفضة في محافظة القنيطرة عموماً، والتي تبدأ بألف متر فوق سطح البحر، وتنتهي بأكثر من ألفين وثمانمائة متر في قمة جبل الشيخ، مع معدل أمطار وثلوج عالية نسبياً بين المناطق السورية والتي تعادل حوالي 900 مل سنوياً.
الوضع الغذائي متردي عموماً بسبب نقص الواردات الغذائية وعطالة قاطني المخيمات عن العمل واعتمادهم بشكل كامل على المساعدات المقدمة من الأفراد أو الهيئات الإغاثية العاملة، وينسحب ذات الحال أيضاً على الوضع الطبي شديد السوء، والذي أصبح فيه تقديم اللقاحات وأدوية الأطفال والمصابين بالأمراض المزمنة كالسكري والضغط الشرياني والقلب وغيرها ضرباً من ضروب الترف والرفاهية.
تعليمياً وبكل تأكيد الوضع شديد السوء في ظل عدم توفر أبسط إمكانيات التعليم، وانشغال الآباء بإطعام وتدفئة وطبابة أبنائهم على حساب تعليمهم الذي انقطعوا عنه لسنوات عدة.
خدمياً وبسبب عدم وجود أدوات وتجهيزات الصرف الصحي وبسبب شح مصادر المياه وسوء توزيعها إن وجدت في المخيمات تنتشر الأمراض والروائح الكريهة، إذ يقضي معظم سكان المخيمات حاجاتهم في حفر سطحية مجاورة للخيم، ما قد ينذر بانتشار أمراض وبائية في أيام الصيف القادم، ويتم إيصال المياه إليهم من خلال صهاريج لا تكاد تكفيهم للشرب وريّ الظمأ فقط.
ما سبق ذكره هو تلخيص لمجمل حال المخيمات داخل محافظة القنيطرة، ولكن مخيم البريقة بالتحديد والذي قام فريق مدد بزيارته قبل أيام يقع داخل الأراضي السورية بجوار الشريط الشائك مع الجولان المحتل عام 1967 في ريف القنيطرة الأوسط، غير بعيد عن بلدة بريقة: فقد أنشئ بين الأشجار الحراجية على أرض مساحتها 30 دونم قبل أكثر من ثمانية أشهر، ويضم خمساً وخمسين خيمة وقد وصل عدد الأسر المتواجدة داخله إلى سبعة وسبعين أسرة عائلة بما يقارب أربعمائة شخص.
وجدير بالذكر أن تسعاً من الخيم "وحين إعداد هذا التقرير قبل العاصفة زينة" قد غرقت بشكل كامل بسبب الأمطار، فيما تضررت 34 خيمة أخرى بشكل جزئي، كما تصعب الحركة داخل المخيم في الشتاء بسبب الأرض الطينية الزراعية التي أقيم عليها المخيم.
وفي مواجهة هذا الشتاء لا توجد وسائل تدفئة كافية أو وقود أو حطب لدى سكان المخيم، كما تعرضت البطانيات والحرامات المتواجدة والقليلة العدد للتلوث بمعظمها بعد غرق بعض الخيم، إضافة لعدم القدرة على غسلها وتنشيفها في هذه الظروف.

أما عن واقع حال الأطفال في المخيم:

يقدر عدد الأطفال في مخيم البريقة بنحو مئتين وخمسة أطفال، ثلاثة وأربعون منهم دون عمر السنتين لديهم معاناة في الحصول على مادة حليب الأطفال ما ينذر بمشاكل سوء تغذية ونمو لديهم، كما قد تمّ رصد وجود ثمانية أيتام بين أطفال المخيم وخمسة أطفال من ذوي الاحتياجات الإضافية من أسرة واحدة (صم، بكم)، كما لوحظ تنقل بعض الأطفال في المخيم حفاةً أو بملابس غير كافية.
جميع أطفال المخيم منقطعون منذ سنة على الأقل عن التعليم، ووفقاً للطبيب المرافق ولاختصاصي الدعم النفسي في مؤسسات مدد فالأطفال يعانون من حالات اكتئاب بسبب ظروف الفقر والنزوح ويعانون من مشكلات نفسية جراء الحرب وآثارها، عدا عن مشكلات التغذية والطبابة وظروف اللعب غير الصحية أو الآمنة والتي اتخذوا من المستنقعات المحيطة ساحات لها.
مؤسسات مدد ومن خلال تقريرها هذا تحاول لفت نظر مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الدولية لضرورة التحرك باتجاه هذا النوع من الاحتياجات والأوضاع الإنسانية الصعبة، والتي لم تأخذ حظوتها من التركيز الإعلامي والإغاثي، قياساً بغيرها من مخيمات اللجوء خارج سوريا والتي –برغم كارثتها الإنسانية الكبيرة- تحظى بظروف تفاضلية أعلى من مخيمات نازحي الداخل، أقل هذه المفاضلات إمكانية الدعم الحكومي المنتظم أو العاجل من الدول المضيفة للاجئي المخيمات، عدا عن إمكانية وصول فرق الإغاثة غير الحكومية بشكل آمن إليها للقيام بواجب تقديم المساعدة الإنسانية اللازمة.


ترك تعليق

التعليق