كيف يبدو حي برزة بعد عام على الهدنة؟


في مثل هذه الأيام من العام الماضي، كان حي برزة الدمشقي يتجهز للدخول في حدث مفصلي سيغير مسار الأحداث التي كان يعيشها طيلة عام 2013، وبالفعل بدأت بوادر هذا التغيير تظهر جليةً على ملامح الحي من خلال المفاوضات لتوقيع هدنة بين نظام الأسد والجيش السوري الحر المتواجد داخل برزة.

وكان الشهر 12 من 2013 هو شهر المفاوضات، والتي تمخض عنها ما عرف بـ "هدنة برزة"، وأعلن عن بنودها في السادس من الشهر الأول لعام 2014، ليبدأ تنفيذها الفعلي فيما بعد، وتدخل الأهالي المهجرة إلى حي برزة في الثاني والعشرين من الشهر ذاته.
قرابة العام مضى على هدنة برزة، عادت خلالها المئات من العائلات لتسكن في الحي، الذي نهض بعد عشرة أشهر من القصف والاشتباكات، متعباً متهدمَ الأرجاء، فكيف بدى وضع الحي طوال هذا العام؟

التقى مكتب دمشق الإعلامي مع عدد من ناشطي بزرة وسكانها للجواب عن هذا السؤال.

آية ابراهيم، إحدى سكان حي برزة الذين عادوا إليه بعد الهدنة مباشرة تحدثنا عن وضع الحي بداية الهدنة، وكيف عادت إليه الحياة بالتدريج فتقول :"أول ما دخلنا برزة بداية الهدنة كانت الحياة شبه مستحيلة، فالدمار يغطي 80% من أبنية الحي، وبعد قرابة الشهرين تحسنت الأمور نوعاً ما، وعادت الكهرباء والمياه إلى الحي"

وتتابع:"وجدنا الطابق الأعلى من منزلنا مهدماً بشكل كامل في حين كان الطابق السفلي قد تعرض للسرقة، لأن جيش الأسد دخل للمنطقة الذي يقع فيها منزلنا، وهي منطقة المزارع وما يزال فيها حتى الآن رغم أن بنود الهدنة تنص على انسحابه منها"

حيث نصت الهدنة على انسحاب جيش الأسد من جميع المناطق التي يسيطر عليها داخل الحي إلا أنه وحتى اليوم ما تزال العديد من المناطق تحت سيطرته.

كنا قد التقينا أثناء إعداد التقرير بالإعلامي إياد مبروكة والمعروف ب" أبو عمار " مدير المكتب الإعلامي في تنسيقية برزة خلال إعدادنا للتقرير ليرتقي شهيداً على يد قوات الأسد في حي القابون قبل نشر التقرير .

يحدثنا الشهيد إياد مبروكة عن موضوع انسحاب الجيش من برزة فيقول: " تقسم برزة إلى عدة قطاعات وهي : مركز الحي - البساتين - حارة السويدا - حارة الغربية - طريق الحنبلي - ظهر المسطاح، والنظام لم ينسحب إلا من منطقة الغمة الواقعة في مركز الحي، فيما بقيت قواته في منطقة البساتين الملاصقة لمشفى تشرين العسكري، وجزء من تلة ظهر المسطاح الملاصق لعش الورور، وكذلك حارة السويدا التي دمرها بعد السيطرة عليها، وهي مجاورة لمركز البحوث العلمية، أما الحارة الغربية فهي محاصرة من مركز البحوث العلمية، وحارات النازحين يسيطر عليها عناصر تعرف بـ "الشبيحة"، أما قطاع الحنبلي فهو مجاور للمربع الأمني للشرطة العسكرية، وهذه المناطق لم يلتزم النظام بالانسحاب منها كما هو متفق عليه في بنود الهدنة، وكما وعد العميد (قيس الفروة) في بدايات تنفيذ الهدنة بأن الجيش سينسحب منها فور دخول الأهالي"

تعرضت هدنة برزة لخروقات تعتبر معدودة مقارنة مع باقي الأحياء والمناطق التي وقعت هدناً مع نظام الأسد، وكان أحد تلك الخروقات ما حدث في الخامس والعشرين من شهر أيار الفائت بعد قيام عدة عناصر من الجيش الحر بإطلاق الرصاص على الأبنية التي يسيطر عليها النظام السوري على طريق الحنبلي، عقب قيام أحد عناصر الحواجز باعتقال شاب كان يريد الخروج للعلاج في مشافي دمشق، حيث دارت حينها اشتباكات عنيفة، وتبادل لإطلاق النار، استمر قرابة النصف ساعة ما أسفر عن ارتقاء ثلاثة شهداء مدنيين، إضافة لأربعة قتلى من قوات الأسد، وانتهى الأمر باجتماع مجموعة من قادة الكتائب في الحي مع ضابط برتبة مقدم مسؤول عن قوات الدفاع الوطني بدمشق وريفها، وعاد الوضع لما كان عليه على الفور.

كما يعتبر ملف المعتقلين أحد الملفات التي ما تزال حتى اليوم شبه متوقفة، فنظام الأسد لم يفرج عن كافة معتقلي الحي كما تعهد في الهدنة الموقعة، واكتفى بالإفراج عن حوالي الـ 60 معتقلاً من أصل 350 معتقل، وكان الإفراج عنهم على دفعات وبشكل فردي أحياناً، ولا يمكننا هنا أن نحصي عدد معتقلي الحي بشكل دقيق بسبب عمليات الإفراج والاعتقال التي لا تتوقف حسبما قال الأهالي.

يقول لنا الشهيد إياد : "استمرت عمليات الاعتقال تحت أسماء متعددة لتحدث بعض المشاكل الكبيرة بتصعيد كبير، لتتوقف الاعتقالات وتعود قبيل فترة بسيطة، وعند مطالبة النظام بالمعتقلين يكون رده بالتأجيل، ناهيك عن حالات الموت تحت التعذيب التي تصلنا من داخل فروع النظام ، وكان آخرها الشاب (حسام محمد بارة) البالغ من العمر 17 عاماً، والذي وردنا خبر وفاته تحت التعذيب، وكان قد اعتقل في الشهر 12 من عام 2013، وهو من أهالي حي برزة"

ظهرت مع عودة الأهالي إلى حي برزة العديد من المشاكل التي تتعلق بالأبنية السكنية والمنازل، وخاصة مع الانفلات الأمني خلال الحرب، واشتكى الكثير من الأهالي حينها من سيطرة عناصر مسلحة على منازلهم، وتفاجئ البعض الآخر بأن منزلهم مسكون من قبل عائلة أخرى.

تقول آية معلقة على هذا الأمر:
" نعم صحيح ، حتى أنه ببداية الهدنة مُنع أي شخص من خارج حي برزة أن يدخل ويسكن في منزله، والكثير من أهالي برزة سكنوا في منازل ليست لهم، وهكذا فقد سكنا في منزل آخر ليس منزلنا لكوننا من أهالي البلد ومنزلنا لا يصلح للسكن وهو في منطقة بيد النظام، وبعد قرابة الشهرين على الهدنة بدأت هذه المشاكل تحل عن طريق لجنة خصصت لذلك، وسمح للجميع بالدخول إلى برزة ، ومن أراد أن يعود لمنزله يعطي مهلة معينة للسكان الجدد، ومن ثم يحق له العودة بعد نهاية المهلة، في حين دفع البعض الآخر من السكان إيجارات رمزية لأصحاب المنازل مقابل بقائهم فيها"

وعن سبب تلك الحوادث يقول الشهيد أبو عمار :" في كل مجتمع هناك السيء والجيد، السبب في كل ما يحصل هو الأسد وتصرفاته وسياسته الرعناء في قتل الشعب، فقد أجبر الناس على حمل السلاح، وبعد أن هدأت المعارك، ظهرت سلطة السلاح، و برزت ظاهرة تحكم بعض العناصر المسلحة بالمنازل في بداية الأمر لإحساسهم بالغبن نتيجة تدمر بيوتهم، وهم من كانوا يدافعون عن الحي ولا يملكون مأوى، بينما عاد غيرهم من خارج الحي ليجد بيته، ويطالب به ليؤجره أو يغلقه، و مع الفوضى كان من الصعب السيطرة على تلك الحوادث،
و خلال شهرين فقط تم تنظيم هذا الأمر، و أعيدت الكثير من الحقوق لأصحابها فمن أراد الرجوع للسكن، يتم إخلاء المنزل له، ومن أراد إغلاق منزله ويبقى بعيداً عنه فيتم استئجار البيت منه بمبلغ معقول يقارب الـ 10-15 ألف ليرة شهريا".

من يمشي في شوارع برزة اليوم، يشاهد حياً نهض بعد عشرة شهور من الحرب، يبني نفسه بنفسه من جديد، ومن شاهد الحي عند الدخول إليه لم يكن يتوقع أن ينهض بهذه السرعة، ويمسح غبار الحرب عن طرقاته.

أبو قيس، أحد ناشطي حي برزة الذين عاشوا فترة الحرب والهدنة يقول : " 80% تقريباً من أهالي الحي عادوا خلال الهدنة، والحياة تبدو اليوم كما سبق، حتى أنها أكثر نشاطاً وانتعاشاً مما مضى، عادت المياه والكهرباء إلى الحي مع بداية الهدنة، وهي اليوم في خطة تقنين كباقي أحياء العاصمة، كما فتحت المخابز ومحطات الوقود والمحال التجارية أبوابها للعمل، ما جعل الحياة فيها طبيعية"

أما بالنسبة لآثار الدمار التي خلفها القصف العنيف طيلة عشرة شهور على الحي، فإنها لم تختف بشكل كامل عن ملامح برزة، فيمكنك بسهولة أن تلاحظ بعض المنازل المهدمة والأبنية محطمة الجدران، و اقتصر إعادة تأهيل البنى التحتية حتى الآن على المنازل التي يملك أصحابها قدرة على إصلاحها إضافة للشوارع الرئيسية.

عليه يقول أبو قيس : " معظم المنازل التي لم يعاد ترميمها حتى الآن يرجع لسبب أن أهاليها لا يملكون التكلفة اللازمة لإصلاحها، إلا أن هناك العشرات من العائلات يسجلون يومياً على الأضرار عند مكتب المحافظة الذي يقع مقره عند جامع السلام، فتأتي لجنة من المحافظة وتقوم بتقييم الأضرار، و تقدم تلك اللجنة تعويضاً عن الدمار الحاصل في منزلهم، وهناك عائلات عوضت عن الدمار بـ 200 ألف ليرة سورية، وأخرى بـ 300 ليرة، ويبقى ذلك رهناً للوسائط والمحسوبيات والسرقات المنتشرة في مؤسسة محافظة دمشق"

وكان قد اجتمع في العشرين من الشهر الجاري كلٌ من رئيس منظمة الهلال الأحمر والمسؤول الإقليمي بالصليب الأحمر ووفد من المحافظة، إضافة لفريق طبي، مع أعضاء المكتب الإغاثي في حي برزة، ودارت محاور الاجتماع حول وضع خطة عمل مشتركة في عدة مجالات إنسانية منها: توزيع السلل الغذائية، وإعادة تأهيل المنازل المدمرة، وقدم الهلال والصليب الأحمر وعوداً بإرسال فرق و ورشات من أجل إعادة تأهيل المنازل المدمرة بحيث تصبح صالحة للسكن.

يحدثنا أبو قيس عن الاجتماع قائلاً :" جاء مع وفد الهلال والصليب الأحمر طبيبان، أحدهم يختص بالأمراض العصبية والآخر بالعظمية، وكنا قد طلبناهم سابقاً لعلاج بعض المصابين في الحي، وبالفعل تم فحص أكثر من 50 مصاباً وقدم لهم العلاج اللازم"

ويضيف: " تحدثنا خلال الاجتماع عن السلل الغذائية وطريقة توزيعها على الأهالي، وسنعتمد على قوائم المكتب الإغاثي في الحي، ونضيف عليها بعض المعلومات مثل رقم دفتر العائلة، ويكون التوزيع بموجب ورقة من مختار الحي للتأكد من كون المعيل أحد سكان برزة، كما اتفقنا للعمل على إنشاء مكتب مشترك بين المكتب الإغاثي والهلال الأحمر مقره عند جامع السلام، ونقوم بمقاطعة قوائمنا مع قوائم الهلال لنعتمد على قائمة واحدة، وعليها سنبدأ بتقديم سلل غذائية وإنسانية للعائلات المتضررة"

ونفى أبو قيس من جهته عملية توزيع الهلال الأحمر لسلل غذائية في منطقة عش الورور المجاور لبرزة، وذلك حسبما انتشر على بعض الشبكات الإعلامية وقال : "الصورة التي انتشرت مصاحبة للخبر ليست في عش الورور، وإنما على الطريق العام، ولم يتم حينها توزيع أي سلة غذائية، وإنما قام الهلال الأحمر باتخاذ أحد الأبنية الواقعة بين برزة وعش الورور مستودعاً رئيسياً بالمنطقة ليس إلا" .

تختلف آراء أهالي حي برزة حول الهدنة، والمستفيد الأول منها، يقول أبو قيس : "
" المستفيد الأول من الهدنة هم المدنيون الذين شُردوا وهُجروا من منازلهم، وعانوا طوال فترة ما قبل الهدنة صعوبة في المسكن والمعاش بعيداً عن حيّهم، وكانت الهدنة كفيلة بتحسين ظروفهم"

في حين يختلف الشهيد أبو عمار مع أبو قيس فهو يجد أن الهدنة تصب في مصلحة النظام بالدرجة الأولى يقول " تعتبر هدنة برزة مثالاً ناجحاً للهدن أو المصالحات كما يسميها النظام أمام الرأي العام الدولي، وهي تصب بمصلحته أولاً، ومستقبل الهدنة لن يكون وردياً كما يظنه البعض، وخاصة مع تعنت النظام في تنفيذ بعض بنود الهدنة التي تحدثت عنها سابقاً، كبند المعتقلين، وانسحاب الجيش لخارج برزة، وفي حال قام بتنفيذها فسيكون الوضع أفضل حالاً وحينها لكل حادث حديث"

أما آية ابراهيم فتتفق مع الاثنان، إلا أنها تجد أن النظام هو المستفيد الأكبر، تقول آية حسب وجهة نظرها :" جميع الأطراف استفادت من هدنة برزة، المدنيين والجيش الحر والنظام، إلا أن المستفيد الأكبر هو نظام الأسد، ومن خلال احتكاكي مع بعض المؤيدين للنظام، فقد أبدوا بمعظمهم رغبتهم الكبيرة بالهدنة واستفادتهم منها، وخاصةً فيما يتعلق بفتح طريق مشفى تشرين العسكري الذي ينقل إليه المصابين من جيش الأسد، والذي كان قد انقطع لفترة طويلة خلال المعارك التي دارت في برزة، ما شكل خطراً على الجرحى الذين ينقلون يومياً إلى المشفى"

تعتبر هدنة برزة من أنجح الهدن التي أبرمت في دمشق وريفها، ويبقى نجاحها الحقيقي رهيناً لاستمرارها والتزام جميع الأطراف ببنودها، ومقدار التغيرات العسكرية والسياسية على الساحة الدمشقية خلال السنين المقبلة.

ترك تعليق

التعليق