السوريون من تيه الصحراء إلى البحر.. رحلة الموت في كل تفصيل

لم يشأ الحديث عن رحلته، فبعد وصوله إلى ألمانيا، بدأ بمسح تفاصيل تلك الرحلة المؤلمة من ذاكرته بكل ما فيها من إهاناتٍ وعذابات، هذا هو حال "عدي"، وهو سوري آخر عاش تجربة الوصول إلى أوروبا عبر التهريب، قاطعاً خلال رحلته جزءاً من صحراء الجزائر وليبيا.

ويروي "عدي": بدأت رحلتنا من سوريا إلى لبنان ومن ثم الجزائر، كنا حوالي 50 شخصا بيننا نساء وأطفال، وبعد وصولنا إلى مطار "هواري بو مدين" في العاصمة الجزائرية بدأت رحلة العذاب، حيث انتقلنا من المطار إلى منطقة اسمها "وادي سوف" وسط الصحراء، وصلنا إليها بعد 12 ساعة في السيارة، وفي اليوم الثاني من وصولنا جاء المهرب الجزائري لينقلنا إلى منطقة حدودية مع ليبيا في رحلة استمرت أيضاً 12 ساعة.

*مجردون من إنسانيتهم
ويضيف "عدي": رغم أن عدد أفراد المجموعة الكبير نسبياً إلا أن المهرب وضعنا في بيتٍ مكون من غرفتين وحمام منفصل غير مجهز للإقامة، لكن لم يكن باليد حيلة، أمضينا في هذا البيت يومين وكان الوضع صعباً للغاية، لكن الكارثة في ليلة اليوم الثالث، حيث أصبح عددنا حوالي 150 شخصا وعندها قرر المهرب الجزائري نقلنا وتسليمنا للمهرب الليبي.

ويكمل "عدي" تفاصيل رحلته الصحراوية إن صح التعبير ويقول: مشينا بعد منتصف الليل في الصحراء حوالي 10 كم على الأقدام شباب ورجال نساء وأطفال، وكنا معرضين لإطلاق النار علينا في كل لحظه من قبل حرس الحدود، وصلنا إلى المهربين الليبين وكانوا مجرد صبية مجردون من كل ما يمت للإنسانية بصلة وهنا زاد حجم المعاناة، وبدأو بالشتائم والسباب على الجميع ولا يمكن لأحد التحدث إليهم أبداً.

ويتابع "عدي": بعد ذلك نقلونا إلى مكانٍ مهجور في وسط الصحراء الليبية وهو عبارة عن بيتٍ من ثلاث غرف، وأمضينا في هذا المكان ثلاثة أيام من المعاناة بسبب الطبيعة القاسية، علاوةً على سوء المعاملة وقلة الماء والطعام، بعدها تم نقلنا إلى مكانٍ آخر بطريقةٍ مهينة جداً لا تليق حتى بالحيوانات.

وبعد أربع ساعات وصلنا إلى المكان الجديد، أمضينا ليلتنا، وفي الصباح نقلونا في سياراتٍ لنقل الماشية، كنا 75 شخصاً في السيارة مع العلم أنها لا تتسع لنصف هذا العدد من الماشية، استمرت رحلتنا 11 ساعة حيث درجات الحرارة تجاوزت 50 درجة، وبعد معاناةٍ لا يمكن وصفها لقسوتها وصلنا "زواره" المدينة التي ستبدأ منها رحلة الموت الحقيقية.

في "زواره" انتظرنا 8 أيام من الذل والإهانات والشتائم وسط ظروف قاسية جداً، حيث وصل عددنا إلى 250 شخصاً من رجالٍ ونساءٍ وأطفال، وفي ليلة الانطلاق إلى البحر تم وضعنا جميعاً في سيارة شحنٍ مغلقة بالكامل لمدة ساعةٍ واحدة تعرض خلالها الأطفال للإغماء من شدة الحر ونقص الأوكسجين داخل الحافلة وكانت من أصعب التنقلات على قصر مدتها وبعد وصولنا إلى مقربةٍ من البحر، تم نقلنا بقوارب مطاطيه لا تتسع إلى أكثر من ستة أشخاص، لكنهم وضعوا في كل قارب 20 شخصاً.

*رحلة الموت
ويكمل "عدي": هنا بدأنا نشعر بالرعب الحقيقي نقلونا جميعاً بعد ذلك إلى القارب الذي كان سينقلنا عبر البحر في رحلةٍ لا يمكن تسميتها إلا برحلة الموت، وصلنا جميعاً إلى القارب وكانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل وبدأت رحلتنا في قارب لا يتجاوز طوله 16 متراً وغير مؤهل للسير في مياهٍ عميقة.

أولى المفاجآت أنه لم يكن على القارب ستر للنجاة كما تحدث المهرب، وهنا بدأ إحساسنا بالخوف يتضاعف وفي الصباح كانت المفاجئة الثانية بوجود أكثر من 150 شخصا غيرنا على القارب كانو قد وضعوهم في أسفل القارب وكانوا من الأفارقة، ومن دولٍ عديدة، أي أن عددنا على هذا القارب أصبح أكثر من 400 شخص.

وبعد مسيرٍ دام حتى منتصف النهار وصلنا إلى المياه الإقليمية الإيطالية، وعندها وبشكلٍ مفاجئ تعطل محرك القارب ولم يعاود العمل مجدداً، هنا أصبحنا تحت رحمة البحر بعد الله، وبعد وقتٍ قصير علمنا أن المياه بدأت تدخل إلى غرفة المحرك، وهذا يعني أننا أصبحنا مهددين بالغرق في أية لحظة.

ويسرد عدي: استمرينا على هذا الحال ساعاتٍ عدة، حتى اقتربت منا سفينة لنقل النفط، حافظت على مسافة بيننا وبينها، وتحدث إلينا ربانها عبر الميكروفون مؤكداً أنه لا يستطيع عمل أي شيءٍ لأجلنا غير الاتصال في السفينة الإيطالية، ونحن كنا كالغريق الذي يتمسك بقشة، وما كان أمامنا إلا الانتظار، وبعد أكثر من ساعتين وبعد أن أصبح وضعنا خطيراً جداً تتطوع 4 شباب ممن يجيدون السباحة بالذهاب إلى السفينة المتواجدة على بعد قرابة 500 متر، وكانت مجازفة كبيرة منهم، لكننا وصلنا للحظات لا شي يفصلنا عن الغرق، ولو بدأ القارب بالغرق لا قدر الله لم يكن بمقدور هذه السفينة أن تقدم لنا أي شيء بسبب بعدها عنا.

*زوارق الحياة
واستطاع الشبان الأربعة من الوصول إلى السفينة وبعد جدال معهم أنزلوا قارب نجاةٍ صغير، وعاد الشبان إلى قاربنا الذي كنا ننتظر لحظة غرقة ولا حول لنا ولا قوة، وبعد عودة الشباب قالوا لنا إننا على اتصالٍ مستمر مع سفينة الإنقاذ، وما هي إلا دقائق وستصل، وفعلاً بعد قليل رأينا السفينة قادمة لنشعر في هذا الوقت ببعض الراحة، وبعد معرفة سفينة الإنقاذ بخطورة الوضع قامت بإنزال زوارق سريعة مصطحبين ستر النجاة، وبالفعل ما هي إلا دقائق قليلة حتى وصل أول زورق وقاموا بإعطائنا ستر النجاة ريثما تصل الزوارق الأخرى وهكذا تم أنقذ أكثر من 400 شخص من موتٍ لم يكن بعيدا عنا سوى لحظات.

تم نقلنا إلى السفينة ومكثنا بها يوما كاملا حتى وصلنا إلى البارجة وكانت مكانا لتجميع المهاجرين، بقينا فيها لمدة يومين حتى وصل عدد اللاجئين على متنها إلى أكثر من 2000 لاجئ وبعدها وصلنا إلى جزيرة "سيسيليا" في إيطاليا، ومنها تم توزيعنا على أكثر من مكان لتبدأ بعدها رحلتنا كل حسب المكان الذي يريد الذهاب إليه، حيث لم يتم إجبارنا على البصمة واستطعت بسهولة الانتقال بالميترو إلى ألمانيا.

وعن تكاليف الرحلة يشير عدي إلى أنه دفع للمهربين 2000 دولار، في حين أن إجمالي التكاليف هي 3500 دولار.

ترك تعليق

التعليق