جحيم القصف لا يقنع الروس بمبررٍ لمنح هاربين من سوريا اللجوء

لم تجد السلطات في روسيا ما يبرر منح اللجوء الموقت للمواطنة السورية ليلى عبدالسلام، بعد انتظار دام شهوراً. السيدة فرّت من إحدى مدن ريف دمشق، بعدما قُصف بيتها واعتُقل أخوها لتسمع نبأ مقتله في السجن تحت التعذيب، قبل تسليم عائلته أغراضه الشخصية وبطاقة هويته، في أقوى تأكيد لوفاته، ترافق مع تحذير من إقامة عزاء.

وحصلت ليلى من القسم المختص بفحص طلبات اللجوء في موسكو، بعد مراجعات كثيرة وانتظار مرهق، على رسالة طويلة جداً، اطلعت عليها «الحياة»، وفيها تفاصيل مثيرة عن تحليل الوضع في سورية، لكن أبرز ما خيَّب آمال اللاجئة الهاربة من جحيم القصف والموت إلى البلد الصديق، الفقرة الأخيرة التي لخصت القرار الصادم: يُرفض طلب اللجوء الموقت الى روسيا لعدم وجود أسباب مقنعة!

وفي مقدمة القرار فقرات مطوّلة عن التزام روسيا الاتفاقات الدولية المتعلقة بحق اللجوء الآمن للهاربين من الحروب، ونبذات مقتطفة من قوانين الهجرة والإقامة في البلد، وفقرة لافتة من تعميم أصدرته وزارة الخارجية الروسية يصف الوضع في سورية بأنه مضطرب، ويدرج أسماء المدن والمناطق «الآمنة» لأنها تحت سيطرة النظام، لكنه لا يتحدث عن حرب.

وقد يكون هذا هو السبب الشكلي وراء رفض غالبية طلبات لجوء السوريين في روسيا، إذ إن موسكو لا تعتبر في وثائقها الرسمية ان سورية في حالة حرب.

وسيكون على اللاجئة المرفوضة مثل مئات يقفون طوابير طويلة يومياً، في انتظار الحصول على رسالة مماثلة، ان تقدم تظلُّماً، وتمر عبر «سماسرة» الهجرة واللجوء الذين نشطوا ووجدوا سوقاً مغرية لتجارتهم.

وعلى رغم ان روسيا لا تعدُّ بلد استقبال للمهاجرين او اللاجئين بسبب القيود الصارمة، ولأنها لا تمنح أصلاً امتيازات بينها تأمين السكن والضمانات الاجتماعية والصحية مثل كثير من البلدان الأوروبية، زاد «الإقبال» عليها بسبب سهولة الحصول على تأشيرتها من دمشق. ولا يطمح اللاجئ إلى روسيا إذا حالفه الحظ وحصل على البطاقة النادرة، إلى أكثر من بطاقة إقامة قانونية، تبعد عنه شبح رجال الأمن الذين يتفحصون المارة في الطرق وفي محطات مترو الأنفاق، ويوقفون من «يشتبهون» في كونه أجنبياً، خصوصاً اذا كانت ملامحه «شرق أوسطية» ولونه يميل إلى السمرة.

والأكثر سوءاً أن «اللاجئين» لا يجدون من يقدّم لهم العون ويعينهم على فك طلاسم اللغة الروسية، وترجمة النصوص والتعليمات التي توجّه إليهم، وهذا شأن لا تقل أهميته عن مصيبتهم. ففي حالات كثيرة كان مبرر الرفض «مخالفة أنظمة الإقامة» ليكتشف مكتب اللجوء التابع للأمم المتحدة ان «المخالِف» لم يكن يعرف لدى رفض طلبه طبيعة الأنظمة التي خالفها.

وقال لـ «الحياة» ناشط من اللاجئين قضى عامه الأخير في مكاتب السلطات المختصة ولم يحصل بعد على نعمة اللجوء، حتى قرر أن يفيد الآخرين بخبرته فتحوّل الى مترجم ووسيط.

المشكلة تكمن في ان السلطات الروسية تتعامل مع اللاجئين من «المناطق الساخنة» وفق الأنظمة المعتمدة لمواجهة الهجرة غير الشرعية والعمال الوافدين، أي من دون تقدير الظروف الخاصة التي دفعتهم إلى الفرار من أتون الحرب. وهكذا يغدو على طالب اللجوء مثلاً ان يتقدم لتسجيل نفسه لدى أقرب مركز للشرطة ليتجنب الوقوع في فخ مخالفة القوانين، ما يعرِّضه لرفض طلبه.

والمثير أن الموظفين المعنيين الذين يرفضون التعامل مع الصحافة، أو تقديم معطيات أو أرقام عن أعداد طالبي اللجوء أو ظروف التعامل معهم، يكتفون عادة حين يسألهم اللاجئ المرفوض حول الخطوة اللاحقة الواجب اتخاذها، بالرد بعبارة بسيطة: عليك ان تعود في غضون شهر الى بلدك!

ترك تعليق

التعليق