خبير يفصّل لـ "اقتصاد" مصادر تمويل "داعش" و"النُصرة" وتأثير قرار مجلس الأمن (2- 2)

كيف سيؤثر القرار الدولي رقم 2170 على تمويل كلٍ من تنظيم "الدولة الإسلامية – داعش"، و"جبهة النُصرة"؟


تابع حمزة المصطفى في إجابته المفصلة لنا، وبعد استعراض أبرز مصادر التمويل التقليدية التي تحظى بها الجماعات الجهادية، وفي مقدمتها "جبهة النُصرة"، و"تنظيم الدولة الإسلامية – داعش"، يستطرد المصطفى مفصلاً لنا مصادر أخرى غير تقليدية، وهي مصادر تمويل جديدة لم تكن تعرفها التنظيمات الجهاديّة التقليديّة لاسيما تلك التي تفتقد حيزاً جغرافياً آمناً نسبيًا تنشط ضمنه.

ثانيًا: المصادر غير التقليديّة:

ويمكن تقسيمها وفق الآتي:

الخدمات والحمايّة:

 لا تفضل الحركات الجهاديّة الاحتكاك بالمجتمعات المحليّة لأسباب أمنية تتعلق بإمكانية استهدافها واختراقها، وخشية الاصطدام معها. لكن مع تغير أساليب قتال الحركات الجهاديّة ولاسيما بعد تجربة العراق وسوريّة وسيطرتها على مناطق جغرافيّة، اضطرت إلى الاحتكاك مع المدنيين. فعلى سبيل المثال استولت جبهة النصرة على صوامع الحبوب في حلب وتولت توزيع الطحين على المخابز، وقامت بحمايّة بعض المصانع في حلب مقابل مبالغ مادية من التجار والصناعيين، وأقامت مشاريع خدمية كالنقل العام في حلب وريفها وهو ما وفر لها عوائد ماليّة دائمة، بالمقابل استولى داعش على دوائر الدولة في كل من العراق والشام، وعلى المؤسسات الخدمية، وعلى السدود، والصوامع، ومحطات الكهرباء، وحرص على إبقاء العاملين فيها وإدارتها وفق المعتاد، وكذلك الحال بالنسبة لمؤسسات المياه والنظافة. وبالطبع فإن المقابل لهذه الخدمات جباية مالية ساعدت وتساعد التنظيم على تدبر أموره.

فرض الضرائب:

وهو أسلوب نهتجه دولة العراق الإسلامية منذ الإعلان عنها، اذ اعتبرت نفسها دولة، ومنحت نفسها الحق في فرض الضرائب على النشاطات التجارية والصناعية في المناطق التي توجد فيها. أما في سوريّة فقد اضطلعت النصرة من خلال الهيئات الشرعيّة بدور إداري في تنظيم شؤون المجتمعات التي توجد ضمنها (البيع، الشراء، الزواج، المعاملات..)، واستفادت من العوائد الضريبية الصغيرة والكبيرة التي فرضتها الهيئات الشرعية في عدد من المناطق لاسيما في حلب.


ثالثًا: مصادر جدليّة:

يُضيف حمزة المصطفى، خبير العلوم السياسية، بأن هناك مصادر للتمويل لا تعترف بها الحركات الجهاديّة لكنها موجودة في الواقع. فعلى الرغم من أهميّة المصادر السابقة إلا أنها تمنحها القدرة على البقاء فقط وليس التفوق والهيمنة. وبناء عليه، تسعى بعض الحركات الجهاديّة إلى تأمين مصادر تمويل تؤمن لها مردود سريع وكبير. فعلى سبيل المثال هناك علاقة وتنسيق بين الحركات الجهادية وشبكات الاتجار بالمخدرات في شمال أفريقيا. وفي اليمن والصومال كان ثمة ارتباط بين شبكات القرصنة البحريّة والجماعات الجهادية التي كانت تؤمن لها الحمايّة والملجأ. وفي العراق، انخرط بعض أفراد الحركات الجهادية في شبكات تهريب الآثار في السوق السوداء العالميّة، فكما هو معرف لا تقيم هذه الحركات وزناً أو أي رمزية للآثار القديمة وتعتبرها حجارة وأصنام تلاشت بعد الإسلام. وقد لجأ داعش على سبيل المثال إلى تدمير الآثار الكبيرة والتي يصعب بيعها كما جرى في الموصل ودير الزور وغيرها، لكن الكنوز والقطع ذات الحجم الصغير أصبحت تدر له مبالغ كبيرة في سوق التهريب مع وجود زبائن متشوقين لاقتناء هذه الكنوز وبأسعار تعتبر رخيصة مقارنة برمزيتها التاريخية.

رابعًا: الثروات الطبيعية والنقاط

في سوريّة كان النفط أكثر المصادر غير التقليديّة والتي توفر التمويل للحركات الجهاديّة. لقد سعت جبهة النصرة ومنذ توسع نشاطها في المنطقة الشرقية بداية عام 2013 إلى السيطرة على آبار النفط والمنشآت النفطية في محافظة دير الزور والحسكة وهو ما حصل بالفعل. وعلى الرغم من أن النصرة تسترت بالهيئة الشرعية لإنكار تحكمها بهذه المنشآت والموارد، إلا أنها كانت المسؤولة المباشرة عن عملها وعن استخراج النفط وبيعه، وعن حمايتها. وقد تبنى تنظيم داعش هذه المسألة فحاول في سبيل إضعاف النصرة الاستيلاء والاستئثار بإدارة هذه المنشآت والاستفادة منها.

كانت قناعة النصرة وداعش أن من يُحكم السيطرة على الذهب الأسود في سورية سيتمكن من فرض نفوذه وتفوقه على الآخر وعلى الآخرين أيضًا. تأسيسًا على ذلك، بدأت معركة طاحنة منذ شهر آذار/ مارس الماضي بين النصرة وداعش على حقول النفط في دير الزور، انتهت بداية بانتصار النصرة وطرد داعش من المنطقة. ولم تمض شهور حتى استجمع داعش قواه وأعاد الهجوم من جديد ليسيطر على بعض الحقول قبل أن يسيطر عليها جميعها بعد انسحاب النصرة وباقي الفصائل من مدينة دير الزور.

لاشك أن النفط هو الكنز الأهم بالنسبة لداعش، إذ يُقدر الإنتاج الحالي بنحو 50 ألف برميل، يعاد تكريره عبر مصافي بدائية "الحرقات"، ويباع إلى السوق الداخلية في المدن السورية، وإلى تركيا.

ثانياً: تأثير قرار مجلس الأمن 2170


يصل حمزة المصطفى الآن إلى قرار مجلس الأمن رقم 2170 الخاص بتجفيف سبل تمويل ودعم "داعش" و"النُصرة" وأثره على تمويل هاتين الجماعتين. فبعد استعراض مصادر التمويل السابقة، يعتقد المصطفى أن تأثير القرار الدولي الأخير طفيف من الناحية الاقتصادية، وقد يفرض قيوداً على حركة التبرعات من بعض المصادر المعروفة كما جرى مع حجاج وشافي العجمي في الكويت مؤخرًا، ومع بعض الشخصيات القطرية والسعودية والتي أدرجتها الولايات المتحدة على قائمة الإرهاب. من دون أن يعني ذلك توقف تدفق التبرعات والتي تأتي بشكل كبير عبر طرق غير مباشرة ولا تتم عبر التحويلات البنكية أو النقدية المتعارف عليها.
 
أما فيما يتعلق بشراء النفط، فالقرار أيضاً ليس له تأثير كبير، فالدول عادة لا تشتري النفط من غير الدول كما حصل مع إقليم كردستان في الأشهر الأخيرة عندما حاول بيع نفطه بدون موافقة الحكومة العراقية. في سورية صدر قرار عن الاتحاد الأوروبي بإمكانية شراء النفط من المعارضة السورية، ولكن هذا القرار لم يطبق بسبب سيطرة النصرة ولاحقاً داعش على الحقول النفطية.

وفي هذا الواقع، نشطت تجارة تهريب المشتقات النفطية إلى تركيا، فكما هو معرف تعتبر أسعار الوقود في تركيا من أغلى أسعار الوقود في العالم، وبناء عليه فإن حرفة التهريب من سورية إلى تركيا حرفة موجود قائمة منذ سنين. وعلى اعتبار أن السوق التركية تستوعب أي كميات فإن المهربين الأتراك والأجانب الموجودين على الحدود مهتمين بتهريب المشتقات النفطية السورية في هذه السوق كونها تدر عليهم ربحاً كبيراً.

كما أنه وفي ظل اعتماد الحركات الجهادية على مصادر أخرى للتمويل غير تقليدية فإن تأثير هذا القرار يكاد يكون منعدماً.

 يبقى أن الجماعات الجهادية مهما توسعت وازداد نفوذها لا تضم أعداداً كبيرة من المقاتلين. فعلى سبيل المثال، وعلى الرغم من الضجة الإعلامية والسياسية حول تنظيم داعش، فإن عدد مقاتليه وبحسب إحصاءات غربية لم يتجاوز40 ألفاً في كل من سورية والعراق، في حين أن عدد مقاتلي النصرة يقدر بأقل من عشرة آلاف. ومن المنظور السابق، فإن هذه الحركات لا تحتاج إلى مصدر تمويل ضخم، وتستطيع التكيف مع ما هو موجود وقائم.

ويخلص حمزة المصطفى في نهاية حديثه مع "اقتصاد" إلى أن قرار مجلس الأمن سياسي بامتياز، ويهدف قبل كل شي إلى تشكيل تحالف دولي ضد هذه الحركات والمنظمات والتفويض بالتدخل العسكري ضدها، ومحاولة عزلها دولياً، ومنعها من أن تفرض نفسها كطرف يحتم على بعض القوى والدول التعامل معها.

 

رابط الجزء الأول:

خبير يفصّل لـ "اقتصاد" مصادر تمويل "داعش" و"النُصرة" وتأثير قرار مجلس الأمن (1- 2)

ترك تعليق

التعليق