عمالة الأطفال السوريين في تركيا: قصص ونماذج

تعدّ ظاهرة عمالة الأطفال من أخطر الصعوبات التي تواجه اللاجئين السوريين في تركيا وتهدد مستقبل أبنائهم، إذ أصبحت العائلة السورية اللاجئة آلة تعمل بكل طاقتها من أجل التغلب على مصاعب الحياة المختلفة والمتمثلة في تأمين إيجار البيت ودفع فواتير الكهرباء والمياه والتي باتت هموما تثقل كاهل الأسرة السورية، وتدفع بها إلى تشغيل أطفالها لتأمين مصاريفها.

ويعمل معظم الأطفال السوريون في أعمال شاقة –قياسا بأعمارهم– بأجر زهيد ولساعات طويلة من النهار، خاصة في المطاعم والأفران وورشات الحدادة والنجارة، كما يعملون أحيانا بمهن لا تليق بطفولتهم كتهريب الدخان أو بيعه في الأزقة والطرقات أو على إشارات المرور بين السيارات.

في مدينة كلّس الحدودية، وفي محطة الحافلات أثناء توجهنا إلى مدينة غازي عنتاب التقينا في الحافلة بأحمد ذي الـ13 عاما وعدد من أصدقائه الذين يحملون أكياسا سوداء وحقائب فيها دخان مهرب من سوريا، متوجهين بها إلى مدينة غازي عنتاب عبر طريق تنتشر فيه عدد من حواجز الجيش التركي الـ”جندرما”، والتي تفتش جميع الحافلات بحثا عن البضائع المهربة لمصادرتها واعتقال أصحابها.

يخبئ أحمد ورفاقه الدخان عادة بين ملابسهم أو في حقائب صغيرة يحملونها بأيديهم، أو تحت مقاعد الركاب في حال أوقف الجيش التركي الحافلة للتفتيش.

أما إذا ضُبِطت البضاعة فتُصادر ويُعتقل صاحبها لفترة يومين إلى ثلاثة، أو يُرحّل إلى سوريا. ويقول أحمد إنه اعتقل حتى الآن 3 مرات أثناء عمله إلا أن الجيش التركي أطلق سراحه لصغر سنه.

يتحدث أحمد عن عمله، واصفا إياه بالـ”جيد”، فالأتراك يرغبون بالدخان السوري لرخص ثمنه، إذ يبلغ سعر العلبة الأغلى عندهم 7 ليرات تركية أي حوالي 3.5 دولار، في حين يباع الدخان السوري المهرّب بنصف الثمن تقريبا.

أما عصام –صديق أحمد في مهنة التهريب– فيعمل منذ سنة، ويرى أن “العمل في الورشات مع الأتراك فيه مشاكل كثيرة”، وبعد أن عمل عصام في ورشة للخياطة وجمع مبلغا من المال قرر التوجه للعمل في التهريب، وفي كل مرة يحمل 25 “كروز” قيمته ما بين 400 إلى 500 ليرة تركية، ويشير عصام إلى أن عمله الجديد أفضل من العمل في الخياطة، إلا أنه “في حال مصادرة البضاعة يضيع التعب كله سدى”.

أوقفتنا دورية للجيش التركي في مدخل مدينة غازي عنتاب للتفتيش، إلا أن مجموعة المهرّبين الصغار كانوا ذوي حظ جيد إذ لم تكتشف الدورية مكان الدخان بعد أن خبّؤوه تحت المقاعد.

مع وصولنا إلى مدينة غازي عنتاب، وأمام كراج كلس، صادفْنا طفلا اسمه حسين من قرية عزيزة بريف حلب عمره 10 أعوام قدم إلى تركيا منذ 3 أشهر ويعمل في فرن للخبز من الساعة السابعة صباحا وحتى الثامنة مساء، أي حوالي 13 ساعة يومياً.

يقوم حسين بتوصيل الطلبات للزبائن وتنظيف الفرن ويساعد العمال فيه، ويحصل على 50 ليرة تركية أسبوعيا أي ما يعادل 25 دولارا، يقدمها إلى والديه مساعدة لهم في تأمين مصاريف الحياة.

وعندما سألنا حسين عن مدرسته وعما إذا كان يحنّ إليها، أجابنا بأنه يفضل العمل على الدراسة لأن صاحب الفرن يحبه ويهتم به فـ”أنا نسيت المدرسة وتعودت على عدم وجودها في حياتي بعد ما يزيد عن 3 سنوات من التشرد”.

وليس حسين إلا واحدا من مئات الأطفال السوريين الذين يعملون في محال مدينة غازي عنتاب وورشاتها؛ إذ توجد نسبة كبيرة منهم في ورشات الخياطة والحدادة والمطاعم والمقاهي، في حين يقوم الكثيرون ببيع الخبز السوري في الطرقات.

والمحظوظ من هؤلاء الأطفال من يجد عملا مريحا كمحمود (15 عاما) الذي يعمل مترجما في إحدى الصيدليات بمدينة أورفا. ويحصل محمود على 70 ليرة تركية في الأسبوع، حيث يجلب الدواء للزبائن ويعمل من 8 صباحا وحتى 7 مساء، وقد تعلّم اللغة التركية بعد أن خرج من سوريا منذ سنة و8 أشهر.

وفي مقام نبي الله إبراهيم عليه السلام بمدينة أورفا كذلك، حيث يعج المكان بالسياح والزوار، وجدنا أطفالا سوريين يضعون أمامهم موازين ويدعون الناس إلى قياس وزنهم مقابل بضع قروش، ومنهم من كان يحمل فوق رأسه طبقا من الكعك يجوب به في باحات المساجد.

حمود أحد هؤلاء الأطفال في الـ10 من عمره وهو أكبر أفراد أسرته عمرا، اشترت له أمه ميزانا يضعه أمامه في ساحة المقام، ويجمع من عمله ما بين 6 إلى 8 ليرات في اليوم الواحد، يزن الواحد نفسه على ميزان حمّود بـ25 قرشا تركيا فقط.

ويبدو أن المدرسة باتت آخر ما يفكّر به هؤلاء الأطفال الذين بتصدّون لصعوبات الحياة في الطرقات والورشات، فضلا عن أنها أصبحت لدى كثيرين منهم ذكريات، دون أن يشعروا بخطورة ذلك على مستقبلهم ومستقبل بلدهم سوريا، ما يتطلب من القيّمين على النشاط التعليمي في مؤسسات المعارضة السورية دق ناقوس الخطر، لأن هؤلاء الأطفال هم من يفترض فيهم أن يقودوا سوريا الغد، ويبنوا مستقبلها الذي ضحى من أجله عشرات الآلاف.

ترك تعليق

التعليق