ظاهرة تصوير اللاجئين أثناء تسليمهم المساعدات بين التوثيق وسرقة المال الإغاثي !

"لا تصورني أنا لست وثيقة لإثبات نزاهتك، ابتسامتي المكسورة ليست أفضل تسويق لصفحتك المغمورة، أنا مثلك كرامتي غالية، أحفظ كرامتي لا تصورني بحالة انكسار"، كلمات بليغة جعلها عدد من ناشطي "فيسبوك" شعاراً لحملة ضد ظاهرة سلبية تمثلت في قيام الكثير من الجمعيات الخيرية وهيئات إغاثة اللاجئين السوريين وبعض الأفراد في دول اللجوء بتصوير العائلات والنساء والأطفال منهم بالذات أثناء توزيع الإعانات والمساعدات التي يقدمونها لهم ونشرها على صفحات "فيسبوك" ومواقع التواصل الاجتماعي، بغرض التفاخر حيناً، والتوثيق أحياناً أخرى، وربما لاستجرار التبرعات والمساعدات وسرقة المال الإغاثي في أحايين أخرى، وأياً يكن الهدف من تصوير اللاجئين ونشر صورهم، فإن هذه الظاهرة مرفوضة بكل المعايير وهي تعد اعتداءً صارخاً على حرمة اللاجئين وكرامتهم واستغلال لحاجتهم والظروف التي أجبرتهم على اللجوء، وتتطلب من الناشطين محاربتها وكشف من يقوم بها لأن الشعب السوري لم يكن يوماً مدعاة للشفقة أو التسول باسمه وكرامة السوريين لا تدانيها كرامة أخرى في العالم.

الناشط "معتز شقلب" يرى في حديث لـ"اقتصاد" أن تصوير اللاجئين وهم يستلمون المعونات هو من أسوأ ما يقوم به الداعمون، إن قاموا بنشر ما صوروه.

ويضيف شقلب: يمكنني أن اقتنع أن التصوير للتوثيق مسموح به ولكن أن ينشر ذلك على الملأ فهذا تعدٍ صارخ على حرمة اللاجئ الذي يبدو في أحيان كثيرة للأسف عاجزاً لا يستطيع أن يقول إن ما تقومون به شيء مقزز، ويطالب الناشط شقلب الجمعيات والداعمين والناشطين عدم اتخاذ صور اللاجئين كسلعة لاستجرار أي دعم جديد من خلالها، وخاصة أن الكثيرين يصورون اللاجئين ويقبضون عليهم ولا يصل شيء للاجئ.

اختراق خصوصية اللاجئين !
ومن جانبه يرى "أحمد معروف" وهو ثائر مصاب أن توزيع المعونات على الشعب السوري من قبل الجمعيات الإغاثية والخيرية يستحق الشكر، ولكن الأمر يتعدى فعل الخير عندما تقوم هذه الجمعيات بتصوير من يستلم معوناتها من العائلات ونشر صورهم من باب تشجيع الآخرين وإثبات عملهم الخيري وأنهم ذوو مصداقية، وهم بذلك يضربون بعرض الحائط عزة نفس العائلات وكرامتها. ويردف معروف إن نشر الصور عبر مواقع التواصل الاجتماعي يعتبر اختراقاً لخصوصية الناس وفيه إساءة وبخاصة للأطفال منهم لأسباب تعود أولاً إلى العامل النفسي لديهم، والأطفال بالطبع لا يدركون نتائج هذه الصور ونشرها في حينها ولكن عندما يكبرون سوف يشاهدون صورهم ويشاهدون أية طفولة عاشوها وأي وطن كانوا يحيون عالمه كل صباح، وعندما سيعودون لمدارسهم السابقة كيف سيواجهون المجتمع عندما يقول لهم أحد أصدقائهم إنني شاهدت صورك على النت وأنت تستلم المعونات.

ويستدرك معروف: أي شعور سينتاب هذا الطفل الذي لا ذنب له سوى أن هذا النظام كان يحكم وطنه وأنه سبب في لجوئه للمعونات، عدا جرح مشاعر هذا الطفل الذي يكبر فيه شعور الفقر والعوز والتشرد وسيصبح إما مستسلماً لهذه الحالة وإما سيعتاد عليها وإما سيكبر في نفسه شعور الحقد على كل من لم يعش عيشة النازحين.

ويطالب "أحمد معروف" أن يبعد من يقومون بالأعمال الإنسانية الكاميرات عن وجوه أطفالنا لأننا -بحسب قوله- نريد أن نمحو من ذاكرتهم هذه الأيام التعيسة التي يعشونها ولا نختم على ذاكرتهم هذا الزمن المعتوه.

التصوير وظاهرة الفساد !
ويرى الناشط الإغاثي والشاعر "هاني العرفي" أن لموضوع التصوير أثناء توزيع المساعدات سلبياته كما له إيجابياته. وتكمن سلبيات هذا الموضوع –كما يرى- في إسراف البعض بتصوير البشر لإظهارهم بمظهر الذليل من أجل حفنة من المساعدات العينية القليلة. والأمر الآخر كثرة الناس والشخصيات التي انخرطت في العمل الإغاثي، ويشير العرفي إلى أن الصورة أظهرت للكثير من المجتمعات العربية والغربية أن الشعب السوري جائع وذليل يبحث عن الرغيف. ويفسر العرفي سبب انتشار ظاهرة التصوير بالفساد الذي انتشر في العمل الإغاثي، ما دعا الداعمين لطلب الصور والفيديوهات ممن يرسلون لهم المساعدات لإثبات إيصال ما أرسل لهم لتوزيعه على المحتاجين. 

مع العلم أن هذا الأمر لم يعد بالفائدة المطلوبة فالكثير من الفاسدين في هذا المجال أثبتوا جدارتهم في التصوير لإظهار عملهم والتغطية على سرقاتهم سواء كانوا أشخاصاً أو جمعيات خيرية استغلت هذه الظروف ويوضح هاني العرفي الإيجابية في التصوير تتمثل عندما تقوم مؤسسة محترمة.

كالمؤسسات الدولية مثلاً لديها طاقم عمل متكامل من بينه فريق إعلامي يحسن التصوير، وتكون الصور حينها شبه رسالة جميلة لا يشعر الإنسان السوري من خلالها بالإذلال أو على أقل تقدير تخفف لديه من هذا الشعور. فعندما تلتقط صورة لطفل جميل مثلاً بمخيم الزعتري أو بالداخل السوري مبتسماً أو يلهو رغم المعاناة المحيطة به تجد التفاعل لدرجة أن تطلق بعض المؤسسات حملة شعارها صورة هذا الطفل.




ترك تعليق

التعليق