شهادة لاجئ سوري: رحلة القهر والعذاب للوصول إلى أوروبا -الجزء الأول

في حديقة عامة في ضاحية سان-وان الباريسية تجمعت أكثر من مئة عائلة من السوريين اللاجئين. كيف جاؤوا إلى هنا؟ وكيف وصلوا؟ ماهي حكاياتهم؟ حاولنا معرفة ذلك، فاخترنا عائلة منهم لتروي لنا حكايتهم.

*الجزء الأول

ليكن إسمي أبوعصام كما في مسلسل باب الحارة، وأرجو أن لاتأخذ لي صورا الآن لأني لا أعرف إن كانوا سيوافقون على طلب اللجوء الذي تقدمت به. هذا ما قاله لي الشاب الحلبي أبو عصام ذو 27 ربيعا.

*البداية

أنا طباخ كنت أعمل في مطعم بحي السبيل في حلب وأنا المسؤول عن الطهي أنا "الشيف" وأطبخ الشرقي والغربي ويوميتي كانت 1300 ليرة يدفعها لي صاحب المطعم كل مساء، أي كنت أربح شهريا 39 ألف ليرة وهذا معاش ممتاز يكفيني وعائلتي -زوجتي وطفلين-، الحياة مقبولة والزبائن كثر والأكل طيب.

*"في حلب صار الموت أقرب إليك من أمك وأبيك"

لم تعرف حلب الأحداث كما عرفتها باقي المدن في درعا وحمص وغيرها، ولكن بدأت الأخبار تأتي إلينا في نهاية الشهر التاسع وبداية العاشر من عام 2011 عن اشتباكات ومعارك في الريف الشمالي لحلب وخاصة في حيان وحريتان وإعزاز, ثم بدأت المظاهرات التي قام بها الأكراد أولا وخاصة في حي الشيخ مقصود وهو حي كبير يتألف من شرقي وغربي ومعروف، بدأت المظاهرات تتوسع لتشمل الأشرفية والسبيل، لكن سرعان ما شكّل الأكراد نوعا من الجيش لحماية أنفسهم بقيادة الحزب "بي بي كا". وأقام الأكراد هدنة مع الطرفين الجيش النظامي والآخرين، وصارت الأشرفية والسبيل خطوط التماس الأولى.

*قهوة الصباح

في سوريا يتناول الناس عموما القهوة إما برفقة صوت فيروز وهي مغنية لبنانية ولكن لها شعبية كبيرة عندنا في سوريا، أو برفقة صوت القرآن الكريم، أما أنا فكنت أشربها برفقة وائل، وائل كان بالنسبة لي الصباح والقهوة، الصديق والأخ، تعرفت إليه منذ ست سنوات، ومنذ ست سنوات لا أشرب قهوة الصباح إلا معه، رغم أنه من عائلة ثرية وعندهم أملاك كثيرة إلا أنه متواضع جدا، ونشأت بيننا صداقة حميمية أغناها نوع من الروح الرياضية إذ كان المرحوم وائل فلنقرأ الفاتحة على روحه -توقفنا عن الحديث وقرأنا الفاتحة- من مشجعي ريال مدريد وأنا من مشجعي برشلونة.

*موت وائل

كان لوائل أخ أكبر منه بنحو عشر سنوات وهو ضابط برتبة ملازم أول في الشرطة ويسمى نضال لم أكن أعرفه شخصيا، وذات يوم وقبل نصف ساعة من نهاية عملي، ينتهي عملي في السابعة مساء، فمنذ أن انطلقت الأحداث بدأت المحال التجارية تقفل باكرا وما أن يبدأ الظلام بالهبوط حتى تقفر الشوارع من المارة، سمعنا دويا وصوتا غريبا أصداءه وصلت إلينا ولم نعرف مصدره، ركضنا إلى الغاز نتفقده لأننا حسبنا أن الغاز قد انفجر في المطبخ، ثم تنبهنا إلى الخارج حيث رأينا الناس يركضون باتجاه سحابة دخان ركضنا معهم إلى مكان الانفجار، تريثنا قليلا من الخوف فربما هناك سيارة مفخخة أخرى، ما إن انجلى الدخان حتى تعرفت على جثة وائل، وكانت هناك ثلاث جثث لامرأتين وطفلة، كانت السيارة للضابط نضال شقيق وائل. لقد وضعوا له عبوة لاصقة فيها وكان ولاشك هو المستهدف ولكن وائل هو الذي أخذ السيارة يومها وانفجرت فيه.

*من وضع العبوة الناسفة؟

من وضعها؟ لا أعرف...في سوريا من المستحيل أن تعرف حقيقة ما يجري، الشيء المؤكد أن وائل قد استشهد، لم يمت موتة طبيعية، وكان بريئا، لم يحمل سلاحا مع أحد ولا ضد أحد. وعندما مشينا في جنازته لندفنه في مقابر الشيخ جاكير وهي قريبة من منطقة هنانو التي كانت تحت سيطرة جماعات جهادية، بدأ الضابط نضال ورفاقه يطلقون النار في الهواء إكراما لروح الشهيد وائل، ولكن سرعان ما رد الجهاديون عليهم بإطلاق النار واستمر تبادل إطلاق النار لأكثر من ربع ساعة، لكننا في النهاية تمكنا من دفن وائل، فكما تعرف إكرام الميت دفنه.

*لماذا تركت البلاد؟

صار السواد يحيط بك، وبدأ الموت العشوائي يتغلغل بين الناس، الانتقام صار يوميا، ولاتعرف من أين تأتيك رصاصات القناصين الذين انتشروا على أسطح المنازل، والانتهاكات صارت يومية ومن كل الأطراف، بدأت الأسعار تقفز بشكل جنوني، ولم تعد المواد الغذائية متوفرة بشكل كافٍ. ربطة الخبز وفيها تسعة أرغفة أي كيلو غرام واحد، قفز سعرها من 15 ليرة إلى 500 ليرة -20 سنتيم إلى 9 يورو، وليست دائما متوفرة، وأحيانا تنتظر من أربع إلى خمس ساعات في الطابور ولا تحصل حتى على رغيف واحد. أقفل المطعم لأن الدجاج صار غاليا جدا، ولم يعد هناك زبائن، ذهبت لصاحب مطعم وقال لي إنه يستقبل في مطاعمه الخمسة التي يملكها زبونين أوثلاثة في اليوم. وصار الموت أقرب إليك من أبيك وأمك.

ولماذا ذهبت إلى خارج سوريا؟ ألا توجد مناطق آمنة في سوريا؟

بين حلب وحمص 200 كم تقريبا وفي الأوقات الطبيعية كنا نحتاج إلى ساعتين وشوية لقطعها، أما مع الأحداث فصرنا نمضي نحو 13 إلى 15 ساعة للوصول إلى حمص هذا إذا وصلت إليها حيا. ثم هل حمص آمنة؟ هل دمشق آمنة؟ هل ريف دمشق آمن؟ ونحن في حلب لانبعد أكثر من 70 كم عن تركيا.