أطفال سوريا في بيروت.. رجال أثقلتهم هموم الحياة

ليس من السهل إقناع محمود طفل العشر سنوات برسم ابتسامةٍ على شفاهه، خصلة شعره المشتعلة شيباً ليست وحدها التي تشي بعمر هموم هذا الفتى، فهو معيل الأسرة المكونة من ستة أشخاص، ويقف يومياً لما يزيد عن عشر ساعات يبيع خلالها البزر والمحارم لتأمين متطلبات الحياة.

أطفال سوريا باتوا رجالاً بوقتٍ مبكرٍ جداً، فهي البلد الأكثر خطراً على الأطفال حسب منظمة الأمم المتحدة، ولعل محمود طفل واحدا من بين أكثر من ثلاثة ملايين طفل نازح سوري، وثقتهم منظمة الأمم المتحدة، غير قادرين على الذهاب إلى المدرسة وهو المكان الطبيعي لأطفال هذا السن.

وكما كان صعباً زرع ابتسامةٍ على وجه محمود أيضاً لم يكن سهلاً أن يروي لنا حكايته، ليخبرنا أخيراً أنه أكبر إخوته الأربعة يعيشون مع والدته في بيتٍ تصل أجرته إلى 400 دولار، وهو الوحيد القادر على العمل فوالده معتقل ومنقطعة أخباره منذ ما يزيد عن عامين.

وليست نبرة صوت الفتى وصرامة وجهه وحدها التي توحي برجولته المبكرة، فهو يرفض أيضاً السماح لوالدته العمل حتى لا تتعرض لأي إهانةٍ في بلدٍ ينقسم مواطنوها بين مرحبٍ ورافض لوجود السوريين، ويعبر محمود عن ذلك بلغته البسيطة: "في ناس ما بتحبنا هون، ما بدي أمي تنقهر".

محمود هو واحد من آلاف الأطفال المنتشرين في شوارع بيروت يبحثون عن رزق عائلاتهم حيث وصل عدد اللاجئين السوريين في لبنان إلى ما يقارب المليون شخص وفق مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، غالبيتهم من الأطفال.

على باب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في بيروت يلتف الحراس حول طفلٍ سوري قصير القامة، مستغربين قدومه وحيداً، وبعد سؤالهم عن عمره يتبين أنه لم يتجاوز 11 عاما، أتى ليتمكن من تسجيل عائلته للحصول على مساعداتٍ غذائية وطبية، لا سيما وأن والدته تعاني من أمراضٍ مزمنة "ربو وسكر".
وعلى خلاف محمود فإن وسام لا يكاد يحجب الابتسامة عن وجهه، رغم كل ما يعانيه، فهو القادم مع عائلته وعائلة خاله، من حي جوبر، بعد أن نزحوا داخل دمشق لما يزيد عن عام وأتوا حديثاً إلى لبنان، بعد وفاة والده.

كان على وسام الانتظار لساعاتٍ في الطوابير للحصول على رقمٍ ودورٍ للحصول على الاستمارة المطلوبة، وحاول إقناع الحراس تقريب دوره لأنه مضطر للعودة إلى محل المعجنات الذي يعمل به.

حالات مثل وسام ومحمود ليست أمثلة يتيمة على واقع الحال الذي يعيشه الأطفال السوريون النازحون والمحملون بهم عائلاتهم الاقتصادي، وكبروا قبل أوانهم بكثير، والأخطر هو ما سبق وأشارت إليه الأمم المتحدة في العديد من تقاريرها، وهو تسرب ملايين الأطفال من المدارس، وحاجتهم للدعم النفسي.

ترك تعليق

التعليق