"ماهر حياتلة" شاب فلسطيني قطع خمسة آلاف كم لإيصال المساعدات للداخل السوري !

خمسة آلاف كيلو متر قطعها الشاب الفلسطيني السوري "ماهر حياتلة" مع عدد من متطوعي الإغاثة في رحلة "ماراثونية" جاب فيها عشر دول أوربية ما بين قيادة السيارة وركوب السفن والانتظار على الحدود التركية، حتى وصل الحدود السورية ضمن قافلة إنسانية مؤلفة من أربع سيارات تحمل مواد إغاثية وكساء وأدوية طبية لمساعدة المنكوبين والجرحى والجوعى هناك، ورغم أن هذه الرحلة كانت محفوفة بالكثير من التعب والمخاطر ولكنها حملت أيضاً الإصرار على تقديم مساعدات لأناس نسيهم العالم وأسقطتهم الإنسانية من حساباتها الزائفة.

"ماهر حياتلة" العشريني الذي يحمل عنفوان الشباب هاجر مع عائلته من مخيم اليرموك إلى بريطانيا قبل 16 عاماً وهو يدرس المحاسبة في لندن ويعمل في إحدى شركات المحاسبة هناك.

حول فكرة تنظيمه لهذه الرحلة الطويلة لإيصال المساعدات للداخل السوري يقول لـ"اقتصاد": الفكرة ليست جديدة ولسنا أول من جرّبها، وهي تعتمد على جمع تبرعات من مؤسسات وأشخاص وشراء سيارات إسعاف أو سيارات عادية يتم تحميلها بالمساعدات الإغاثية وإيصالها إلى الداخل السوري من خلال معبر في بريطانيا والعديد من الدول الأوربية عبر تركيا، ووجدت هذه المؤسسات والأشخاص أن أفضل طريقة لضمان وصول هذه المساعدات هي تسيير مثل هذه القوافل وتسليمها باليد سواء للداخل السوري أو للمناطق التي يسيطر عليها الجيش الحر لمنع محاولات سرقة هذه المساعدات أو إيصالها لمن ليس بحاجة إليها.

وعن المشاركين في هذه الرحلة والمراحل التي مرت بها حتى الوصول إلى الحدود السورية يضيف ماهر حياتلة:

كنا سبعة أشخاص نقود أربع سيارات بالتناوب فإذا تعب أحدنا أو احتاج إلى مساعدة يقوم أحد أفراد المجموعة الاحتياط بالقيادة مكانه، وبدأت رحلتنا من اسكوتلندا إلى انكلترا ومن هناك ركبنا سفينة إلى هولندا ثم إلى ألمانيا وسويسرا ومن سويسرا دخلنا إيطاليا، ثم ركبنا سفينة إلى اليونان وسقنا السيارات إلى الحدود التركية،حيث بقينا هناك لمدة ثلاثة أيام انتظاراً لموافقة الوالي، وهذا الأمر-كما يقول حياتلة- سبّب إزعاجاً وإحباطاً لفريق الرحلة وأنا واحد منهم، فقد بقينا نسوق لمسافة خمسة آلاف كيلو متر عبر دول أوربا، ولم يسألنا أحد عن جوازاتنا أو أوراقنا الثبوتية أو إلى أين أنتم ذاهبون وماذا تعملون، لأن الحدود بين هذه البلدان شبه معدومة ولكن مع اقترابنا من الحدود التركية بدأت المشاكل الروتينية ووجدنا أن الأوراق التي اعتقدنا أنها منجزة غير جاهزة، وبعد جهد وعناء شديد دخلنا إلى مدينة "كلس" وهناك وقبل الحدود بقليل من الكيلومترات لحق بنا بعض المسلحين يريدون الاستيلاء على السيارات ولكن عندما علموا بمهمتنا اعتذروا منا ودلونا على الطريق وبعد وصولنا (باب السلام) قمنا بتسليم السيارات لعناصر إغاثة يعملون مع مؤسستين تركيتين هناك الذين قاموا بإيصالها إلى حلب.

داعش كانت هناك !

وحول عدم إدخالهم سيارات الإغاثة من قبل فريق الرحلة شخصياً إلى الأراضي السورية يقول حياتلة:

بصراحة كنت أحد الشبان الذين عارضوا الدخول بالسيارات والاكتفاء بالوصول إلى آخر نقطة على الحدود السورية التركية لسببين، أولاً: إن الطريق من باب السلام إلى حلب لم يكن آمناً حينها بسبب وجود "داعش" من جهة ولصعوبة السير عليه من جهة ثانية، ولأننا كنا بحاجة لعناصر من الجيش الحر لحمايتنا ومرافقتنا مع ما في ذلك من خطر على حياتهم لذلك وجدنا أن لا نعرّض حياتنا وحياة هؤلاء الشبان للخطر ففضلنا تسليم السيارات لأشخاص يعملون مع المؤسسات الإغاثية هناك.

أما السبب الثاني، فيتعلق بوضعنا في بريطانيا واتهامنا بالإرهاب فمن المعروف أن من يدخلون إلى سوريا وخاصة ممن يعملون في إيصال المساعدات يتعرضون للمساءلة من مثل "مع من تعملون" و "لمن توصلون المساعدات" ولكي نكون مطمئنين من الناحية السياسية والأمنية قررنا عدم الدخول إلى سوريا مثلما يفعل أكثر الذين يسيّرون قوافل إغاثة الى الداخل السوري.

وعن مصادر تمويل هذه المساعدات التي تم إدخالها إلى سوريا وقيمتها المادية يقول ماهر حياتلة:

تم تمويل السيارات الأربع مع حمولتها الغذائية والطبية من تبرعات قامت بجمعها ثلاث مؤسسات وهي (المسلم اسيسيشن) و(وفري لايف) و(عطاء بلا حدود)، وقمنا بشراء مواد طبية أخرى وبطانيات من مدينة غازي عنتاب لملء هذه السيارات قدر الإمكان قبل الوصل إلى الحدود السورية حتى بلغ مجموع ثمن المواد مع ثمن السيارات ما قيمته 40 ألف جنيه استرليني بالإضافة إلى مصاريف الفريق الثانوية التي اقتصرت على تعبئة البنزين للسيارات، وكان الشباب قد قرروا النوم في السيارات لتوفير تكاليف الإقامة في الفنادق من أجل شراء مواد إضافية، وكذلك كان أكلنا مقتصراً على السندويشات الخفيفة طوال أيام الرحلة، علماً أن بعض الشبان الذين قاموا بالرحلة تبرعوا من مالهم الخاص لتغطية احتياجات أخرى.

ويصف "ماهر حياتلة" شعوره بعد القيام بهذه الرحلة الماراثونية قائلاً:

بصراحة كل أعضاء الفريق وأنا منهم كان شعورنا واحداً، وهو أننا نقوم بواجبنا، وإذا كانت الحكومة البريطانية أوالشعب البريطاني لم يساعدا الشعب السوري فواجبنا كشبان مسلمين وعرب مقيمين في انكلترا أن نساعدهم، وعملنا يأتي من دافع إنساني محض وواجبنا أن نساعدهم في محنتهم التي لم يعرف التاريخ لها مثيلاً تحت ظروف القتل والقصف والجوع والبرد وبخاصة في المناطق المحاصرة، ولم نكن ننتظر أي ثناء أو شكر من أحد أو نبتغي بريق الشهرة والأضواء.

ضريبة الطرق المؤجرة !

وعن جنسية الأشخاص الذين عملوا معه وتفاعلهم مع هذه الفكرة يقول ماهر حياتلة:

كنا عبارة عن سبعة أشخاص، أنا وصديق سوريان وثلاثة من جنسيات عربية واثنان من الجنسية الباكستانية، أي أنهم لا يتحدثون العربية ولا يعرفون سوريا ولكنهم مدفوعون بحب العطاء الإنساني ولديهم إطلاع على ما يجري هناك من قتل وتدمير وتهجير ومآس إنسانية، ولم يكن هؤلاء الشبان متدينين 100% فمنهم شبان علمانيون ولكن دافعهم الأول انساني قبل أن يكون دينياً أو سياسياً، وكان هؤلاء الشبان يوصلون الليل بالنهار لدرجة أنهم كانوا يقودون السيارات لمدة 12 ساعة دون كلل أو ملل من أجل إيصال هذه المساعدات لمحتاجيها، وكانوا على قناعة أن أي يوم تأخير في توصيل السيارات يمكن أن يتسبب بوفاة شخص، فالسيارات كانت تتضمّن إلى جانب المواد الغذائية مواد وأجهزة طبية وأسرّة للعلاج وكمبيوترات للعمل الطبي وأجهزة انعاش وأوكسجين، ولذلك كان الشبان حريصين على عدم تضييع الوقت والإسراع ما أمكن من أجل إيصالها بأسرع وقت.

وحول المواقف والقصص التي مرّت بفريق الإغاثة يقول حياتلة:

مرت بنا مواقف طريفة كثيرة في أوروبا فعندما كنا نقف لنملأ البنزين للسيارات أو لنأخذ قيلولة نجد أن بعض الناس وبدافع الفضول يقتربون منا ليقرأوا يافطات التعريف بالرحلة فيسألوننا عن الهدف منها وإلى أين تسير وعندما يعلمون أنها لأهل سوريا المنكوبين يشجعوننا على مواصلتها حتى أنهم يدعون لنا أن نصل بالسلامة رغم أنهم غير مسلمين، وكان تشجيع هؤلاء الناس بمثابة دافع معنوي لنا على مواصلة عملنا بهمة أكثر بعد أن يكون التعب والإرهاق أخذا منا الكثير.
وهناك موقف آخر حصل لنا في اليونان حينما رفض اليونانيون تقاضي ما يسمى (ضريبة الطرق المؤجرة) عندما علموا أن هذه السيارات للإغاثة والإسعاف وفي يوم واحد وفّرنا ما يعادل الـ 400 – 500 يورو من جراء إعفائنا من هذه الضريبة، هذه المواقف الإيجابية وغيرها شجعتنا على مواصلة عملنا الإنساني ورفعت من معنوياتنا وأشعرتنا أننا على الجانب الصحيح من التاريخ.

ترك تعليق

التعليق