السوريون في لبنان.. "فوق الموتة عصة قبر"

بائعة الورد على "كورنيش الروشة" في بيروت، الطفلة نيرمين التي تركت حلب قبل موسم البراميل، تحمل ورودها البيضاء والحمراء، وتحاول إقناع المارة بأنها تحمل أجمل الورود.

نيرمين طفلة لم يتجاوز عمرها السنوات الستة، تأتي مع إخوتها الثلاثة أكبرهم عمره ثلاثة عشر عاماً يبيعون العلكة والمحارم، وابن عمها وعمره خمس سنوات.

لم يعد المشهد غريباً هنا، فالسوريون باتوا حاضرين في كل شوارع بيروت مع وصول عدد اللاجئين إلى لبنان لما يقارب مليون لاجئ مسجلين في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، ما يعني أن كل ثلاثة لبنانيين بات بينهم واحد سوري.

غالبية القادمين إلى لبنان ممن خسروا بيوتهم وممتلكاتهم، سواء من حمص أو يبرود أو حتى من الغوطة الشرقية وحلب وغيرها، كما خسروا أعمالهم ووظائفهم، وكل مدخراتهم، ما جعلهم أمام خيارين أحلاهما مر، فإما البقاء تحت القصف والدمار، أو تحمل المعاناة الاقتصادية ففي لبنان، حيث من الصعب على أي سوري أن يتحمل تكاليف الحياة في بلدٍ لا يمكن العيش فيه بأقل من ألف دولار، في حين أن غالبية السوريين لا تتجاوز دخولهن الـ15 ألف ليرة سورية أي مئة دولار فقط.

ولا يجد السوريون بمعظمهم عملاً لهم في لبنان التي تعاني ما تعانيه في اقتصادها، وليكونوا قادرين على تأمين لقمة عيشهم تجد الرجال المسنين يبيعون أكياس المحارم، والعجائز تطلب العون من أصحاب السيارات وغالباً ما ترفع النوافذ في وجوههن حتى لا يستمعوا إلى طلب العون، والأطفال يبيعون العلكة أو الورود كما هو حال نيرمين وإخوتها، والبعض اختار أن يكون ناطوراً لبناءٍ بذلك فقط يمكنه أن يؤمن مسكنه.

والملفت في بعض المناطق اللبنانية أن هناك اتفاقا بين التجار أن لا يتم إعطاء العامل السوري أكثر من 400 دولار شهرياً، حيث يخبرنا "رائد" أحد الشباب السوريين خريج تجارة واقتصاد وسبق له وعمل مع بعض مشاريع الأمم المتحدة في سوريا، أنه قدم إلى هنا لكنه لم يستطع أن يحصل على عمل بأجرٍ أعلى من 400 دولار، ليكتشف لاحقاً أن هناك اتفاقا بين تجار المنطقة على هذا السعر.

وإذا استطاع "رائد" أن يؤمّن دخلاً بهذا الرقم فهناك آلاف غيره لا يستطيعون ذلك، يأتون من الصباح الباكر للتسجيل على معوناتٍ غذائية في مقر المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التي تغص بالسوريين منذ الصباح وحتى المساء.

وبين الحاجة للعمل والحاجة للمساعدات الغذائية هناك معاناة أخرى تتمثل في السكن، أبو محمد أحد قاطني الخيم في البقاع، يقول إنه يدفع شهرياً فقط لأجرة الأرض 50 ألف ليرة لبنانية "5000 ليرة سورية" ليستأجر الأرض التي سيبني عليها خيمته، والمكان غير مؤهل بأي بنى تحتية، أما عن المساعدات يؤكد أبو محمد أنه في السابق كان هناك أحد المنظمات التي تقدم دعماً مادياً، لكن الآن هناك بعض الجمعيات التي تقدم حصصاً غذائية.

اللبنانيون يعتبرون قدوم السوريين يكبدهم خسائر اقتصاديةٍ كبيرة، لا سيما في ظل الضغط الكبير والمفاجئ على الخدمات، لكن في الوقت ذاته فإن السوريين يضخون كتلةً نقديةً في الأسواق اللبنانية، فأجار البيوت ارتفع ضعفين، في حين كانت أجرة البيوت البعيدة عن بيروت بين 250 إلى 300 دولار شهرياً، أما اليوم تصل إلى 600 و 700 دولار، وسعيد الحظ من يستطيع الحصول على بيتٍ في بيروت بسبب قلة العرض مقابل ازدياد الطلب.


 

ترك تعليق

التعليق