"اقتصاد" تتقصى انعكاسات الأزمة السياسية بتركيا على السوريين فيها

هل أثارت تطورات الأزمة السياسية بين حكومة رجب طيب أردوغان، وبعض مناوئيها، خاصة من جماعة فتح الله غولن، والأحزاب اليسارية والعلمانية التركية، أية مخاوف لدى السوريين من أن يتكرر السيناريو المصري في تركيا؟

حينما وجهنا هذا السؤال لبعض السوريين المقيمين في تركيا، انقسمت العينة التي تلقينا منها الجواب إلى ثلاثة أصناف: أولى أضاء السؤال على مخاوف حقيقية موجودة في عقلها، من أن يتكرر السيناريو المصري بالنسبة للسوريين في تركيا، وثانية: أثار السؤال استنكارها، كما أنها استغربت مقاربة الأزمة السياسية التركية من منظور التجربة المصرية، في حين كانت هناك فئة ثالثة لفت السؤال اهتمامها لقضية لم تكن أصلاً تقيم لها أي حسابٍ في أجنداتها.

لنبدأ بالفئة الأولى من السوريين، تلك التي خلقت التطورات السياسية الأخيرة في تركيا مخاوف لديها من أن تنعكس سلباً على مقومات معيشتها الجيدة نسبياً على الأراضي التركية.

عبد الرحيم، أحد السوريين المقيمين في الريحانية جنوب غرب تركيا، قرب الحدود السورية، في مدينة مكتظة بالسوريين، وذات غالبية سنيّة وسط إقليم هاتاي "لواء إسكندرونة" ذي الغالبية "العلوية" بالمجمل. تحدث لنا عبد الرحيم عن وجود مخاوف لدى السوريين بالفعل حيال التطورات السياسية في تركيا، وذكر لنا مثالاً عن شائعة انتشرت مؤخراً في الريحانية عن أن المعارضة التركية قامت بإدخال 40 رجلاً من تنظيم "داعش" إلى تركيا، مما يُوحي بالخشية من حصول تفجيرات، سبق أن هددت "الدولة الإسلامية في العراق والشام" بالقيام بها، قد تنعكس سلباً على السوريين عبر تحميل وجودهم على الأراضي التركية مسؤولية انتقال حيثيات الأزمة السورية إلى هناك، كما حدث بعيد تفجيري الريحانية العام الماضي، والذي ثبت مسؤولية نظام الأسد عنه، لكن بعض المنفعلين في الشارع التركي حملوا السوريين الموجودين مسؤولية جذب مشكلات بلدهم إلى الأراضي التركية، وحصلت بعض الاعتداءات على السوريين في الريحانية، على نطاق ضيق، سرعان ما تم تطويقها.

في مصر، قبيل انقلاب تموز الفائت، حظي السوريون بترحاب رسمي وشعبي كبيرين، لكن بعد الانقلاب، وتورط عدد محدد من السوريين في نشاطات للإخوان المسلمين، شنت وسائل إعلام مصرية موالية للمؤسسة العسكرية حملة إعلامية شعواء ضد السوريين، أدت إلى اعتداءات محدودة عليهم في بعض المدن المصرية، ونتج عن ذلك انتقال عشرات آلاف السوريين من مصر إلى تركيا، وتراجع المرونة الرسمية المصرية حيال معاملات السوريين في الدوائر الحكومية، مع قيود أمنية وأخرى متعلقة بالإقامة والجوازات وتأشيرات الدخول إلى مصر، استجدت بعد هذا الحدث.

يحظى السوريون اليوم في تركيا بترحاب شعبي كبير، وبمرونة رسمية حيالهم، مما يجعل البعض يتخوف من أن يتكرر السيناريو المصري في حال الانقلاب على أردوغان أو سقوط حكومته، وأن يبدأ معارضو حزب العدالة والتنمية بالانتقام من السوريين نظراً لعلاقاتهم الوطيدة مع حكومة أردوغان.

سيناريو متخيّل ومخيف بالنسبة لبعض السوريين الذين يفكرون فيه بجديّة. عبد الرحيم أخبرنا بأن السوريين تحركوا بكثافة في الآونة الأخيرة لتنظيم أوراقهم الرسمية، خشية أن يقعوا في مشاكل مع الجهات الحكومية التركية، تحت تأثير الإشاعات بخصوص تسرب مقاتلين لـ "داعش" إلى داخل الأراضي التركية.

عبد الرحيم ذاته تقدم للحصول على إقامة رسمية منذ شهرين، وأجرى كل المعاملات الرسمية، ويحتاج إلى شهرين آخرين لاستلام الإقامة.

سألنا عبد الرحيم إن كان السوريون قد لمسوا أي تغيرٍ في طريقة تعامل الشارع التركي، أو الجهات الرسمية التركية، حيال السوريين، أثناء الأزمة الراهنة بتركيا، فنفى لنا ذلك، مؤكداً بأن الأتراك يتحملون السوريين رغم إساءة بعضهم للتصرف، وتجاوزاتهم الكبيرة.

أما بخصوص مدى تأثر مستوى المعيشة بالأزمة في تركيا، أكد لنا عبد الرحيم أن الأسعار ارتفعت بشكل ملحوظ، وأن معظم السلع الفردية زادت بحوالي 2 ليرة تركية.

رأي عبد الرحيم لا يوافقه عليه نهائياً يمان السقا، وهو ناشط وخبير في الشأن الخدمي بتركيا، وهو يمثّل الفئة الثانية من السوريين الذين رفضوا تشبيه الوضع التركي بالسيناريو المصري، يقول يمان: "الأوضاع بتركيا ممتازة، وﻻ يمكن أن تكون مشابهة للوضع المصري، تركيا دولة مؤسسات وليس فيها حكم عسكري، وﻻ يوجد فيها تحيز لطرف على حساب طرف، والأسعار ممتازة ﻻ ترتفع...سعر الدوﻻر مرتفع عالمياً ليس فقط في تركيا. والتحيز هنا يكون للشخص الذي يعمل بإخلاص وبدون سرقة".

رأي يمان يبدو فيه الحماس والتحيّز لصالح النموذج التركي عموماً، وهو تحيّز من الممكن أن تلمسه لدى الكثيرين من السوريين المعجبين بنموذج حزب العدالة والتنمية في تركيا، سواء من السوريين المقيمين فيها، أو من خارجها، لكن ذلك لا ينفي أن الكثير من السوريين خائفون.

في مقابل الفئتين الأولى والثانية، نلحظ فئة ثالثة تُفاجئك بأنها غير مطلعة بشكل كافٍ على مجريات الأمور بتركيا، ربما لأنها لم تتلمس أي انعكاسات لها على حياتها ومعيشتها، مما يؤكد بأن الأزمة السياسية في تركيا لم تنعكس سلباً على السوريين بعد، لكن مجرد طرح سيناريو الانقلاب على أردوغان، أو سقوط حكومته، عليهم، يجعلهم يفكرون فيه بشيء من الخشية، فهم يشعرون بارتياح حيال تعامل الشارع التركي، والمؤسسات التركية، عموماً، معهم.

في الخاتمة، يختلف المراقبون حيال ما يمكن أن يحدث في تركيا، وإن كان معظمهم يرجحون أن قدرات حزب العدالة والتنمية في الحفاظ على مكتسباته خلال أكثر من عقد من الزمان، أكبر بكثير من قدرات الإخوان المسلمين بمصر، الذين لم يحكموا إلا لسنة واحدة فقط، ناهيك عن نفوذ حكومة أردوغان الذي بدا جلياً حتى داخل مؤسسة الجيش التي تعرض عدد من قادتها للمحاكمة في عهد تلك الحكومة، على خلاف حالة الإخوان بمصر، الذين بدا أنهم ضعفاء للغاية بالتأثير على مؤسستي الجيش والشرطة هناك.

ويبقى الأمل لدى الكثير من السوريين بأن تبقى أبواب تركيا مفتوحة أمامهم، وصدرها واسع حيالهم، كما كانت طوال أكثر من سنتين ونيف من أزمتهم، وأن تبقى تركيا أكثر البلدان المجاورة ترحيباً بهم، مقارنةً ببلدان الأشقاء العرب، المجاورة منها، والبعيدة، على حدٍ سواء.

ترك تعليق

التعليق