آخر راكب .. تحقيق استقصائي يرصد ظاهرة تهريب اللاجئين السوريين من مخيم الزعتري!

كشف تحقيق لوحدة التحقيقات الاستقصائية في شبكة الإعلام المجتمعي بالأردن بعنوان (آخر راكب) عن فرار 20 ألف لاجىء سوري من مخيم الزعتري بطريقة غير قانونية وفق تقديرات إدارة المخيم وعن تواطؤ بعض رجال الأمن العام المكلفين بحماية مخيم الزعتري، مع سماسرة أردنيين وسوريين امتهنوا تهريب اللاجئين السوريين من مخيم الزعتري إلى خارجه، بسيارات شاحنة، وصهاريج المياه، مقابل مبالغ مالية تتراوح بين 50 -150 دينارا على اللاجئ الواحد، علاوة على تهريب البضائع والمواد التموينية الخاصة باللاجئين إلى خارج المخيم، لبيعها في الأسواق المحلية، وبأسعار تفضيلية.


وللوصول إلى الحقائق على أرض الواقع عاش كاتبا التحقيق الصحفيان "حمودة مكاوي" و"حنان خندقجي" تجربة شخصية تقمصا فيها شخصيتي لاجئة سورية وزوجها، واتفقا مع سائق الديانا (سيارة شحن صغيرة) تحمل لوحة أردنية على إخراجهما من المخيم بعد أن وضعهما مع عائلتين مكونتين من 15 شخصا، مقابل 200 دينار لكل عائلة، لتكتمل حمولة الديانا. انتظر السائق للساعة الثانية ظهراً، لحين تغيير ورديات (شفتات) دوام رجال الأمن العام وقوات البادية المكلفين بحماية المخيم لضمان خروج الشاحنه من المخيم بأمان، فأحد رجال الأمن في الشفت الجديد سَيُسهل المهمة. كما قالا.


وروى معدا التحقيق أنهما ركبا في المقعد الأمامي وإلى جانبهما السمسار "أبو علي" الذي ما انفك ينسّق عبر هاتفه عملية التهريب مع عبد السلام أحد عناصر قوات البادية، التي تحرس المخيم من الخارج. بقية الركاب الخمسة عشر ركبوا في الخلف بين البضائع. وانطلق السائق عبر طريق جانبي غير معبد، وأمامه سيارة لقوات البادية، ولم يوقفه أحد لدى مروره بجانب نقطة للأمن العام مكونة من باص و4 أفراد. ولم يغلق السمسار "أبو علي" هاتفه وظل على اتصال مع عبد السلام الذي قال له : "امشي ورح ارمي عليك حجر عشان توقف، بس ظلك ماشي" بحسب ما نقل أبو علي للسائق موجها. وما إن غادرت الشاحنة حدود مخيم الزعتري، ومرورها بنقطة تفتيش تابعة لقوات البادية التي تحرس المخيم، حتى تلقت السيارة حجرا صغيرا من عبد السلام، ليتابع السائق المسير، حسب الاتفاق مع السمسار. وبعد خمس دقائق توقفت الشاحنة، وترجل السمسار أبو علي. أخذ من السائق 50 ديناراً، وهو يؤكد "أنا والله مو مآخذ أشي... هي لعبد السلام (الجندي في قوات البادية)".
ويضيف كاتبا التحقيق: (وصلنا طريق الخالدية- إحدى بلدات المفرق-)، طلبنا من السائق النزول، بعد أن دفعنا له 140 ديناراً، 70 دينارا عن كل شخص).


وبعد سرد تفاصيل هذه التجربة الشخصية لكشف خبايا تهريب اللاجئين السوريين يشرح كاتبا التحقيق الوضع القانوني لمثل هذا التجاوز فقد جاء في المادة 171 من قانون العقوبات في القانون الأردني:

 1- كل شخص من الأشخاص المذكورين في المادة السابقة طلب أو قبل لنفسه أو لغيره هدية أو وعدا أو أية منفعة أخرى ليعمل عملاً غير حق أو ليمنع عن عمل كان يجب أن يقوم به بحكم وظيفته، عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة وبغرامة تعادل قيمة ما طلب أو قبل من نقد أو عين.


2- يعاقب بالعقوبة نفسها المحامي إذا ارتكب هذه الأفعال.وتعاقب المادة 172
الراشي أيضاً بالعقوبات المنصوص عليها في المادتين السابقتين.


ويعفى الراشي والمتدخل من العقوبة إذا باحا بالأمر للسلطات المختصة أو اعترفا به قبل إحالة القضية الى المحكمة. وتشير المادة 173 إلى أن كل من عرض على شخص من الأشخاص الوارد ذكرهم في المادة (170) هدية أو منفعة أخرى أو وعده بها ليعمل عملاً غير حق أو ليمتنع عن عمل كان يجب أن يقوم به عوقب- إذا لم يلاق العرض أو الوعد قبولاً - بالحبس لا أقل من ثلاثة أشهر وبغرامة من عشرة دنانير إلى مائتي دينار.


 * الضبط والربط العسكري
 يلجأ كاتبا التحقيق لمعرفة رأي الأمن العام في ظاهرة تلقي عناصره لرشاوي من أجل تسهيل عمليات تهريب اللاجئين السوريين من مخيم الزعتري حيث أكد مدير إدارة شؤون مخيمات اللاجئين السوريين في الأمن العام العميد "وضاح الحمود" ضبط جهاز الأمن العام لعدد قليل من إفراده قبضوا رشاوى داخل مخيم الزعتري، وتم تحويلهم إلى محكمة الشرطة، رافضاً الإدلاء بأي تفاصيل عن عددهم، أو الإجراءات التي اتخذت بحقهم، وشدد على نظافة وحسن سلوك الأجهزة الأمنية الأردنية، وأن هذه المشكلة لا تشكل ظاهرة. وحينما حاول كاتبا هذا التحقيق الاستقصائي معرفة عدد رجال الأمن العام الذين تم تحويلهم إلى محكمة الشرطة بتهمة تلقي الرشوة في مخيم الزعتري، وما هي الإجراءات حيال كل قضية رشوة منهما، منذ افتتاح المخيم، إلا أنهما لم يتلقيا رداً منذ أب 2013. وبحسب التحقيق فإن عدد رجال الأمن العام العاملين على حماية أمن مخيم الزعتري يبلغ 800 رجل أمن تقع عليهم مسؤوليات منع حالات تهريب اللاجئين، والبضائع والحد منها، كما ويتم الاستعانة بقوات الدرك بحسب الأوضاع الأمنية داخل المخيم"حال حدوث مظاهرات، أو اعتداء على رجال الأمن"، - بحسب مديرمخيم الزعتري العقيد زاهر أبو شهاب.


ويخضع العاملون في الأجهزة الأمنية، بحسب المحامية "لين خياط" لقانون العقوبات، وقانون الجهاز الذي ينتمي له كل فرد، وما يطلق عليه "الضبط والربط العسكري"، وتتراوح عقوبة المرتشي من تنزيل الرتبة، حسم الراتب، الحجز في الوحدة، وقد تصل إلى إنهاء الخدمات "ترميج"، دون استيفاء أي حقوق له. وترى خياط أن "تلقي رجال الأمن في مخيم الزعتري لرشوة مقابل غض الطرف عن مرور سيارات تهريب اللاجئين وعدم تفتيشها، جريمة يحاسب عليها القانون، لأن رجل الأمن حينها يضرب شرف المهنة بعرض الحائط. فيما بين مدير مخيم الزعتري العقيد زاهر ابو شهاب انه تم التعامل مع 429 قضية تهريب"لاجئين، بضائع، كرافانات، خيم"، وتم تحويلها جميعا إلى الحاكم الإداري في المفرق، الذي يربطهم بدوره بكفالات وتعهدات، لمنع تكرار التهريب مستقبلاً.

50 دينارا مقابل تهريب الشخص الواحد !
خلال زياراتهما المتكررة لمخيم الزعتري على مدار 8 أشهر، وثق الصحافيان مكاوي وخندقجي عمل ثمانية سماسرة متخصصين بتهريب اللاجئين السوريين من مخيم الزعتري بطريقة غير قانونية، قاموا بتهريب 800 لاجئ سوري خلال أسبوع واحد، بواقع 14 شخصا يوميا لكل سمسار.


ووفق ما رصده كاتبا التحقيق تبين أن 62% من السماسرة يتقاضون 50 دينارا مقابل تهريب الشخص الواحد، ويتراوح معدل ما يجنيه السمسار يوميا 300 دينار تقريباً، بعد توزيع الحصص بين السائق، السمسار، الدلال، والمتعاونين من بعض رجال الأمن.يحمل نصف السماسرة الذين تم توثيق عملهم الجنسية الأردنية، فيما يحمل النصف الأخر الجنسية السورية، 37% منهم أعمارهم فوق الأربعين عاما، فيما تقل أعمار البقية عن ذلك.ويسكن جميع هؤلاء السماسرة مدينة المفرق وضواحيها، فيما يستخدم 50% منهم الشاحنات الصغيرة(ديانا) لتهريب اللاجئين من المخيم. ويتبع سماسرة تهريب اللاجئين السوريين بحسب التحقيق عدة طرق في إتمام عملهم، وتحتل شاحنات البضائع النصيب الأكبر كوسيلة نقل تستخدم لتهريب اللاجئين. وبعد أن تدخل الشاحنة مخيم الزعتري مُحملة بالبضائع بموجب تصاريح من إدارة المخيم، تفرغ حولتها ثم يصعد لاجئون إليها بعد مفاوضات مع سماسرة قبضوا ثمن تهريبهم الذي يتراوح بين 50-100 دينار للفرد. تغادر حينها الشاحنة من البوابة الخلفية للمخيم من دون تفتيش، فرجال الأمن لا يفتشوا السيارات المغادرة أو القادمة من المخيم، ويكتفوا بطلب الهويات الشخصية والرخص لا غير، بحسب السمسار الأردني عبد الرحمن غالب 35 عاما الذي يتابع بثقة: (هناك تهريب عبر "صهاريج المياه"، فهي تدخل إلى المخيم لتعبئة خزانات المياه، وبعد تفريغها يصعد إليها لاجئون ويختبئون فيها، ليخرجوا بذلك من المخيم.


لمخيم الزعتري بوابتان، يعتبر الباب الرئيسي "باب الزوار" هو الأغلى سعرا، إذ تصل كلفة تهريب الشخص الواحد 150 دينارا، نظراً لقلة درجة الخطورة أثناء التهريب؛ كون الطريق سويا وغير مشمول بالساتر الترابي،مقارنة "بالبوابة الجانبية" للمخيم، النافذة إلى طريق صحراوي غير معبد.


 *تهريب بلا عقاب.
مدير إدارة شؤون مخيمات اللاجئين السوريين في الأمن العام العميد "وضاح الحمود" أوضح لكاتبي التحقيق بأنه "لا توجد عقوبة بحق سماسرة تهريب اللاجئين السوريين من مخيم الزعتري، لأن لا جريمة إلا بنص، وفعل تهريب اللاجئين من المخيم غير مجرم في القانون الأردني، وأن مصطلح (تهريب اللاجئين) من المصطلحات الدخيلة على مجتمعنا"..وفيما يخص العقوبة بحق اللاجئ الهارب، يقول الحمود بأن الإجراء يقضي بإرساله إلى الحاكم الإداري، ليأخذ عليه تعهدا رسميا بعدم الخروج من المخيم بطريقة غير قانونية، ويعود بعدها إلى مخيم الزعتري من جديد.


ويذكر أن "مخيم الزعتري " الذي تم افتتاحه في منتصف عام 2012، أقيم على مساحة 220 ألف متر مربع من أراضي محافظة المفرق شمال الأردن، و وهو يبعد 15 كم عن الحدود الأردنية السورية، و70 كم عن العاصمة عمان. ويعتبر أكبر مخيم للاجئين السوريين في الأردن، إذا تبلغ طاقته الاستيعابية 150 ألف لاجئ، ويحتوى على17 ألف كرفان، 8 آلاف خيمة، و3 آلاف محل تجاري.

ترك تعليق

التعليق