ترحيل الجزائر لاجئين سوريين باتجاه المغرب يشعل فتيل أزمة جديدة بين البلدين

لم تكد تمضي ساعات على صدور بيان من وزارة الداخلية المغربية يشجب قيام السلطات الجزائرية بـ"عمليات الترحيل المتكررة للاجئين السوريين إلى التراب المغربي"، حتى استدعت الرباط السفير الجزائري لديها لتبلغها "استياءها الشديد" من تصرف الجزائر في هذا السياق.


ومنذ عقود يسود علاقات البلدين توتر واضح، يخف أو يشتد، لكنه يبقى حاضرا، لإصرار النظام الجزائري على دعم قضية الصحراء الغربية، التي ينظر إليها المغرب بوصفها إقليما انفصاليا.


وسبق لوزارة الداخلية المغربية أن احتجت على ترحيل الجزائر عشرات اللاجئين السوريين نحو المغرب، معتبرة أن هذا السلوك يخالف "قواعد حسن الجوار التي ما فتئت تدعو إليها المملكة"، ومعبرة في الوقت نفسه عن "أسفها للوضعية المزرية لهؤلاء المهاجرين".


وكانت وكالة أنباء المغرب ذكرت مؤخرا أن السلطات الجزائرية أبعدت 40 لاجئا سوريا ورحلتهم نحو المغرب، وبين اللاجئين المبعدين 23 طفلا، فضلا عن 9 نساء، و8 رجال، ثم تبين أنهم عددهم 77 لاجئا.
ويعرف نظام الجزائر الذي يحكمه عبدالعزيز بوتفليقة" بتحالفه الوثيق، وتأييده الشديد لنظام بشار الأسد، ودفاعه الواضح عنه في المحافل العربية والدولية.


بدورها عمدت الخارجية المغربية لاستدعاء سفير الجزائر بالرباط إلى مقر الوزارة "لإبلاغه الاستياء الشديد للمملكة المغربية، على إثر ترحيل السلطات الجزائرية نحو التراب المغربي، ما بين الأحد 26 والثلاثاء 28 يناير أكثر من 70 مواطنا سوريا".


وأضاف البيان أن "المغرب، إذ يطالب الجزائر بتحمل مسؤولياتها بالشكل الكامل، يعرب عن أسفه العميق لهذا التصرف اللاإنساني، لاسيما وأن الأمر يتعلق بنساء وأطفال في وضعية بالغة الهشاشة".


وأوضح مصدر مغربي أن "السلطات المغربية قدمت فورا المساعدة المطلوبة والعلاجات الضرورية للمواطنين السوريين في المنطقة الحدودية مع الجزائر".


وقال المصدر: "بالنسبة للفترة الممتدة من 26 إلى 28 يناير الجاري، رحلت السلطات الجزائرية 77 مواطنا سوريا، من بينهم 18 امرأة و43 طفلا (بعضهم تقل أعمارهم عن شهرين)".


لكن في رواية مخالفة لبيان السلطات المغربية، قال حسن عماري مسؤول لجنة الهجرة في فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (أكبر منظمة حقوقية مغربية) في مدينة وجدة الحدودية مع الجزائر "لقد استقيت شهادة 12 سورياً موجودين على الحدود منهم 4 نساء و8 رجال".


وأكد عماري أن "هؤلاء السوريين لم يتحدثوا عن ترحيل السلطات الجزائرية لهم أو سوء معاملة من أي نوع، فقد أخبروني أن السلطات الجزائرية لم تمنعهم من المجيء الى المغرب للالتحاق بعائلاتهم".


وأفاد عماري أن مساء الثلاثاء شهد "التحاق 24 سوريا جديدا بالأراضي المغربية قدوما من الجزائر التي حلوا بها جوا قادمين من تركيا".


ولم يصدر عن السلطات الجزائرية أي رد فعل بخصوص الاحتجاج الرسمي للمغرب واستدعاء السفير في العاصمة الرباط.


وكانت الجزائر قد نفت الجمعة الماضي على لسان الناطق الرسمي باسم وزارة خارجيتها عمار بلاني، نفيا قاطعا ترحيلها مواطنين سوريين يوجدون على أراضيها في اتجاه المغرب.


وقال بلاني في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية: "نفند بشكل قاطع هذا الخبر الكاذب"، قبل أن يؤكد على "ضرورة عدم تصديق الادعاءات المغرضة التي تطلقها يوميا تلك المواقع الإلكترونية المزعومة لبلد جار، والتي تخصصت في المناورات الإعلامية المقززة المعادية للجزائر" حسب تعبيره.


وكان جهاد فرعون منسق رابطة السوريين الأحرار في الدول المغاربية، المقيم في العاصمة الرباط قال في وقت سابق لفرانس برس إن "عدد السوريين الذين حلوا في المغرب منذ بدء النزاع في سوريا يبلغ حوالي 2500 سوري".


وأوضح مارك فاوي المسؤول في المفوضية العليا للاجئين في الرباط أنه "لا علم للمفوضية يترحيل السوريين على الحدود"، مضيف أن "السوريين طالبي اللجوء في المغرب، قد استأنف تسجيلهم منتصف ديسمبر، ويبلغ عددهم اليوم ألف سوري تقدموا بملفاتهم".


وأضاف فاوي: "هؤلاء اللاجئين السوريين ينتظرون قرارا من السلطات المغربية يوفر لهم الحماية المؤقتة التي من شأنها أن تسمح لهم بالبقاء في الأراضي المغربية والاستفادة من برنامج للمساعدة".


ومنذ الصيف تزايد بشكل لافت عدد السوريين الذين قدموا إلى المغرب من الجزائر من دون تأشيرة، بالتزامن مع فرار ملايين السوريين خارج بلادهم هربا من الحرب الهمجية التي يشنها نظام بشار الأسد، والتي خلفت قرابة 200 ألف ضحية، وعشرات آلاف المعتقلين، فضلا عن مئات آلاف الجرحى، ودمار واسع طال مختلف أنحاء البلاد ومرافقها.


وتظهر مثل هذه المواقف أن الحسابات السياسبة دخلت بقوة إلى ساحة اللجوء السوري، حيث يعتقد البعض أن ترحيل نظام بوتفليقة للسوريين اللاجئين إنما ينبع من مواقفه المعارضة للثورة السورية، كما يظهر رد فعل المغرب أن الرباط ربما وجدت في قضية الترحيل فرصة للتشنيع على خصمها الجزائري.


وعلى هذه الخلفية بات الكثيرون يخشون من "تسييس" اللجوء السوري أكثر فأكثر، بحيث تصبح هذه القضية ورقة للضغط والمساومة، تضيع معها معظم حقوق اللاجئين في الحماية وتوفير متطلبات الحياة لهم.

ترك تعليق

التعليق