لاجئون سوريون ضائعون في "مليلية" بعدما أغلقت أوروبا الباب في وجههم

ظل يحيى خضر يتنقل طوال أكثر من عامين في خمس دول واستخدم ستة جوازات سفر
مزورة في محاولة لإخراج أسرته من مدينة حمص السورية التي مزقتها الحرب التي يشنها النظام ونقلها إلى أوروبا.

لكن رغم وصول زوجته وأطفاله الخمسة إلى "مليلية" الجيب الأسباني الصغير الواقع على الساحل المغربي المطل على البحر المتوسط لا تزال فرصتهم في العيش في أوروبا بعيدة المنال كما كانت من قبل.

وقال خضر الذي كان قبل اندلاع الحرب يدير تجارة ناجحة في استيراد قطع غيار الشاحنات من أوروبا "يسافر الناس إلى "مليلية" على أمل الوصل إلى أوروبا... لكن هنا مجرد سجن في الهواء الطلق."

ويقف الحراس المسلحون والأسلاك الشائكة على طول الحدود بامتداد 12 كيلومترا حول المدينة ولطالما خيب ذلك آمال الأفارقة الفارين من الفقر والصراع الذين كانوا يتطلعون لمليلية كبوابة لأوروبا التي تقبع أمامهم لا يفصلهم عنها سوى 180 كيلومترا من مياه البحرالمتوسط.

لكن اليأس دفع مئات السوريين أمثال خضر لأن يقطعوا رحلات طويلة ويجازفوا بمواجهة العصابات المغربية التي تستغل محنة المهاجرين ليصلوا إلى البوابات لتصبح المدينة الساحلية التي يبلغ عدد سكانها 80 ألف نسمة نقطة جديدة تستهدفها موجات اللاجئين أملا في الوصول إلى الأمن وسعة العيش في أوروبا.

وقالت "آنا تيرون" مستشارة مفوض الشؤون الداخلية في الاتحادالأوروبي ووزيرة الهجرة الأسبانية السابقة "لا توجد خطة رئيسية.إنها مشكلة دولية يجب التعامل معها على المستوى الأوروبي لكن الإرادة غائبة."

وتقول اسبانيا إنها استقبلت خلال النصف الأول من العام الحالي نحو 3000 مهاجر غير شرعي وهو ضعف العدد في نفس الفترة من 2012.
وجاء معظم هؤلاء عبر "مليلية" و"سبتة" وهي جيب اسباني آخر في أفريقيا ترسل فيه مراكز الاحتجاز طالبي اللجوء السياسي إلى الأراضي الأسبانية بمجرد أن تكتظ بالنزلاء.
ووصل 2300 لاجئ إلى "مليلية" هذا العام حتى الآن.

وقال الاتحاد الأوروبي إن أكثر من 72000 شخص وصلوا إلى دول الاتحاد بطريقة غير مشروعة العام الماضي بينهم 8000 سوري وهو ما يمثل زيادة قدرها خمسة أمثال.

واحتجز 74 سورياً هذا الشهر في مدينة لشبونة الاسبانية بعد أن فروا باستخدام جوازات سفر مزورة من "غينيا بيساو" و"المغرب" ودول أخرى.
وينتقل آخرون عبر سواحل شمال أفريقيا من ليبيا والجزائر إلى المغرب أملا في الوصول إلى أوروبا عبر "سبتة ومليلية".

ويقول "خوسيه بالاثون" وهو مدرس في "مليلية" يرأس منظمة "برودين" التي تقدم يد العون للمهاجرين، لاسيما الأطفال الذين يختبئون حول أحواض السفن في المدينة على أمل التسلل إلى العبارات والسفن الأخرى المتجهة إلى أسبانيا "الهجرة مثل المياه. دائما تبحث عن طريق لتتدفق".

وأضاف بالاثون "إذا ما أغلقت كل الممرات المائية يرتفع المنسوب كما هو الحال في أي سد. حتى يفيض." مشبها ذلك بالطريقة التي يخيم بها المهاجرون في الغابات والتلال المحيطة بمليلية يتحينون الفرصة للتسلل عبر السياج الأمني ودخول المدينة.

وبينما تمكن أمثال خضر من تهريب أسرته إلى المدينة وتوفير إقامة لهم في النزل المخصص للاجئين بالاستعانة بجوازات سفر مزورة يقيم مئات آخرون لا يتمتعون بنفس القدرة المالية ومعظمهم أفارقة من جنوب الصحراء في خيام خارج المدينة ينتظرون اقتناص أي فرصة للدخول.

وقال سيرجي (30 عاما) وهو شاب من الكاميرون يعيش عند التلال خارج "مليلية" منذ شهور "في بلادنا نعيش على أقل من دولار في اليوم.

وردت اسبانيا التي تبلغ نسبة البطالة فيها 25 بالمئة بتزويد السياج الحدودي بالأسلاك الشائكة. وفجر هذا موجة من الانتقادات من جانب جماعات حقوق الإنسان حينما تعرض مهاجرون حاولوا تسلّق السياج للضرب وتركوا معلقين على الحاجز.

ودافع عبد المالك البركاني ممثل الحكومة الاسبانية في "مليلية" عن الإجراءات باعتبارها ضرورية وقال إن بضعة لاجئين يريدون التقدم بطلب للجوء إلى الجيب وإنهم يفضلون نقلهم إلى أوروبا.
كما عززت مدريد تعاونها مع الشرطة المغربية على أمل منع المتسللين من الاقتراب من الشاطئ. وتبددت آمال خضر في الوصول إلى هناك.

ومنذ ثلاث سنوات كان خضر الذي يبلغ الآن 43 عاما يعيش في رغد بفضل تجارته في قطع غيار الشاحنات الأوروبية المستوردة. وكان يقضي عدة أشهر في مدينة مرثيا بجنوب اسبانيا حيث يملك حانة ويدير أعماله التجارية.
كما سافر إلى أماكن أخرى في أوروبا فاصطحب أسرته إلى ديزني لاند في باريس وكان يزور ابنته التي تعيش في ايطاليا.

لكن الآن معظم أنحاء مدينته حمص تحولت إلى أنقاض. ودمر القصف في الفترة الأولى من الحرب الأهلية عام 2011 منزله لينضم خضر إلى 2.3 مليون لاجئ سوري.

ولأنه يحمل تصريح إقامة في أسبانيا لنفسه فقط سافر مع عائلته عبر لبنان ومصر وليبيا والجزائر إلى المغرب. وهناك اشترى جوازات سفر مغربية لزوجته وأطفاله لدخول مليلية في منتصف أكتوبر تشرين الأول بموجب القواعد الاسبانية التي تسمح بدخول المغاربة الذين يعيشون قرب الجيب الاسباني.

ويقول اللاجئون السوريون إن العصابات المغربية تحصل على 1500 دولار أو أكثر مقابل جواز السفر المزيف. ولم يفصح خضر عن المبلغ الذي دفعه.
وتعيش أسرته الآن مع نحو 900 مهاجر في مركز اللاجئين في "مليلية" المخصص لاستضافة أكثر قليلا من نصف هذا العدد.

ويوفر خضر المال بإقامته في فندق في مدينة الناظور المغربية القريبة مقابل 12 دولارا في اليوم. وبالاستعانة بتصريح الإقامة الاسبانية يمكنه السفر كل أسبوع لزيارة العائلة في "مليلية".
وفي غياب أي مؤشر على السماح له بدخول أسبانيا يتساءل خضر هل يبدأ في العودة إلى بلاده ويقول "إنها كارثة...الأوروبيون يقولون إنهم يذرفون الدموع من أجل سوريا لكن كل هذا غير حقيقي."

ترك تعليق

التعليق