قصص وآراء..."اقتصاد" ترصد أوضاع السوريين في مصر (1-2)

يعاني السوريون بصورة كبيرة من سوء سويّة التدريس في المدارس الحكومية المصرية

مدارس اللغات الخاصة أسعارها عالية نسبياً فالقسط في معظمها لا يقلّ عن ألف دولار

ليس التعليم هو أكبر مشكلات السوريين بل نيل الإقامة قد يكون الهاجس الأكبر لهم

"...صديقي قال لي عبارة أزعجتني كثيراً، (السوري إما مهرّب أو مخرّب)"
"قاعدين بحضننا، وينتفوا بذقنا"..."هو ده رد الجميل"...."قال كان فييه سوريين برابعة بيقنصوا الجيش والأمن"....!
تلك العبارات التي سمعتها "إلهام" أثناء تسوقها في سوق الضهار بالغردقة المصرية على البحر الأحمر بعيد الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، وسمع الكثير من السوريين عبارات مماثلة، لكن مدّ الغضب الشعبي، الذي اجتاح معظم المناطق المصرية بوتائر مختلفة الشدّة، تجاه السوريين، انحصر الآن نسبياً، وبقيت المشكلة مع الجهات الرسمية تحديداً.

هذا ما تؤكده إلهام لـ "اقتصاد"، "لم يعد هناك من يُسمعنا كلاما يؤذي المشاعر، قد نسمع هذا الكلام بسياق جدل مع أحد المصريين، لكن بطريقة مهذبة، لذا لم أعد أشعر بالخطر في الشارع المصري اليوم، لكننا نلحظ تضييقاً من جانب السلطات الرسمية".

تؤكد "ابتسام" ذلك. تقيم ابتسام في مدينة الغردقة أيضاً، وتقول: "حاولت تسجيل أولادي في المدرسة التجريبية، وهي مدرسة لغات، حكومية، لكنها تأخذ قسطاً مقبولاً، قد يصل إلى حوالي 1500 جنيه (210 دولارات تقريباً)، وهو مبلغ رمزي، لكنها بالمقابل تمتاز بتدريس مميز مقارنة بالمدارس الحكومية العادية".

تتابع ابتسام: "حينما سألت المعنيين بالمدرسة إن كان من الممكن تسجيل السوريين طلبوا مني مراجعة مديرية التعليم، لكن حينما ذهبت إلى هناك فُوجئت بردّ فعل المسؤول عن المدارس التجريبية، كان رده لئيماً للغاية، حالما عرف أنني سورية، وطردني بصورة غير مباشرة، وتحدث بلهجة تنقّط بالإهانة".

أخبرنا سوريون آخرون أنه تمكنوا من تسجيل أولادهم في مدارس تجريبية في مصر، لكن عبر واسطة مصرية تحديداً، وليس بالطرق المباشرة.

ويعاني السوريون بصورة كبيرة من سوء سويّة التدريس في المدارس الحكومية المصرية، يقول "ناجي" لـ "اقتصاد": "أسوأ مدرسة عامة في سوريا بمستوى أفضل مدارسهم، التعليم هنا سيء للغاية".

يفسّر "عمرو" سبب سوء سويّة التدريس في مصر، وهو سائق تكسي مصري يتعامل بكثرة مع المدارس: "المدرسين يعتمدون على الدروس الخصوصية منذ الأولى ابتدائي، لذا إما أن تدفع للدروس الخصوصية، أو تسجل ابنك في مدارس لغات خاصة، أو أن تتولى تعليمه بنفسك".

مدارس اللغات الخاصة هنا أسعارها عالية نسبياً، فالقسط في معظمها لا يقلّ عن ألف دولار أمريكي، ناهيك عن تكاليف الباص واليونيفورم والكتب، إلى جانب تكاليف الأنشطة المنفصلة عن تكاليف التعليم.

لكن ليس التعليم هو أكبر مشكلات السوريين هنا، بل نيل الإقامة قد يكون الهاجس الأكبر لهم، يقول "عُروة" الذي يعمل في مشروع إعلامي سوري في القاهرة: "ختموا لي بعدم الموافقة على نيل الإقامة، لذا فحركتي داخل القاهرة أصبحت خطرة، فأنا مخالف قانونياً، والحواجز تحتل معظم المداخل والمخارج".

ورغم أن "عُروة" يتمتع بوضع مالي جيد نسبياً، فهو يستأجر بيتاً في مصر الجديدة قرب القاهرة بحوالي 450 دولارا شهرياً، إلا أن قضية الإقامة تؤرّقه للغاية، فطبيعة عمله تتطلب الكثير من التنقل، وهو ما بات عاجزاً عنه اليوم.

"لا أواجه أية مشاكل في المنطقة التي أسكن فيها، لكن حالما أخرج من مكان سكني أواجه الحواجز الكثيرة في القاهرة، وأبدأ بمواجهة المتاعب، لذا قصرت حركتي كثيراً، وهذا يضرّ بعملي".

"مازن" ليس أفضل حالاً، فهو سكن بدايةً في المنوفية، وهو الآن يقيم لدى أحد أصدقائه المصريين في الإسكندرية. كان يسعى لافتتاح مشروع خاص به في مصر، مستغلاً معارفه الكُثر من المصريين، ومعتمداً على التسهيلات التي تتميز بها إجراءات السلطات المصرية تجاه السوريين، إلى جانب قلّة تكلفة اليد العاملة، لكن كل شيء تغير بعد الانقلاب على مرسي، لذا أجّل افتتاح مشروعه، وهو يأمل أن تهدأ الأوضاع، وأن تعود الأمور إلى نصابها قريباً، لكنه يشعر الآن بعد أشهر من الانقلاب، أن رهانه ذهب سُدى.

يقول مازن: "رأيت بعيني مظاهرة لأنصار مرسي مرت تحت شرفة منزل صديقي، تعرض المتظاهرون لاعتداءات من سكان الحي، ورغم أنني على علاقة طيبة مع الكثيرين في هذا الحي، ولا أواجه أية مشاكل معهم، إلا أنهم لمحوا سورياً بين المتظاهرين، وبدأوا يلمحوا لي بكلام مزعج، حتى أن صديقي قال لي عبارة أزعجتني كثيراً، (السوري إما مهرّب أو مخرّب)".

ويخبرنا "مازن" أنه تعرض للاعتقال لساعات في إحدى الحواجز في القاهرة، حيث نقله أمن الحاجز إلى دائرة أمنية، أجروا معه هنا تحقيقاً مطوّلاً، واطلعوا على جواز سفره، وفتشوا موبايله، واطلعوا على لائحة الأسماء المحفوظة لديه، وطلبوا تفاصيل منه حول شخصيات اللائحة، وسألوه عن أسباب كثرة تنقله بين الأردن والسعودية ومصر، فأوضح لهم أنه تاجر، وأينما يجذبه السوق يتحرك.

"كانت معاملتهم مقبولة، لم أتعرض لإهانات أو ضرب أو غيره، لكن تلك الحادثة دفعتني لأن أتريث قبل أن أقيم مشروعي المتواضع هنا، وبدأت أفكر جدياً بالانتقال إلى الأردن أو تركيا، رغم أنني كنت قد فضلت مصر، لأن العمالة والمعيشة فيها أرخص عموماً".

لا يمكن القول بأن السوريين يواجهون عنصرية قاسية في معظم الحالات، فالمواقف السلوكية السلبية حيالهم في الشارع تراجعت بصورة ملحوظة مقارنة بالأسابيع الأولى بعد الانقلاب، لكن يواجه السوريون الآن مشكلات تشابه تلك التي يواجهها المصريون أنفسهم، مرتبطة بتردي الوضع الأمني والاقتصادي، يُضاف إليها تعقيدات روتينية زادت حيال السوريين مقارنةً بما كانوا يلقونه من سيولة في التعامل الرسمي في عهد مرسي، ناهيك عن عنصرية واضحة في تعامل بعض الجهات الرسمية، ومن بعض موظفيها.

يتبع في الحلقة الثانية...

ترك تعليق

التعليق