بالتسجيلات والصور.. عصابة لتهريب السوريين إلى بريطانيا مقابل 18 ألف دولار للشخص

في تحقيق موسع وموثق بالتسجيلات والصور، كشفت "صنداي ميرور" البريطانية عن عصابة لتهريب السوريين إلى المملكة المتحدة تدر على أصحابها ملايين الجنيهات الاسترلينية.

التحقيق الذي تولت "اقتصاد" ترجمته ، يوضح أن "صنداي ميرور" اكتشفت من خلال محققين سريين أن العصابة على استعداد لتهريب 3 رجال من سوريا باستخدام جوازات سفر مزورة، لقاء 34 ألف جنيه استرليني (قرابة 55 ألف دولار)، أي بما يقارب 11 ألف استرليني للفرد الواحد (18 ألف دولار).

ونوهت "صنداي ميرور" أنها التقت بامرأة سورية، دفعت كل مدخراتها وما تملك لتلك العصابة من أجل مساعدتها على الفرار من سوريا باتجاه بريطانيا، بعد أن تعرضت للاعتقال والتعذيب لدى أجهزة أمن نظام دمشق.

وأوضحت الصحيفة أن المرأة السورية هي معلمة تعيش حاليا في جنوب إنجلترا، وقد رمزت لنفسها باسم "عشتار" حماية لهويتها وخصوصيتها.

لهذا هي الأغلى
تحدثت "عشتار" كيف نقلتها العصابة من تركيا إلى بريطانيا، باستخدام جواز سفر مزور، مبينة أنه تم تسفيرها جواً إلى العاصمة النمساوية فيينا، ومنها إلى السويد، حيث استقلت من هناك طائرة للخطوط البريطانية إلى المملكة المتحدة.

وكشفت "صنداي ميررو" أنها تنبهت إلى وجود هذه العصابة الإجرامية، بفضل مكالمة تلقتها الصحيفة من شخص مجهول، ببينما أكد أحد المحققين السريين أن هذه التجارة تدر على العصابات الناشطة في تركيا الملايين.

وأوضح المحقق أن لدى هذه العصابات مساعدين في جميع أنحاء أوروبا، ومنها المملكة المتحدة، كما إنها تتعامل مع "عملاء" يخدمونها في المطارات التي ينقل عبرها السوريون في رحلة تهريبهم.

وقال المحقق: هذه العصابات تهرب السوريين إلى إيطاليا وهولندا والدول الاسكندنافية، لكن بريطانيا تبقى الأغلى، فالسوريون هنا يطلبون الحصول على اللجوء، فور وصولهم.

وفسر المحقق لماذا تعد بريطانيا الأغلى على قائمة أسعار المهربين، ولماذا تعد الأكثر رغبة لدى السوريين الفارين والباحثين عن مأمن، قائلا إن الواصلين إلى مطارات بريطانيا يخرجون منها غالبا في غضون 3 ساعات (أي إنهم لايحتجزون طويلا كما بقية البلدان)، حيث لارغبة لأحد في بريطانيا بإعادة هؤلاء إلى بلدهم الذي يقتل فيه الناس بواسطة الأسلحة الكيميائية.

أما "عشتار" فأبانت أن "مئات السوريين يدفعون المبالغ المطلوبة لعصابات في تركيا حتى توصلهم إلى بريطانيا، ليكونوا قادرين على تقديم طلب لجوء"، مضيفة: أنفقت المدخرات التي جمعتهافي حياتي وذهب عائلتي لأدفع للعصابة 11 ألف استرليني لمساعدتي على بدء حياة جديدة والوصول غلى بر الأمان.

وتتابع "عشتار": طلبت مني العصابة صورة شخصية، وانتظرت لمدة 10 أيام مع مئات اللاجئين السوريين المذعورين في أحد الفنادق باسطنبول، ولاحقا جاؤوا ليقولوا لي إن الوقت حان للمغادرة، وقد تعرفت على أحد أعضاء عصابة ويدعى "ناصر"، لكنه لم يُسمح لي بطرح أي سؤال عليه.

يوم ونصف
توجهت "عشتار" بصحبة مرافق من العصابة نحو مطار اسطنبول، وهناك كان لديها جواز سفرها الحقيقي وتذكرة طائرة إلى بيروت.. هذا ظاهرا، أما في الواقع فكان على "عشتار" أن تتبع تعليمات مرافقها وتستقل الطائرة المتجهة نحو فيينا، حاملة معها جواز سفرها المزور!

من النمسا طارت "عشتار" إلى العاصمة النرويجية "أوسلو" ومنها نحو السويد، وأخيرا ركبت طائرة إلى بريطانيا، موضحة: "استغرقت رحلتنا يوما ونصف اليوم، ولم أتحدث فيها مع مرافقي إطلاقا.. كان يبرز جواز سفري عند الحاجة، ثم يعود ويحتفظ به.

وتصف "عشتار" لحطة وصولها إلى مطار "هيثرو" اللندني: كنت أرتعش عندما أفكر بأنهم قد يقبضون علي ويعيدوني إلى سوريا، وعندما وصلت أخذ مرافقي الجواز المزور، وتوجهت إلى مكتب الهجرة لأطلب اللجوء.

زعيم العصابة "أبو نصار تكلم أمام محقق "صنداي ميرور" السري، متفاخرا بسهولة إيصال اللاجئين السوريين إلى بريطانيا باستخدام جواز سفر مزور.

وقال أبو نصار للمحقق السري: فقط زودني بصور لمن ترغب بتهريبه، لأضعها على جوازات سفرهم الجديدة، وبعدها لا تلق للأمر بالاً!

ومن أمام أحد المقاهي قرب اسطنبول بلازا، يفصح "أبو نصار" قائلا إنه لايهتم بجنسية الراغبين بخدماته، كل ما يهمه هو المال، مضيفا: لا أقوم بهذا العمل إلا وأنا واثق أنه لن يكون هناك أي مشكلة، فليس في مصلحتي أن يعتقل الزبون.

وفيما إذا كان هناك من يتعاونون معه في المطارات ويغضون الطرف عن جوازات السفر المزورة، رد أبو نصار مبتسما: "نحو بريطانيا.. نعم".

لا خيار
وأبان محقق الصحيفة أن السوريين ليس لديهم خيار سوى اللجوء للعصابات للحصول على أوراق تخولهم السفر إلى أوروبا، إذ لايوجد سفارات في سوريا للحصول على تأشيرات.

وتابع المحقق السري: بعد دفع المال للرجل الوسيط (أو الكفيل)، ينتظر الزبون في بيت آمن أو فندق في اسطنبول، مكتفيا بتنفيذ ما يأتيه من توجيهات، ويكون "الكفيل" عادة رجل أعمال محترم جدا، وهو يزودك بكلمة السر التي عليك أن تخبرها لمن يستقبلونك بمجرد وصولك بأمان في بريطانيا .

وقالت "صنداي ميرور" إن تحقيقها السري كشف عن عشرات السوريين اليائسين ممن ينتظرون دورهم في التهريب إلى بريطانيا.

وتابع المحقق السري: ليلة الاثنين اتصلت بزعيم العصابة "أبو نصار" من هاتف خلوي يحمل رقماً تركياً، فرد علي قائلا: إذا كنت تريد التعرف على التفاصيل فسأكون جاهزا غدا.. سأرسل شخصا لاصطحابك.

أرسل "أبو نصار" نائبه "قصي"، حيث رافق المحقق السري، وفي الطريق أخبر قصي 4 لاجئين سوريين يستفهمون عن الوقت الذي سيتلقون فيه إشارة الانطلاق من "أبو نصار"، مرددا عبارة: ستعرف قبل ساعة واحدة من الانطلاق.

استقبل "أبو نصار" المحقق مصافحا، ثم سأله: أين تريد أن تذهب؟، وبعد أن أخبره المحقق وجهته (بريطانيا)، ابتسم "أبو نصار" قائلا: ليست مشكلة، ولكنها باهظة الثمن.

ادعى المحقق السري أنه يريد تهريب والده المسن وشقيقيه إلى المملكة المتحدة، فرد الفلسطيني "أبو نصار": لايمكن أن نهرب الثلاثة سويا، ربما الشباب يذهبون أولا، وربما والدك.. ولكن ما هي الطريق التي تفضل لهم أن يسلكوها للوصول إلى إنجلترا؟ عبر اليونان؟ .. إذا كان لديك نسخة من جوازات السفر جاهزة؟، فبإمكاني أن أخبرك متى يمكن تنفيذ الأمر.

وأردف "أبو نصار": كما قلت لك سابقا، سوف تكلف العملية 16 ألف يورو، مستبعدا بشكل كلي تعرض الزبون للاعتقال، أو اكتشاف أمره. 

وأضاف: شرطة الحدود التركية سيحتجزونك لمدة 5 ساعات ثم سيتم الإفراج عنك، والسوريون هم أول من يفرج عنهم.

وفي اليوم التالي التقى المحقق السري الكفيل كمال في مكتبه، وقال قصي (نائب أبو نصار) إن كمال الخمسيني رجل جدير بالثقة.

رسوم وكلمة سر
"كمال" قال إنه يؤمن للزبائن الراغبين الحفاظ على أموالهم، موضحا: سوف تودع المبلغ في حسابي، وأنا أعطيك وصل استلام ورمزا (كلمة سر)، وعندما تصل إلى محطتك الأخيرة تتصل بي وتخبرني لأدفع المال لأبي نصار، أو تتصل أنت بأبي نصار وتعطيه الرمز (كلمة السر) وأنا سأدفع له حالما يقول لي الرمز.

وأبان كمال أنه يتقاضى رسوما بمقدار 0.5 في المئة على هذه العملية، وبناء عليه يجب أن ندفع 34.055 جنيه استرليني لتهريب 3 أشخاص.

ودعنا الكفيل "كمال" مذكرا: إذا كان لديك أقارب أو أصدقاء يريدون أي خدمة، فهذه بطاقتي.

وقبل أن تختم "صنداي ميرور" أكدت أن وكالة الجريمة الوطنية في بريطانيا، وعدتهم بدراسة ما أثار هذا التحقيق الصحفي.

واختارت الصحيفة أن تغلق ملفها بالإشارة إلى محنة "عشتار" التي اضطرت للهروب من سوريا بسبب التعذيب الوحشي الذي تعرضت له، حيث تقول عشتار وهي تغالب دموعها "اضطررت لمغادرة سوريا في نيسان أبريل  من هذا العام بعد إلقاء القبض علي وتعرضي للتعذيب والاغتصاب على أيدي المخابرات".

وتتابع: أخذني رجال النظام من بيتي في دمشق، بعد رفض أخي الانضمام إلى الجيش، وصلبوني لمدة 10 أيام مع التعذيب ثم اغتصبوني، وبعدها أطلقوني ورموني في مكان لا أعرفه واستغرق الأمر من عائلتي 3 أيام لتعثر علي.

وتختم: هربت مع عائلتي هرب إلى مصر، ثم سافرت بمفردي الى اسطنبول للقاء أحد أفراد العائلة الذي ساعدني في ترتيب أمر تهريبي إلى المملكة المتحدة.

ترك تعليق

التعليق