سرقة ألف كرفان والشرطة تتفرج ..من خفايا المخيم.. "الناس مقامات" حتى في "الزعتري"!

رابحون وخاسرون.. مشترون وبائعون .. تجار صادقين ولصوص في سوق الزعتري
 عندما يتم توزيع أي شيء يقف اللاجئون الذين يجنون الأموال في الطابور نفسه
تم سرقة ألف كرفان  في ليلة واحدة من المخيم والشرطة  تتفرج 
 من يتعاونون مع الشرطة وقوات الأمن الأردنية يصبحون "منبوذين اجتماعياً" 

سلط تقرير حديث الضوء على بعض خفايا "مخيم الزعتري" الذي بات بعد رابع أضخم مخيم لاجئين على مستوى العالم، فضلا عن تحوله إلى رابع أكبر مدينة في الأردن، رغم أنه لم يمض على إنشائه سوى عام ونيف.
التقرير الذي أعدته شبكة "إيرين" التابعة لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، اهتم بما سماه "التفاوت الطبقي" ضمن المخيم، مبتدئا جولته من السوق التي نشأت على طول الطريق الرئيس في المخيم، والتي تمتد على عدة كيلومترات، وتضم متاجر بقالة ومحلات للملابس ومطاعم ومخابز ومقاهي ومحلات لبيع الأدوات الإلكترونية والحلاقة.

ومن رحم هذه السوق ولد زخم تجاري، فكان هناك رابحون وخاسرون، مشترون وبائعون، أغنياء وفقراء، تجار صادقين، ولصوص لا يخجلون من نهب غيرهم من سكان المخيم، حسب وصف التقرير.
وقد أدت مثل هذه التباينات إلى إيجاد حالة من الاستياء، لاسيّما أنه يُنظر إلى أولئك الأثرياء على أنهم يستغلون نظام المعونة على حساب الذين يعيشون كفافا، في بيئة تفتقر إلى الأمن والنظام.

للبائسين
في محل صغير بُنيّ من الصفيح والخشب، يبيع محمد الحريري ملابس مستعملة يتراوح سعر القطعة الواحدة من دينار إلى دينارين (أي ما يعادل 1.40 إلى 2.80 دولار).
يقول محمد عن بضاعته: إنها للبائسين الذين يريدون أي شيء يسترون به أجسادهم، عندما تبلى الملابس التي جاؤوا بها.

وعلى بعد بضعة أمتار قليلة، يجلس أشرف خليل داخل كرفان (مقطورة مسبقة الصنع)، اشتراها وحوّلها إلى متجر لبيع الملابس الرجالية، ويتراوح سعر القطعة الواحدة في "محله" ما بين 8 إلى 20 دينارا أردنياً (11 إلى 28 دولارا).

أشرف يقلِّب القنوات التلفزيونية، وفي زاوية المقطورة مروحة للهواء، وهي رفاهية نادرة في المخيم، يقول: بعض الناس يستطيعون شراء هذه الملابس. إنها أرخص من أي محل في عمّان.

ويقول اللاجئون، إن الذين قدموا في العام الماضي قد استولوا بسرعة على أفضل الأماكن ويقومون الآن بتأجير محلاتهم أو حتى بيعها إلى تجار آخرين. وعلى الرغم من أن جميع الأشخاص يحصلون على المساعدة نفسها والرعاية الطبية ذاتها من وكالات المعونة، إلا أن بعض اللاجئين يتمكنون من جني الأموال فيما لا يستطيع البعض الآخر ذلك.

ويؤجر بعض الأشخاص محلاتهم بنحو 50 ديناراً (70 دولارا) في الشهر، ويبيعونها مقابل ألف دينار (1,412 دولاراً)، حسبما ذكر فادي أبودياس، صاحب محل صرافة.
وتعليقاً على هذا الوضع، قال "أبو دياس": يمكنك القول أننا نعيش في غابة، القوي يأكل الضعيف.

وفي حالة انتقال اللاجئين من المخيم إلى العيش في المدن والبلدات الأردنية، يفترض أن يقوم هؤلاء بإعادة خيامهم وكرفاناتهم إلى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلا أنهم يقومون ببيعها مقابل 200 دينار (282 دولاراً)، حسبما ذكر أبودياس.
وفي المخيم نفسه، تُباع الخيام والكرفانات وقواعد الحمامات والبطانيات وغيرها من المواد التي تُوزع كمساعدات بشكل علني.

تفاوت
وفي الوقت الذي لا تستطيع فيه بعض الأسر السورية الفقيرة شراء الكرفانات "الشاغرة"، تمتلك بعض الأسر أكثر من كرفان. وتعليقاً على هذه النقطة، قال كيليان كلينشميت، الذي يدير المخيم نيابة عن مفوضية اللاجئين: "بعض اللاجئين يبيعون بطاقات تسجيلهم التي تمنحهم الحق في الحصول على المساعدة قبل أن يعودوا إلى سوريا".
وأضاف: هناك آخرون يستخدمونها للحصول على المزيد من المساعدات، بما في ذلك الكرفانات، ثم يقومون ببيعها".

أبو لينا الحوراني، الذي كان يعمل تاجرا في السعودية، "فرش" الكرفانات الثلاث التي اشتراها بالسجاد، وتلفزيون موصّل بالقمر الصناعي، وثلاجة، وغسالة ملابس وموقد. كما وضع الكرفانات على شكل (U) للحصول على "ما يشبه الحديقة" كالتي في منزله في سوريا، وبنى حماماً من الطوب مجهزاً بقاعدة مرحاض.
وتعليقاً على ذلك، قال "أبو لينا" وهو يغلق البوابة المعدنية للكرفانات الثلاث: "نحن لسنا هنا لأننا جوعى أو فقراء، بل لأننا نريد فقط مكانا آمناً. أريد أن تنام بناتي في مكان يصون كرامتهن ويوفر لهن الخصوصية". ويدير ابنه مشروعاً صغيراً لنقل البضائع، في شاحنة مبردة.

فيما يقدر "أبو دياس" عدد محلات الصرافة في مخيم الزعتري بما لا يقل عن 50 محلا، زاعما أن الكثير من السوريين يأتون إلى الأردن بـ"أموال كثيرة"، والبعض يستغلها في إقامة مشروعات تجارية في المخيم، فلدى العديد من السوريين، خاصة سكان محافظة درعا، أقارب يعملون في دول الخليج وفي بعض الأحيان يرسلون إليهم أموالا.
وأشار "أبو دياس" إلى أن هذا الوضع ساهم في إيجاد "انقسام طبقي" في المخيم.
ويوزع برنامج الأغذية العالمي مجموعة من حصص الإعاشة الجافة كل أسبوعين على كل أسرة من أسر اللاجئين، وهي تتكون من البرغل والأرز والسكر والعدس، والملح والزيت النباتي.

بيعٌ فبيع
ولشراء الخضراوات ومنتجات الألبان والدواجن، يقوم اللاجئون ببيع المواد الغذائية التي يحصلون عليها من برنامج الأغذية العالمي إلى أصحاب المحلات في المخيم، الذين يبيعونها بدورهم إلى الأردنيين، وهو أمر قانوني ويحدث في العديد من مخيمات اللاجئين حول العالم.
وتعليقاً على ذلك، قال جوناثان كامبيل، منسق حالات الطوارئ في برنامج الأغذية العالمي إن "السوريين يأتون من دولة ذات دخل متوسط نسبيا، لذا فإنهم لا يتناولون الفاصوليا والأرز بشكل يومي".

من جانبه، قال أبو فوزي، صاحب محل يبيع مواد المعونة، بما في ذلك أطقم المطبخ ومستلزمات النظافة العامة التي اشتراها من السوريين: "نحن لا نستغل أهلنا، نحن نساعدهم فقط في بيعها.. يمكنهم استخدام ثمنها في شراء احتياجاتهم الفعلية".
ويأتي التجار الأردنيون إلى المخيم لشراء هذه المواد بالجملة.

وفي الشهر الماضي، أدخل برنامج الأغذية العالمي نظام قسائم الشراء، التي يمكن أن يستخدمها اللاجئون في شراء احتياجاتهم من متجرين تديرهما منظمات مجتمعية.
ويقول اللاجئون أن أصحاب المتاجر لا يدفعون ضرائب أو فواتير كهرباء، ومع ذلك فإن السلع في مخيم الزعتري تباع بنفس السعر الذي تباع به في الأسواق الأخرى في الأردن، بل في بعض الأحيان أعلى، خاصة الخضروات والفواكه.

ويشعر العديد من اللاجئين أنهم يتعرضون للسرقة من قبل التجار، على اعتبار أن التجار يراكمون المدخرات ولا يقومون بتدويرها؛ لأنهم لا يدفعون الضرائب أو فواتير الكهرباء. كما لا يستطيع اللاجئون الخروج من المخيم إلا إذا "كفلهم" مواطن أردني على الرغم من أن مسؤولي الأمن وعمال الإغاثة يقولون أن العديد من اللاجئين ذوي العلاقات الجيدة يجدون سبلا لتهريب الأشخاص والمواد إلى داخل وخارج المخيم.

وتعليقاً على هذا الوضع قالت أمينة الزعبي، التي جاءت إلى الأردن دون أن تصحب معها شيئا من المقتنيات أو الأموال: عندما يتم توزيع أي شيء، يقف اللاجئون الذين يجنون الأموال في الطابور نفسه مثلنا تماماً، ليحصلوا على أي شيء.. غذاء، ملابس، أو أي شيء آخر. وأضافت: "إنهم يستغلون إخوانهم وأخواتهم بدلاً من مساعدتهم".
وترسل "أمينة" ابنها البالغ من العمر 13 سنة إلى العمل لكي تستطيع شراء الغذاء من سوق الزعتري.
ويقف ابنها أمام عربة وسط السوق، ويعرض على الناس نقل مشترياتهم أو مواد المعونة إلى منازلهم. واعتماداً على مسافة الرحلة، يكسب محمد خير ما بين 0.50 إلى 2 دينار (0.70 دولار-2.80 دولار) في الرحلة الواحدة.
وتعليقاً على ذلك، "محمد خير": يجب أن نعيش، لا يمكننا أن نتناول البرغل والعدس كل يوم.
ويختلف "أبو لينا" مع مواطنته "أمينة" في أن اللاجئين الأغنياء يستغلون نظام المعونة عندما يستفيدون من الخدمات المجانية، حيث قال: "هذه المساعدات مخصصة لنا، فلماذا ننفق أموالنا؟".

مثل سوق درعا
لا شك أن السوق مفيدة، فهي المكان الوحيد الذي يمكن فيه للاجئين شراء المواد التي لا تقدمها وكالات المعونة، مثل الفواكه والخضروات واللحوم، والتوابل والحلويات السورية. كما أن السوق بالنسبة للكثيرين، تذكرهم بالحياة الطبيعية التي كانوا يعيشونها في وطنهم الأم قبل الحرب.

وقال أحد اللاجئين: رغم أن السوق تقع في وسط الصحراء، إلا أنها تشعر المرء بأن يتجول في سوق درعا"، مقرا بأن بعض سكان المخيم يستفيدون من المشروعات التي يقيمها اللاجئون الأكثر ثراءً، حيث يحصل البعض، على سبيل المثال، منهم على أجر معقول.
وقال نادل أن المطعم الذي يعمل به يحقق أرباحاً تصل إلى 200 دينار (282 دولاراً) أسبوعياً، من بيع السندويتشات والدجاج المشوي. 

وقال سوري آخر، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، أنه يحصل على نحو 15 ديناراً (21 دولاراً) في اليوم من عمله في مقهى يملكه أحد اللاجئين السوريين "الأثرياء" الذين يعيشون خارج المخيم. مضيفا: "إنه أجر جيد، خاصة عندما لا يكون المرء مضطراً لدفع ثمن الإيجار أو أي شيء آخر".

السيطرة صعبة
وإضافة إلى وجود تفاوت في الطبقات الاجتماعية في المخيم، يقول اللاجئون أن بعض السكان شكلوا جماعات تشبه المافيا متورطة في جرائم منظمة في المخيم. 
كما يقولون أن أقلية صغيرة من سكان المخيم يحدثون فوضى في المخيم، وذلك من خلال القيام بأعمال شغب ومهاجمة مسؤولي الأمن، والعاملين في وكالات المعونة أو غيرهم من اللاجئين، وأنهم يستفيدون من حالة إنعدام الأمن حيث يقومون بسرقة مواد المعونة وإعادة بيعها، مثل الكرفانات والخيام والمعدات من المراحيض العامة.
وتعليقاً على هذا، قال "عيسى لافي" الذي يبلغ من العمر 20 عاماً أن "بعض هؤلاء يستعينون بالشبيحة (الميليشيات التي تدعم بشار الأسد) الذين يستأجرونهم لسرقة الأغراض من المخيم في الليل ثم يبيعونها".
وفي ليلة واحدة، تم سرقة ألف كرفان، والشرطة "لا تجرؤ على القيام بأي إجراءات"، بحسب ما ذكره لاجئون وأفراد أمن لشبكة "إيرين".

في السياق ذاته، قال مسؤول أمني رفيع المستوى، طلب عدم ذكر اسمه، إنه من الصعب جداً السيطرة على المخيم.
وأضاف: اللاجئون يرفضون التعاون.. عندما نحاول إيقاف السيارات التي تقوم بتهريب السوريين للعمل في المفرق، يبدؤون بقذفنا بالحجارة، حتى الأطفال منهم". وفي مرات عديدة، قام اللاجئون بطعن أفراد قوات الأمن الأردنية أو ضربهم بالعصي والحجارة.
من ناحية أخرى، يقول اللاجئون السوريون أن من يتعاونون مع الشرطة وقوات الأمن الأردنية يصبحون "منبوذين اجتماعياً" من قبل سكان المخيم.

وقد أعربت مفوضية اللاجئين منذ فترة طويلة عن قلقها إزاء إنعدام القانون والنظام في المخيم، حيث قال كلينشميت: "نحن قلقون بالطبع بشأن عدد الأشخاص الذين يعملون داخل المخيم في ظل كل هذه التقارير عن جماعات المافيا".
وقال كلينشميت إنه من خلال تحسين الإدارة العامة للمخيم واستحداث هيكل للإدارة، "نأمل أن يتم حل" تلك المشكلات قبل نهاية العام. 

وتقضي الخطة الموضوعة بأن يتم تقسيم المخيم إلى مناطق، مع تحديد أسماء للشوارع وممثلين محليين، بحيث يمكن لعمال الإغاثة التواصل معهم.
وختم قائلا إن "تعزيز الحكم المحلي سوف يساعدنا في توفير سيطرة أفضل على كل منطقة في المخيم". وفي مرحلة تالية، من المتوقع أن يدفع أصحاب المحلات رسوماً لتراخيص المحلات وفواتير الكهرباء.

ترك تعليق

التعليق