مدارس تطوعية للأطفال السوريين في لبنان.. تعددت المبادرات وتفاوتت النجاحات

نشرت صحيفة "الحياة" اللندنية تقريرا عن مبادرات تطوعية تختص بتعليم أبناء اللاجئين السوريين في لبنان، موضحة مدى التفاوت في نجاح هذه المبادرات وفقا للتسهيلات الممنوحة لها.
وورد في التقرير: قبالة حائط في ساحة مدرسة في حي شعبي في العاصمة اللبنانية بيروت، يقف عشرات الأطفال السوريين ممسكين بأيديهم النحيلة أقلاما ملونة، وفيما ينهمك كل منهم بإنهاء لوحته الخاصة المعلقة على الجدار، يبدو المشهد أشبه بمعرض فني في الهواء الطلق.

ينضوي هؤلاء الأطفال في "برنامج تعليم اللاجئين السوريين" التابع لمنظمة "جسور" والذي انطلق هذا الصيف، لينضم إلى برامج أخرى مشابهة وإلى مبادرات فردية تسعى إلى توفير الحد الأدنى من الحاجات التعليمية لآلاف الأطفال من اللاجئين السوريين المقيمين في مخيمات اللجوء الفلسطيني ببيروت.
وحال العديد من الأسباب دون التحاق القسم الأكبر من الأطفال السوريين اللاجئين بمدارس لبنانية، لعدم قدرة الأخيرة على استيعاب الأعداد الضخمة من الوافدين، وانقطاع قسم لا بأس به من الأطفال عن مقاعد الدراسة خلال العامين الأخيرين، وعدم حيازة قسم آخر على أوراقه الثبوتية والمدرسية، والفارق الكبير بين المنهاجين الدراسيين في البلدين، وبخاصة مع اعتماد المدارس اللبنانية على اللغات الأجنبية للتعليم، وهو أمر أدى إلى عزوف العديد من السوريين عن المدارس.

وأوضح التقرير أن نحو 85 تلميذا يقطنون في مخيمي "الداعوق" و"سعيد الغواش"، يستفيدون من برنامج "جسور"، حيث تتلقى الفئة السنية الأصغر ممن لم يسبق لهم التسجيل في مدرسة في سورية مبادئ القراءة والكتابة، في حين يتم تعليم الإنكليزية للتلاميذ السابقين بهدف إعادة دمجهم في المدارس اللبنانية ومواصلة تعليمهم النظامي، بينما يتم تعليم الإنكليزية والرياضيات والحاسوب للأطفال من سن العاشرة إلى الرابعة عشرة.

مبادرون من مختلف التوجهات
ويوضح مدير البرنامج هاني جسري أن المنظمة تعمل كي يبلغ العدد الإجمالي للمستفيدين 150 طفلاً، مشيراً إلى سعيها لتطوير البرنامج من أجل توفير الفرصة لليافعين من 15 إلى 18 عاماً لتعلم الإنكليزية ومهارات حياتية أخرى، بالاضافة الى توفير تدريب على مبادئ الإدارة ومجال الأعمال لمن تجاوز الثامنة عشرة، لمساعدتهم على الانطلاق بمشاريعهم الخاصة أو من أجل دخول سوق العمل.
ويقر جسري ببعض النواقص في هذا النوع من البرامج وفي عدم قدرتها على تزويد التلامذة بالتعليم اللائق، ويشير إلى أن الهدف الأساسي هو مساعدة الأطفال السوريين على الدخول إلى المدارس اللبنانية، على أن يكمل في البرنامج من لا يستطيع الالتحاق بمدرسة لبنانية للحصول على نوع من التعليم غير الرسمي.
ويبين مدير البرنامج أن المنظمة ستستمر في مواكبة الملتحقين بالمدارس عبر برامج بعد انتهاء دوامهم المدرسي، سواء في ما يتعلق باللغة أم الواجبات المدرسية وغيرها من التفاصيل.

وقال التقرير إن برنامج "جسور" يعتمد على 30 مدرسا ومشرفا جلهم من المتطوعين السوريين، بعضهم دائم وبعضهم موقت، وينتمون إلى فئات عمرية وخلفيات دراسية متنوعة. فـ"سارة" مثلا طالبة في السنة الأخيرة من الثانوية، و"رشا" طبيبة أسنان و"دارو" صحافية و"زينة" مهندسة ميكانيك و"أحمد" خريج حديث في العلوم السياسية، أما ماجد طالب الهندسة المعمارية في الولايات المتحدة و"دونا" طالبة الاقتصاد في فرنسا، فقد استغلا قضاء عطلتهما الصيفية في لبنان للتطوع في البرنامج، أما "بيتر" فهو صحافي سويدي مقيم في بيروت قرر تخصيص جزء من وقته لتعليم اللغة الإنكليزية.

أبنية متواضعة
وأشار التقرير إلى أن الفضاء الذي وفرته مدرسة "عائشة أم المؤمنين" في منطقة قصقص البيروتية لبرنامج منظمة "جسور"، كان ميزة لم تتوفر للمبادرات الأخرى المشابهة، والتي اتخذت من أبنية متواضعة في أزقة مخيم شاتيلا مركزاً لها.
ففي بناء ضيق داخل المخيم مكون من طابقين، في كل طابق غرفة واحدة لا أكثر، اتخذت منظمة "JRS اليسوعية" مقرا لتنفيذ نشاطات تعليمية وتدريبية لنحو 50 طفلا سوريا تقيم عائلاتهم في شاتيلا.
وتشمل الدروس اللغتين العربية والإنكليزية والرياضيات، وتنفيذ ورشات رسم ومسرح تفاعلي ونشاطات متعلقة بتعلم الاختلاف وتقبل الآخر والعمل الجماعي واحترام النظافة، على مدى 5 أيام في الأسبوع.
ويقول نادر غانم، وهو مدرس ومتطوع في إدارة المدرسة إن عدداً من المشاكل يقف عقبة أمام المبادرات المشابهة، ومنها غياب الحيز الذي يعطي أريحية نفسية للطفل، وبيئة المخيم العنيفة، ويصف التزام التلاميذ بـ"السيئ" لأن الطابع الجدي للمدرسة غائب فيما الفوضى هي القانون الوحيد في حالة اللجوء.
في زقاق آخر لا يبعد سوى عشرات الأمتار، يقع مركز "بكرة إلنا" التابع لمنظمة "نجدة ناو"، والذي يجتذب نحو 200 طفل بين الرابعة والخامسة عشرة، وهو أيضا يعلّم بعض المواد الأساسية وينظم ورشات في الرسم والمسرح والخط والصلصال وألعاب تعليمية، بالاعتماد على خمسة مشرفين ومشرفات على تنفيذ النشاطات، و4 معلمين سوريين ينالون رواتب رمزية.

قصص نجاح
ويؤكد مدير المركز علي الشيخ حيدر أن تحسنا ملحوظا طرأ على عدد من الطلاب وبالأخص من الناحية النفسية، لكنه كسابقه يعاني من مشاكل مشابهة كانعدام المكان المناسب، إذ لا تكفي صفوفه الأربعة وصالته الضيقة لاستيعاب نشاط الطلاب المفرط أحياناً وحاجتهم للعب.
ويلفت الشيخ حيدر إلى صعوبات أخرى، منها عدم القدرة على تأمين نسخ كافية من كتب المنهاج المدرسي السوري، وغياب الزخم لدى المتطوعين السوريين وفقدانهم الحماسة بعد أيام قليلة، والانتقال المفاجئ لبعض العائلات من المخيم ما يعني انقطاع أطفالها عن الحضور. لكن هذا لا يعني عدم تسجيل المركز لقصص نجاح كمشاركة التلاميذ في معرض للرسوم بالتعاون مع دار المصور وتنفيذهم لمعرض خاص بـ"أونيسكو"، بالإضافة إلى المشاركة في تقديم عرض مسرحي بعنوان "طلعنا على الضو" ضمن مشروع "أثر الفراشة"، والذي سيجد طريقه لخشبة المسرح مجددا في 6 عروض في بيروت ومناطق لبنانية متعددة على مدى شهرين.
ويختم التقرير: تتفاوت هذه التجارب في مدى قدرتها على التأثير وتحقيق ما ترمي إليه، وهي في أسوأ الأحوال "أفضل من القعدة في البيت" وفقا للمدير هاني جسري. أما نادر غانم فيتساءل عن جدوى بقاء الأطفال في الشوارع حيث لا شيء يفعلونه، فيما يشير الشيخ حيدرالى أن الأطفال يقضون ساعات إضافية في المركز حتى بعد انتهاء دوامهم لغياب الساحات في المخيم وهو ما يفضله الأهالي، هذا بينما لا يحصل آلاف آخرون من الأطفال السوريين في مخيمات بيروت على هذه الفرصة.

ترك تعليق

التعليق