الريف الدمشقي ينال حصته من سياسة التجويع.. والعمل الإغاثي ما زال قاصراً

تستمر معاناة المدنيين في الريف الدمشقي جراء الحصار الخانق الذي فرضه النظام منذ ما يزيد عن شهرين، وبات إدخال الطعام إلى الداخل جريمة تشابه جريمة إدخال الدواء والسلاح، ليحاكي الريف في معاناته حال حلب المحاصرة.

حصار خانق
أبو أيمن الرجل الستيني الذي يستمر في عمله كسائق تكسي حيث يخرج في الصباح من الريف ويعود إليه قبل المغيب، يروي لنا عن محاولاته لإدخال ربطة خبز واحدة لعياله في الداخل حيث يقول: "أمرّ يومياً على عدة حواجز تابعة للجان الشعبية أو للأمن، وعدة مراتٍ غامرت وحملت معي فقط ربطة خبزٍ واحدة، وكلي أمل أن أجد عنصراً في هذه الحواجز يعطف علي وعلى عيالي ويسمح لي بالدخول وبحوزتي ربطة الخبز لكن كل محاولاتي كانت فاشلة".

تكثر القصص والحكايات التي يعيشها أبناء الريف الدمشقي المحاصر على الحواجز، والتي لم تسلم منها حتى النساء، أم محمد حاولت أن تخفي عن أعين عناصر اللجان الشعبية على أحد الحواجز ثلاث ربطاتٍ من الخبز وخبأتها في ثيابها "المانطو"، وتقول: "لاحظ أحد عناصر اللجان أنني لا أستطيع الحركة بشكلٍ جيد في سيارة الأجرة التي كانت تقلني، وأجبرني على الاعتراف بأنني أحمل ربطات الخبز، خشيت ان يقوم بتفتيشي أو أن يسلمني للأمن، ولم يسمح لي بإدخالها، وأدخلها للمكان الذي يجلس فيه مع عناصر آخرين".

وكذلك هو حال "وليد" ابن دوما الذي أراد أن يدخل فقط كيلو "نابلسية" لابنته حيث يقول: "منذ أكثر من ستة أشهر تطلب مني ابنتي "سناء ست سنوات" أن أحضر لها نابلسية، وترجوني بإلحاح، وكان مصيره كمصير كل شيء نحاول إدخاله حيث يذهب لعناصر الحاجز"، ويتساءل أيمن "هل يعتقدون أنني أدخل كيلو النابلسيية لعناصر الجيش الحر مثلاً، أم أنهم يريدون إذلالنا وحسب؟".

الأرض تحمينا من الجوع
أبناء تلك المناطق ما زالوا يعتمدون على بعض ما تنتجه الأرض، فرغم كل شيء ما زالت الغوطة تعتمد على بعض المنتجات الحيوانية والزراعية، وأحد الناشطين يقول على سبيل المداعبة "أشعر أنني تحولت لخاروف بسبب استمرار تناولنا للمنتجات الزراعية".
سياسة تجويع معممة أسلوب واضح يتبعه النظام في المناطق المحاصرة، ويعتمد الغالبية هناك على مساعدات الجمعيات الخيرية والمجلس المحلي وفق ما يشير "أبو عبدو" وهو أحد الناشطين في الغوطة الشرقية، ويضيف: "جميع من في الداخل يعانون من الجوع، لكن تبقى معاناة المدنيين أشد وطأة فالكتائب لديها أساليبها في تأمين المواد الغذائية، غير أن المدنيين لا يسمح لهم بإدخال ولا حتى قطعة خبزٍ صغيرة إلى الداخل".
وعن كيفية تأمين وجبات الإفطار للمدنيين، يطلعنا أبو عبدو على عدة مشاريع تقوم بها الجهات المعنية في الريف، ومنها مشروع لإفطار صائم في سوريا، وتوزيع وجبات رمضان عبر المكتب الإغاثي الموحد، إضافةٍ للجمعيات الخيرية التابعة للمجلس المحلي.

خيار وفقوس
ولا تبدو الصورة نقية بالكامل في عمل الجهات المعنية بالشأن الإغاثي، حيث يشوبها الكثير من الخيار والفقوس، حتى تحت الحصار، وهنا يشير أبو عبدو إلى بعض المخالفات، والتقييم الخاطئ لحاجة بعض الأسر، مؤكدا وجود انتهازيين، يحاولون العمل لمصالحهم الشخصية، كما أنه ليس لدينا كوادر مدربة على هذا النوع من الأعمال المدنية، فهناك عائلات معروفة قبل الثورة بما كانت تملكه من ثروات، أحياناً تحجب عنها المساعدة لأن البعض يعتقد أنها ما زالت غنية كما في السابق، وفي الحقيقة هذا الأمر غير صحيح، فمن كان صاحب ثرواتٍ بالأمس هو اليوم فقير كغيره من المتواجدين في الريف الدمشقي، ومعظم عائلات الريف يحصلون على رزقهم ويكونون ثرواتهم بفضل تعبهم وجهدهم، وكل الأعمال اليوم متوقفة تماماً".

ترك تعليق

التعليق