سوق الزعتري.. سوريون ينهشون لحوم بعضهم برعاية أردنية

تتقدم أمتاراً قليلة داخل باب المخيم لتشاهد المئات من المحال التجارية المزروعة في طريقه الرئيسي، وكأنك ذاهبٌ إلى سوقٍ شعبي كبير، تجد فيه كلّ ما يخطر في بالك من سلعٍ غذائية ومواد أساسية، وقد تتمكن من شراء بعض المحظورات إذا كنت تعرف تخاريم هذا السوق وتملك من الحنكة ما يكفي للوصول إلى مبتغاك.
تتغلغل فيك ابتسامة عريضة نابعة من إعجابك بإرادة الحياة لدى هؤلاء الخارجين من الحرب الطاحنة، ولكنها ما تلبث إلا لتنقلب لغصة ناتجة عن معرفتك لتفاصيل هذا السوق.

في سوق الزعتري أو السوق السوري ترى البائع المتجول والدكان الكبير والصغير، البضاعة الفاسدة أو التي أكل عليها الدهر والأخرى التي تُحضّر يومياً، تجد الخضار الطازجة، مطاعم الوجبات السريعة، العمال، أصحاب هذه المحال، الزبائن المفعمين بالحيوية، في هذا السوق يوجد صرّافون للعملة، وسعر الصرف لا يختلف عن سعر السوق، البيع والشراء بالليرة السورية فقط، وثمن هذه المواد مشابهٌ لقيمتها في الداخل السوري.

أُنشئ السوق مع بداية افتتاح المخيم بواسطة السوريين النازحين إليه، ليؤمنوا احتياجات الناس المختلفة، بعد أن حرمتهم الحكومة الأردنية تحت أنظار منظمة الأمم المتحدة من الخروج من أحد أبوابه حتى ولو كان لجلب الخضار أو الرز والعدس والبرغل من الخارج، والاكتفاء بالفُتات الذي يؤمن لهم من قبل المنظمات الإغاثية، علماً أنّ أقرب مكانٍ يحتوي على هذه الحاجات الأساسية يحتاج للمشي لمدة نصف ساعةٍ على الأقل.
يقول أبو محمد من داعل لـ"اقتصاد" وهو أحد أقدم أصحاب المحال في السوق: "لقد قمنا بإنشاء هذه الدكاكين غير القانونية ولن يستطيع أحد سلبها منا حتى نعود إلى بيوتنا، لقد كان أحد أقربائي يؤمّن لي الخضار كلّ بضعة أيام، وكان من يسكن بجواري يطلب مني أن أقوم بتأمين احتياجته بأيّ ثمن، أصبحت أشتري الخضار من قريبي وأقوم ببيعها بنفس الثمن، ثم قرّرت أن أجعلها مصدراً لرزقي وأن أنفع بها أصحاب الأحوال الميسورة في المخيم، وأتبرع بما يبقى لدي للعائلات الفقيرة، فحجزت أربعة أمتار على الطريق الرئيسي ولم يعترض أحد على فعلتي".

تدلي الحاجّة سمر بشهادتها محتجةً على هذا السوق الذي كان للأقوى بدنياً والأكثر دهاءً بنظرها، فزوجها الستيني لم تمكنه بنيته الضعيفة من تعمير دكانٍ في مكانٍ مميّز بالسوق بعد أن سبقه بعض الرجال من نفس قريته، ومنعوه من وضع بضاعته المكونة من بعض الأحذية التي يجلبها له أحد التجار الأردنيين كلّ فترة، فاضطر إلى حجز مكان يبعد عن (خيمته) 2كم، فيذهب إليها يومياً مستعيناً بعكازه الخشبي.

أحد الزبائن ويدعى رامي يوضح أنّه أتى متأخراً ولم يتمكن من الحصول على فسحة تساعده على وضع الحجرة الأولى في مشروعه التجاري الذي ينوي فيه شراء الثياب القديمة وتنظيفها وإعادة بيعها، موضحاً أنّ أحد الأصدقاء عرض عليه شراء دكانه بما يقارب المئة ألف ليرة سورية بعد أن وجد من يكفله ويخرجه المخيم، إلا أنّ رامي الذي لا يملك سوى 75 ألفاً قرّر الشراء من أحد أبناء الضيعة الذين يريد بيع دكانه بـ 60 ألفاً.

تتعدد الروايات في هذا السوق الذي يعيل الآلاف من العائلات، فأحد النازحين غيّر مهنته من بائعٍ للألبسة إلى حلاق، والآخر أصبح خبيراً بالخضار بعد أن كان يدرس الهندسة المعمارية، وبين هؤلاء تجد من هو محتجٌ على طريقة إنشاء هذه المحال غير المرخصة، ومنتقداً تساهل قوات الأمن الأردني التي يراها مهتمة بوجود هذه الفوضى بين السوريين أمام الرأي العام العربي والعالمي، وهناك من يجدها مجالاً جيداً للترويح عن السوريين داخل الزعتري.

السوريون يأكلون بعضهم، يقول المُعمّر أبو ثائر، هم يريدون أن نكون فوضويين ونحن نساعدهم على ذلك، يقومون بحرماننا من الطعام وتصويرنا عندما نجادلهم على تقصيرهم، لا يوجد حكومة في العالم لا تستطيع مراقبة سوق تجاري والمواد المباعة فيه وتنظيم دكاكينه، نحن أمام معركة حقيقية، يجب أن نكون يداً واحدة، لو كانت مشكلتنا بنظام الأسد لانتصرت الثورة منذ البداية، نحن مشكلتنا في قلوبنا والتفاف العالم على ثورتنا.لن نتجاوز هذا الظلم العالمي حتى يحب بعضنا بعضاً - يختم ابو ثائر-.

ترك تعليق

التعليق


أعلى