تحدّي إعادة الإعمار.. سوريا بحاجة لـ 2 مليون منزل


لا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد المساكن التي دمرها النظام على خلفية مواجهة أحداث الثورة السورية، إلا أن معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث، الذي اعتمد على صور الأقمار الصناعية لتحديد عدد المباني التي دُمرت أو تضررت بشدة حتى العام 2019، أكد أن محافظة حلب كان لها النصيب الأكبر في عدد المباني المدمرة، والتي بلغت نحو 36 ألف مبنى، ثم جاءت بعد حلب الغوطة الشرقية في دمشق، حيث دمرت قوات النظام البائد 35 ألف مبنى فيها. وأوضحت الدراسة المسحية للمعهد أن مدينة حمص جاءت في المرتبة الثالثة، حيث تدمر فيها 13,778 بناء، ثم مدينة الرقة بـ 12,781 بناء، ومن ثم حماة بـ 6,405 أبنية، ودير الزور بـ 6,405 أبنية، بالإضافة إلى مخيم اليرموك، الذي تدمر فيه 5,489 بناء.

كما اختلفت الإحصائيات والأرقام عن تكاليف إعادة الإعمار، لكن أكثرها تفاؤلاً تتحدث عن مبلغ لا يقل عن 400 مليار دولار، وبعض التقارير يتحدث عن أكثر من تريليون دولار.

ومع انتصار الثورة السورية نهاية عام 2024، أصبح المشهد العمراني أكثر وضوحاً من حيث القدرة على تحديد حجم الخسائر والأبنية المدمرة، وإمكانية وضع الخطط اللازمة لإعادة إحياء ما دمرته الحرب.

وقال رجل الأعمال فيصل العطري، في تصريح لموقع "نون بوست" إنه من الصعب تصور رقم محدد عن حجم الاحتياج الإسكاني حالياً، بسبب غياب إحصاءات عن أعداد الأهالي الراغبين في العودة بعد سقوط النظام، لافتاً إلى أن الصيف سيشهد عودة اللاجئين إلى سوريا، وخاصة مع انتهاء المدارس، وهي مشكلة قادمة ومتوقعة، وغالباً سيشهد قطاع السكن أزمة صعبة يجب العمل على إيجاد الحلول لها.

وأضاف العطري أن الدمار الكبير في المدن، رغم سلبياته وبشاعة منظره، إلا أنه فرصة لإعادة البناء بشكل علمي وصحيح. فمثلاً، في منطقة مدمرة مؤلفة من خمسة أبنية، كل منها ثلاثة طوابق، وكل طابق يحوي شقتين، يمكن إشادة بناء بارتفاع 32 طابقاً، وثلاثة طوابق أرضية كمواقف سيارات، يحوي كل طابق 6 شقق، أي نحصل على 192 شقة بدلاً من 30 شقة، وذلك في بناء حديث وأنيق. أي أن الدمار يعتبر فرصة لإعادة هندسة المدن والبناء بشكل يلبي الحاجة الفعلية للسكن، ويوفر الخدمات بشكل حديث.

ورأى العطري أن قطاع السكن في سوريا سيمرُّ بعدة مراحل، وسيتأثر بالعوامل التالية:

    ارتفاع في الطلب على المساكن الرخيصة، بسبب ضعف القدرة الشرائية حتى لمعظم العائدين من الخارج.

    توفر وسائل المواصلات وانخفاض أسعار السيارات سيؤدي إلى ارتفاع الطلب على المنازل البعيدة عن مركز المدينة، وبالتالي سيحدث ارتفاع في قيمتها يقابله نقص الطلب على العقارات الحديثة.

    تنظيم القطاع السكني، وتنظيم أراضٍ كافية لإشادة مناطق سكنية، وإزالة العقبات والروتين والفساد من هذا القطاع، ستؤدي إلى ارتفاع نسبة العرض يتبعه انخفاض في السعر.

    دخول شركات تطوير عقاري عالمية، واستخدامها لوسائل حديثة في البناء، سيؤدي إلى تقليل الهدر وسرعة التنفيذ، مما سيؤدي إلى انخفاض السعر.

    طرح العقارات من شركات التطوير العقاري بموجب قروض مصرفية ميسرة سيؤدي إلى انخفاض الطلب على الشراء النقدي، وبالتالي انخفاض السعر.

    طرح العقارات من شركات التطوير العقاري، وما تحمله من ميزات الأبنية الحديثة (عزل صوتي وحراري، دقة في التنفيذ، تناسق في الشكل، حلول لمشاكل لم تكن موضع دراسة سابقاً مثل: مواقف السيارات، أنظمة الأمان، تنسيق الطرقات، توفر حدائق…)، سيؤدي إلى انخفاض في أسعار العقارات القديمة.

من جهته رأى الخبير العقاري الدكتور عمار يوسف، أن عودة اللاجئين السوريين، في حال لم تكن العودة للاستقرار، لن يكون لها أي تأثير على السوق العقاري من حيث الأسعار، إلا أن الإيجارات سترتفع دون أدنى شك، مستدركاً: "عدم استقرار الأوضاع الاقتصادية وغياب الخدمات، هذه عوامل طاردة وليست جاذبة للعودة إلى سوريا، فهناك أسر عادت ولكن كحالة تفقد للأوضاع، وليس للاستقرار".

وبيّن يوسف أن هناك نحو 1.5 مليون منزل مدمر، لكن الاحتياج الإسكاني يجب أن لا يقل عن مليوني مسكن في الوقت الراهن، وهو رقم إسعافي، وللأسف من الصعب جداً الوصول حتى إلى ربع الرقم المطلوب من الاحتياج الإسكاني ضمن المعطيات الحالية، فالوضع العقاري في سوريا مظلم، والحل الوحيد هو الاستعانة بشركات عالمية كبيرة تتولى مهمة إعادة الإعمار، والتي من المهم أن تبدأ بتأهيل وإعمار البنى التحتية والمصانع والمعامل لتوفير فرص العمل.

وأفاد الخبير العقاري أنه لا يمكن التكهن بأسعار العقارات في سوريا، كون ذلك يعتمد على الوضع السياسي والاقتصادي ومدى استقرارهما، وحجم الاستثمارات التي يمكن أن تدخل السوق السورية. فرغم تحسن الليرة السورية، إلا أن أسعار مواد البناء، التي تلعب دوراً كبيراً في تكلفة بناء العقارات، لم تنخفض بشكل يوازي تحسن الليرة.

وأشار إلى أن الأنقاض الناتجة عن الدمار الذي لحق بالمدن يمكن أن تلعب دوراً في تخفيض التكلفة، لأنه في حال تم إعادة تدويرها، فقد تساهم بنسبة 30% في عملية إعادة الإعمار.

ترك تعليق

التعليق


أعلى