اقتصاديون يناقشون "الخصخصة" في سوريا
- بواسطة اقتصاد --
- 26 كانون الثاني 2025 --
- 0 تعليقات
أثار موضوع الخصخصة الذي تحدث عنه مسؤولو الإدارة الجديدة في سوريا، الكثير من ردود الأفعال والآراء، التي تنوعت بين مؤيد للتخلص من القطاع العام، وبين متخوف من بيع هذا القطاع دون إجراء دراسة معمقة لهذا الأمر.
ويرى الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، إبراهيم العدي، أن القطاع العام في سوريا أثبت بالدليل القاطع فشله عبر التاريخ، وأن هناك استحالة في إصلاحه، لذلك هناك الكثير من نماذج الخصخصة العالمية التي يمكن الاستفادة منها في حال كان توجه سوريا نحو ذلك مستقبلاً، مشيراً إلى التجربة الألمانية، فبعد سقوط جدار برلين، تم توحيد ألمانيا الغربية مع ألمانيا الشرقية الشيوعية التي تعتبر متخلفة مقارنة بالغربية، فقد كانت كل مؤسساتها تقريباً تتبع للقطاع العام، وما جرى حينها بيع كل مصنع يحتوي 500 عاملاً وأكثر بمارك واحد فقط، مقابل أن يحتفظ رب العمل الجديد باليد العاملة الموجودة بالمعمل، وبذلك تكون الدولة قامت بدورها الاجتماعي تجاه مواطنيها ببقائهم على رأس عملهم، وأعفت بالوقت نفسه الخزينة العامة من تمويل تلك المصانع وتمويل العاملين فيها رغم فشلها اقتصادياً.
وقال العدي لصحيفة "العربي الجديد" القطرية، إنه في حال أديرت تلك المصانع اقتصادياً من خلال عقلية القطاع الخاص، فإنها ستتحول مع الزمن إلى مصانع رابحة، وستورّد للخزينة بدلاً من أن تكون عبئاً عليها كما هو الوضع حالياً. واعتبر أنه في حال جرت الاستفادة من تلك التجربة في سوريا الجديدة، فهذا يعني رفع قيمة الاقتصاد الوطني وزيادة فرص العمل، وتحقيق أرباح مضافة، سواء كان ذلك من خلال القطاع العام أو الخاص.
ومن خيارات الخصخصة الأخرى، لفت الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق إلى تحويل شركات القطاع العام إلى شركات مساهمة، وهي طريقة جيدة حيث يكون للدولة أسهماً في تلك الشركات لا تزيد على 50%، وتطرح الأسهم البقية للاكتتاب ليشتريها القطاع الخاص ويديرها بنفسه.
وأشار إلى أن الكثير من الدول تلجأ إلى تجربة السهم الذهبي للخصخصة وهي التي تعتمد على تحويل الشركة إلى أسهم والاحتفاظ بجزء يسمى السهم الذهبي، بحيث لا يستطيع المالكون التصرف بالشركة من دون الرجوع إلى حامل السهم الذهبي، وهو الحكومة، لافتاً إلى أن من يحدد الأسلوب الذي ستعتمده الدولة هو السياسة.
وفي ما يخص ردود الأفعال المتخوّفة من سياسة الخصخصة، يعتبر العدي أن القطاع العام هو عبارة عن خردة مستهلكة، وقيمته الدفترية صفر، لذلك لا داعي للتخوف، لأن الهدف من هذه الإجراءات هو تغيير وضع القطاع العام، مع مراعاة حقوق العاملين، لافتاً إلى ضرورة تغيير البيئة القانونية في سوريا لتناسب هذا النوع من التشاركية أو البيع وحتى الاستثمارات.
من جهته، أكد الخبير الاقتصادي محمد كوسا أن ملف الخصخصة كان مطروحاً خلال السنوات والعقود السابقة، فقد أصبح ضرورة في الكثير من المؤسسات والمفاصل، ولكن لا يمكن اعتباره الحل الأمثل بشكل كامل، علماً أن الحكم على ذلك يعود إلى طبيعة الخصخصة التي يمكن اتباعها، فيما إذا كانت بيعاً قطعياً للقطاع الخاص، أو مجرد تشاركية معه وفق عقود وصيغ التشاركية، أو مجرد استفادة من القطاع الخاص بالإدارة.
وأشار إلى أن الصيغة التي ستُتبّع في الخصخصة ستوافق حتماً النظرة الاقتصادية المستقبلية، في حال جرى تطبيق اقتصاد سوق حر بشكل كامل، فهذا يعني ألا يكون للدولة تدخل بأي مفصل اقتصادي، أما في حال جرى تطبيق الاقتصاد التشاركي، فيجب أن يكون للدولة دور بكافة المعامل والمرافق العامة، كونها ملك للجميع، وذلك لضمان حق الأجيال اللاحقة، أما إذا كان الاقتصاد المتبع اقتصاداً اجتماعياً، فمن الممكن أن تختلف الرؤية لتكون هناك طرق للتشارك مع القطاع الخاص، منها فتح باب الاستثمارات الداخلية والخارجية وفق الهدف السياسي لتلك الاستثمارات، على اعتبار أن الاقتصاد هو الوجه الآخر للسياسة.
وأضاف أنه إذا كان التوجه السوري هو اندماج سوريا مع التطورات الاقتصادية العالمية، فيمكن هنا اتباع طرق معينة بخصخصة القطاع العام والموانئ العامة وغير ذلك، تتناسب مع هذا التوجه، أما إذا كانت الغاية هي بناء سوريا المتنوعة والمشاركة بين كافة أطيافها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فستكون هناك نظرة مختلفة أيضاً.
وأكد الخبير الاقتصادي السوري ضرورة السير خطوة بخطوة، وأن يُتريث في ذلك، ففي حال كان طرح وزير الخارجية السوري بعيد المدى، فهذا يعطي فرصة للدراسة المتأنية وفقاً لأسس علمية وقانونية وتشريعية، أما إذا كان الطرح آنياً، فإن هذا قد يؤدي إلى عواقب غير محمودة مستقبلاً، متوقعاً أن يكون التصريح مجرد كشف عن رؤية سوريا البعيدة بعد ترتيب البيت الداخلي، ورسم التوجهات والهوية الاقتصادية وغير ذلك، وتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني.
وحول مخاطر الخصخصة، اعتبر كوسا أنه في حال رسم لسوريا أن يكون اقتصادها اقتصاد خدمات عبور وريعياً وتابعاً للآخرين أو للاستثمارات الخارجية، فإن هذا يزيد من احتمالية حدوث المخاطر العالية ويسبب أزمات اقتصادية واجتماعية، ولن تكون سوريا فاعلة اقتصادياً، ناهيك عن أن الرأسمال الأجنبي سيأتي لفترة معينة ويذهب بعد تحقيق مكاسبه، علماً أن هذا النوع من الاقتصاد لا يناسب سوريا بعراقة صناعتها وثرواتها الزراعية والنفطية الموجودة.
وكان وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني قال في تصريحات صحافية على هامش جلسة حوارية في منتدي دافوس الاقتصادي في سويسرا، الأسبوع الماضي، أن الخطط الاقتصادية لسوريا تشمل خصخصة مصانع النفط والقطن والأثاث، وإنشاء شراكات بين القطاعين العام والخاص، لتشجيع الاستثمار في المطارات والسكك الحديدية والطرق.
التعليق