"اقتصاد" يستطلع واقع سوق الصاغة في دمشق

 

بعيد سقوط نظام الأسد بأيام، شهدت الحركة التجارية انتعاشاً ملحوظاً في الكثير من القطاعات والمجالات، لكن كان لسوق الذهب خصوصية، حيث أصبح في الأيام الأخيرة قبيل سقوط النظام مشلولاً بشكل تام، وقلما تجد قطعة أو قطعتين فقط يجري عرضها في كل محل بعد امتناع الباعة عن عرض بضائعهم.

"اقتصاد" حاول البحث عن أهم الفروقات في العمل بمجال الصياغة وما هو الحال الآن، من خلال جولة قام بها مراسل "اقتصاد" على المحال الكبيرة ضمن سوق الصاغة الأثري في العاصمة دمشق.


حيث أفاد السيد مروان الشمص، أحد تجار الذهب بالعاصمة دمشق، في تصريح خاص لـ "اقتصاد"، أن سعر الذهب في سوريا يتأثر بعاملين أساسيين، الأول هو السعر العالمي للأونصة مقدّراً بالدولار، والذي وصف الشمص تأثيره بأنه خفيف على السوق المحلية السورية، أما العامل الثاني فهو تأثّر الذهب بسعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، إذ أن سعر الذهب بالليرة السورية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بسوق العملات ولا سيما الدولار. ولذلك أصبحنا نرى استقراراً في سعر الذهب بعد ثبات سعر صرف الليرة السورية مع تغير طفيف بين يوم وآخر.

وأضاف الشمص، أنه منذ سقوط النظام لاحظنا انخفاضاً نوعياً بسعر الذهب، ويرجع ذلك إلى ارتفاع قيمة الليرة السورية أمام الدولار واستقرارها عند حد معين، مما جعل التسعيرة تنخفض إلى حد 900 ألف ليرة سورية مقارنةً بمليون و400 ألف ليرة سورية قبل سقوط النظام بيومين فقط.

وختم الشمص، بأن حركة مبيع الذهب تنشط بصورة أكبر من حركة الشراء، حيث يُقدِم المواطنون الآن على بيع مدخراتهم من الذهب لأسباب كثيرة، فمنهم من يريد شراء سيارة، أو منهم من يريد إعادة إعمار منزله المدمر بعد العودة إلى الأراضي السورية، ومنهم من يريد فتح مشروع تجاري صغير بعد الارتياح الكبير الذي شهدته القطاعات التجارية والاقتصادية في سوريا عقب سقوط النظام، بعيداً عن المالية والضرائب التي كانت تثقل كاهل المواطنين سابقاً. 

أما فيما يخص التسعيرة اليومية، فقد شهد سوق الذهب والمجوهرات استقراراً نسبياً، إذ سجّل سعر الغرام الواحد عيار 21 حتى ساعة إعداد هذا التقرير (مساء أمس الخميس)، 910.000 ل.س مبيع و895.000 ل.س شراء. بينما سجّل العيار 18 حتى ساعة إعداد هذا التقرير، 780.000 ل.س مبيع، مقابل 767.000 شراء للغرام الواحد (تبقى هذه الأسعار –على الأغلب- مستقرة خلال يوم الجمعة وفق عاملين في سوق الصاغة).فيما سجّل السعر المتعلق بالأونصة الواحدة مبلغ 2750 دولاراً أمريكياً.


وحول مدى التزام المحال والباعة في دمشق وريفها بهذه الأسعار، أكد جوزيف أبو الذهب، أحد باعة الذهب في دمشق، أن السعر يتم الالتزام به بشكل كبير الآن، وأن الأسعار الصادرة عن جمعية الصاغة حالياً تشكّل ارتياحاً عاماً لدى التجار، بسبب أنها منطقية ومناسبة، على عكس ما كان يتم طرحه سابقاً أيام النظام البائد، حيث كانت تُطرَح التسعيرة الرسمية ولا يمكن لأي تاجر أو صاحب صاغة الالتزام بها لأنها لم تكن منطقية إطلاقاً، ولهذا السبب كنا قبل ثلاثة أشهر نرى أن معظم التجار يضعون تسعيرة وهمية على واجهة المحل ويبيعون ويشترون بتسعيرة أخرى أعلى وبشكل شبه سري، على حد تعبير أبو الذهب.


وفي سياق متصل، حاول "اقتصاد" البحث في مصير جمعية الصاغة التي كانت قائمة في عهد المخلوع، والمعنية بتنظيم عمل الصاغة وطرح التسعيرة اليومية والأختام المعتمدة وكيف تتم المعاملات فيها، فوجدنا أن تلك الجمعية قد تم تجميدها وتشكيل "جمعية صاغة دمشق وريفها"، وهي مؤلفة من مجموعة من الصيّاغ والتجار وأصحاب الخبرات المشهود لهم بالأمانة والصدق، على حد تعبير من سألناهم من التجار.

التقينا بـ إلياس أبو يقظان، عضو الجمعية الجديدة، الذي أكد أن العمل في مجال الذهب اليوم أصبح يمتلك أريحية كبيرة مقارنةً بالفترة السابقة في عهد النظام المخلوع، كاشفاً عن عوائق كبيرة كانت تحول دون تطوير هذه المهنة، أبرزها هو إلزام النظام للصيّاغ والتجار بعدم التعامل بالدولار الأمريكي أو أي عملة أجنبية أخرى، مما يسبب تجميد العمل بشكل كبير نتيجة انهيار قيمة الليرة السورية في ذلك الوقت.

وكشف أبو يقظان عن أن الجمعية اليوم تعيد ترتيب المشهد في ظل الارتياح الكبير الذي شهدته المدن السورية وقطاعاتها المختلفة، حيث ستنظم تلك الجمعية عدد من الاجتماعات في الأيام المقبلة لتنظيم العمل والخروج بهيكلية ورؤية واضحة، تعود بالخير على هذا القطاع المهم في بلدنا. بحيث تكون هي المرجع الأساسي لعمل الصاغة عبر مقرها الموجود في دمشق ومعرّفاتها الإعلامية الرسمية التي ستنطلق قريباً.


ووجّه أبو يقظان نداءً إلى الإدارة الجديدة في سوريا وقوى الأمن العام بخصوص تكثيف الدوريات الليلية والنهارية وإعطاء أسواق ومحال الذهب في كل منطقة أولوية خاصة في الأمن، لأن معظم المحال لا تستطيع أن تعرض بضاعتها بشكل كامل في النهار نتيجة الخوف من أن يصبح المحل هدفاً في الليل للصوص وأصحاب السوابق من السرقات.

وفي نهاية المطاف نستطيع القول وفقاً لما تم معاينته على أرض الواقع في هذا التقرير، أن تجارة الذهب والمجوهرات ستكون إحدى القطاعات التي ستشهد انتعاشاً كبيراً في الفترات القادمة، وذلك بعد زوال أهم الأسباب والعوائق التي تقف في وجه تطورها، ولا سيما بعد انتهاء الحقبة التي كانت جاثمة على صدور السوريين على مدار عقود ماضية.

ترك تعليق

التعليق