"اقتصاد" يبحث مع خبراء مستقبل القطاع العقاري وتحدياته في سوريا
- بواسطة فؤاد عبد العزيز – خاص – اقتصاد --
- 08 كانون الثاني 2025 --
- 0 تعليقات
مع عودة آلاف اللاجئين السوريين إلى بلدهم، وتوقع عودة الملايين خلال الأشهر القادمة، تبدو معضلة الإسكان أحد أبرز التحديات الصعبة التي تواجه الحكم الجديد في سوريا، وخصوصاً في ظل البيانات التي تقول بأن ملايين الوحدات السكنية مدمرة بالكامل في العديد من المدن، وبالتالي تحتاج إلى عشرات وربما مئات مليارات الدولارات لإعادة إعمارها، الأمر الذي يجعل الصورة قاتمة، أو حتى مرعبة، خلال المرحلة القادمة، ولو على المستوى النظري.
لكن ومع ذلك، هناك من يرى أن مشاريع إعادة الإعمار، رغم تكلفتها الباهظة، قد تكون فرصة حقيقية لنهضة البلد اقتصادياً وولادتها من جديد، إذا ما أحسن استخدامها بالشكل الأمثل.
فما هي التحديات والآفاق التي تواجه قطاع العقارات في سوريا..؟ وكيف يمكن لهذا القطاع أن يشكل قاطرة نمو حقيقية للبلد وأهلها..؟
قطاع العقارات.. آخر من يرقد وأول من يستيقظ
يقول الصحفي والمحلل الاقتصادي السوري المقيم في الإمارات، أحمد العمار، في حديث مع موقع "اقتصاد"، إن القطاع العقاري يشكل في الكثير من الدول، حاملاً اقتصادياً للكثير من القطاعات، حيث يقال إنه في الأزمات هو آخر قطاع يرقد وأول قطاع يستيقظ، بالإضافة إلى ذلك هو قطاع يمتاز بأنه محرك للنشاط الاقتصادي، فإذا ما قارنا بين القطاع المالي والعقاري، فإن الأول يحرك ما بين 30 إلى 40 وظيفة في المتوسط، بينما يحرك قطاع العقارات أكثر من 160 وظيفة أو مهنة.
(الصحفي والمحلل الاقتصادي السوري المقيم في الإمارات، أحمد العمار)
ويرى العمار أن ما يتم تداوله من أرقام عن تكاليف إعادة الإعمار في وسائل الإعلام السورية والدولية، والتي تقدرها بـ 600 مليار دولار، غير دقيق وغير مبني على دراسات واقعية، وهي تنظر للموضوع من زاوية عدد المباني المدمرة فقط، بينما بحسب رأيه، هناك خسائر غير مرئية في البنية التحتية، لأن النظام عندما كان يلقي البراميل المتفجرة والصواريخ على الأحياء السكنية، فهي لم تدمر الأبنية فحسب، وإنما دمرت الطرق وشبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والهاتف والطرق والجسور والأنفاق.. إلخ، لافتاً إلى أن هذا بحاجة إلى إعادة بناء من جديد ما يرفع تكلفة إعادة الإعمار إلى نحو تريليون دولار على الأقل.
أما المحلل الاقتصادي السوري المقيم في فرنسا، أحمد المسالمة، فيقول لـ "اقتصاد"، إن قطاع العقارات في سوريا منهك جداً، نتيجة الدمار الكبير الذي تعرض له، مشيراً إلى أنه في حال قام الأهالي بعملية البناء بأنفسهم فإن ذلك سوف يزيد من التكلفة، لأن الأمر لا يتعلق بالبناء فقط، وإنما بترحيل الأنقاض، ما يتطلب ضرورة وجود رؤية حكومية لإعادة الإعمار، تقوم بها شركات مختصة وفق منهجية مدروسة تراعي بناء المدن بشكل حديث وعصري.
(المحلل الاقتصادي السوري المقيم في فرنسا، أحمد المسالمة)
متطلبات المرحلة القادمة
يرى المهندس محمد جمال مسالمة الذي يعمل في مجال التطوير العقاري في دولة الإمارات، في حديث لـ "اقتصاد"، أن سوريا بحاجة ملحة لتوفير ما لا يقل عن 3 - 4 مليون وحدة سكنية حتى تستوعب النمو الطبيعي للسكان، مشيراً إلى أن ذلك يحتاج لتكلفة كبيرة يصعب حسابها بدقة، لأن الأمر متوقف على طبيعة المشاريع التي سيتم العمل عليها، فهل تنوي الدولة بناء مجمعات سكنية، مجهزة بكافة المرافق الخدمية؟، أم سوف تبني شققاً سكنية شعبية..؟
أما العمار فيقول إن
المطلوب في المرحلة القادمة هو جذب شركات التطوير العقاري المتخصصة في بناء المدن،
والأهم هو تجاوز هذه التشوهات التي أوجدها النظام على مدى أكثر من 50 عاماً حول
المدن الكبرى، مشيراً أن هناك كعكة كبيرة في سوريا يسال لها لعاب الكثير من
الشركات العقارية العربية والأجنبية الطامحة بالدخول إلى السوق السورية، لكنه أوضح
أن هذه الشركات لن تدخل دون تحديد الملامح العامة للاستثمار، من حيث إطاره الزمني
وعوائده وتمويله وحدوده الجغرافية والأهم صيغته القانونية، لأن هذا الأمر بحسب
قوله يساعد هذه الشركات على الشعور بالأمان والاستقرار، ويجعلها تحضر كوادرها
وأدواتها على هذا الأساس.
ويرى المحلل الاقتصادي أحمد المسالمة، أننا سوف نشهد في الأيام القادمة قدوم الكثير من الشركات الاستثمارية ورجال الأعمال الذين سيزورون سوريا لوضع الأفكار والخطط والرؤى والمشاريع، لكنه أشار إلى أن مشاريع إعادة الإعمار بحاجة على الأقل لمدة سنة أو أكثر حتى تبدأ، وحتى ذلك الوقت نحن أمام مشكلة كبيرة تتعلق بضرورة استيعاب القادمين الجدد إلى بلدهم، الأمر الذي قد يؤدي إلى خطوات عشوائية في إعادة البناء، ومن ثم نعود إلى مساوئ المرحلة السابقة التي كان يقودها النظام، والتي أفرزت هذا الكم الكبير من الأبنية ذات التشوهات البصرية.
واقترح المسالمة أن يتم اللجوء إلى حلول إسعافية في هذه المرحلة، لافتاً إلى أن هناك من يقترح نموذج الكرافانات بشكل مؤقت، لكنه أشار أن العائدين قد لا يقبلون بهذه الحلول بعد أكثر من عشر سنوات من المعاناة والجلوس في المخيمات.
مستقبل أسعار العقارات في سوريا
تُعتبر أسعار العقارات المرتفعة من أبرز الصور التي كرسها النظام عن سوريا، وذلك بسبب إهماله لمشاريع الإسكان بما يلبي متطلبات النمو السكاني، الأمر الذي أدى إلى انتشار السكن العشوائي الأفقي حول المدن الكبرى، وارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية، لا تتناسب ومستوى الدخل.
وبهذا الخصوص عبّر المحلل الاقتصادي، أحمد العمار، عن تفاؤله بمستقبل العقار في سوريا، مؤكداً أن الأسعار ستهبط عند المباشرة في طرح وحدات سكنية جديدة، لافتاً إلى أنه سوف يكون في سوريا طلب كبير على العقار، بمعنى الأرض الفضاء القابلة للبناء، وهو ما ذهب إليه المهندس محمد جمال مسالمة، الذي طالب بضرورة أن نبني مدناً مجاورة بدل العمل على ترميم المباني القديمة لأن عمرها الزمني شارف على الانتهاء، فضلاً عن تكاليف ترحيل الأنفاض التي تفوق تكلفة البناء ذاته.
كما تحدث مسالمة عن تحديات تخفيض تكلفة البناء في سوريا، مشيراً إلى ضرورة إنشاء مصانع لمواد البناء، مثل مصانع الألمنيوم والحديد والأخشاب ومصانع المواد العازلة بالإضافة إلى الكثير من المصانع المرتبطة بعملية الإنشاء، ولفت إلى أن ذلك سوف يخفض كثيراً من التكاليف ويجعل الأسعار مقبولة لدى جميع الفئات.
بدوره رأى المحلل الاقتصادي أحمد المسالمة أن الأسعار لن تهبط كثيراً في المرحلة القادمة بعد انطلاق مشاريع إعادة الإعمار، بل على العكس، سوف ترتفع أكثر وأكثر وقد تصل إلى أرقام فلكية، نتيجة الطلب الكبير مع عودة ملايين اللاجئين إلى مناطقهم، وحاجة هؤلاء للإسكان ومواد البناء.
تحديات مختلفة
وأشار المهندس محمد جمال مسالمة، إلى أن تحديات الطاقة تعتبر من أبرز الصعوبات التي تواجه إنطلاق مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، فضلاً عن أنها تعتبر عاملاً حاسماً في مسألة الأسعار والتكاليف، فلا يمكن للشركات العقارية أن تأتي إلى سوريا بينما لا يوجد محروقات ولا كهرباء في البلد.
كما لفت مسالمة إلى موضوع نقص الغرف الفندقية في سوريا، والذي يعتبر جزءاً من عملية قدوم الشركات العقارية وكوادرها إلى البلد، مشيراً إلى أن سوريا بحاجة على الأقل إلى 150 ألف غرفة فندقية كحد أدنى، وهو ما يدعو للتفكير في استحداث مبانٍ سياحية جديدة في أغلب المدن السورية.
ونوه مسالمة كذلك إلى موضوع المطارات، إذ أن مطار دمشق الدولي مهلهل على حد قوله، ولدينا نصف مطار في حلب وربع مطار في كل مكان، مضيفاً أن دمشق بحاجة لمطار كبير جداً، لا تقل طاقته الاستيعابية عن 40 مليون مسافر سنوياً، وفي حلب لا تقل طاقته عن 20 مليون مسافر، لأن ذلك يزيد من فرص القدوم إلى البلد، ويجعل من سوريا مركزاً مهماً في منطقة الشرق والأوسط ويعكس دورها الحضاري.
أخيراً
يرى المحلل والباحث الاقتصادي الدكتور أسامة القاضي، أن هناك تحديات كبيرة تواجه سوق العقار السوري، مشيراً إلى أنه على الصعيد القانوني لدينا مشكلة الملكيات، إذ يجب سن قوانين جديدة للتملك سواء بالنسبة للسوريين أو للأجانب، وضبط هذه القوانين وإلغاء القوانين السابقة التي كانت مجحفة بحق السوريين خلال 14 عاماً.
(المحلل والباحث الاقتصادي الدكتور أسامة القاضي)
ولفت الدكتور القاضي في حديث لـ "اقتصاد"، إلى أن هناك اليوم طلب كبير على العقارات بينما العرض قليل، وهو ما سيرفع أسعار العقارات، مضيفاً أن الأسعار سوف تستقر ريثما يتوازى العرض مع الطلب، وهو ما يحتاج إلى ثلاث سنوات على الأقل، مع توفر الآلات الضخمة والتقنيات والتكنولوجيا المخصصة لبناء العقارات.
وختم حديثه بالقول، أنه علينا أن نتذكر أن السوق العقارية في سوريا كانت تعيش في القاع من الأسعار، التي لم تكن تتناسب إطلاقاً مع البنية التحتية وطبيعة البناء، مشيراً إلى أنه كان هناك أسعار بيوت في دمشق وحلب، من الممكن أن تشتري بثمنها ثلاثة بيوت في أمريكا نفسها، لافتاً إلى أن أسعار العقارات سوف تنخفض إلى المستوى المنطقي في المرحلة القادمة مع انطلاق مشاريع إعادة الإعمار.
التعليق