ملامح نظام اقتصادي جديد في سوريا
- بواسطة فؤاد عبد العزيز - اقتصاد --
- 21 كانون الأول 2024 --
- 0 تعليقات
تشير قرارات وتصرفات الحكومة السورية المؤقتة التي تم تشكيلها في أعقاب الإطاحة بنظام بشار الأسد في الثامن من الشهر الجاري، إلى أن البلاد تمضي نحو نمط اقتصادي يقوم على الاقتصاد الحر، بعكس النمط السابق الذي كان يقوم على مركزية الدولة واحتكارها لأغلب وسائل الإنتاج والعمل والسيطرة عليهما.
الاقتصاد الحر، لم يعشه السوريون منذ أكثر من 60 عاماً، أي منذ استيلاء حزب البعث على السلطة في العام 1963، لكن الكثير منهم شاهده في أسواق الدول المجاورة، أو في البلدان التي تسنى لهم زيارتها، وقد رأوا بأم العين كيف أن مواطني هذه الدول ينعمون بمزايا عادية، كانت بمثابة أحلام بالنسبة للشعب السوري.
المزايا بالنسبة للمواطن السوري العادي، كانت حق امتلاك سيارة حديثة من دخله، مثلما يستطيع مواطنو الدول الأخرى فعل ذلك، وقد ظلت هذه الميزة حلماً يراود كل مواطن سوري حتى اللحظة الأخيرة من سقوط النظام، ثم حرية الحركة والعمل والتجارة وشراء ما يريد، دون أن تقاسمه أجهزة المخابرات رزقه أو تضيّق عليه في عمله.
لذلك لو راقبنا اللحظات
الأولى التي تلت سقوط النظام، فإن أول ما فعلته السلطات الجديدة، هو إغراق الأسواق
بالسيارات الحديثة بدون رسوم جمركية، الأمر الذي أدى إلى انخفاض أسعارها على الفور
بنحو 80 بالمئة، وكأن في ذلك رسالة للشعب السوري، بأن أبرز أحلامكم ، ها هي تتحقق
بمنتهى السهولة، ما يعني أن القادم أفضل بكل تأكيد.
أيضاً من المظاهر التي حرصت السلطات الجديدة للبلاد على انتشارها، هو حرية التعامل بالدولار وبباقي العملات، مع فتح الأسواق لسلع جديدة قادمة من تركيا بأسعار أرخص من المحلية، بالإضافة إلى إلغاء جمركة الموبايلات وغيرها من القرارات التي كانت سيفاً مسلطاً على رقاب السوريين لابتزازهم مالياً، و ذلك من أجل أن يشعر السوريون بأن عهداً جديداً مختلفاً عن السابق قد أتى، وبغض النظر إن كانت هذه القرارات تخدم الواقع الاقتصادي أم لا.
حتى الآن، يمكن القول إن السوريين سعيدين بهذه التغيرات، ويكادون لا يصدقون ما يحصل معهم بمنتهى السهولة، وخصوصاً الأخبار التي تتحدث عن نية الحكومة رفع الرواتب بنسبة 400 بالمئة، لكن هذه الحالة لن تستمر لأكثر من شهرين أو ثلاثة، تماماً مثل الطفل الذي يفرح بلعبة كان يحلم بالحصول عليها، ثم بعد أن يعتاد عليها ويمل منها يقوم بتخريبها.
بمعنى آخر، إن الوقائع الاقتصادية من مورثات النظام المخلوع التي تم الكشف عنها، لا تشير إلى ازدهار اقتصادي سريع وعلى النحو الذي يتخيله البعض. فمبلغ الـ 200 مليون دولار الذي قيل بأنه هو كل موجودات المصرف المركزي من العملة الصعبة، لا يغطي تكاليف استيراد مشتقات نفطية لمدة شهر واحد فقط. أما احتياطي الذهب البالغ 26 طناً، والذي تقدر قيمته بنحو 2.2 مليار دولار بالأسعار الحالية، لا يعني شيئاً، كما أنه لا يمكن التصرف به، لأنه حالياً هو الحامل الوحيد لما هو موجود من عملة سورية في الأسواق، على اعتبار أن البلد في أسوأ حالاتها من ناحية الإنتاج.
لا نهدف في هذا المجال لنشر التشاؤم، ولكن لا بد من تظهير الصورة الحقيقية للواقع الاقتصادي، الذي يحتاج لجهود جبارة من قبل جميع أبناء البلد، في الداخل والخارج، والأهم من كل ذلك هو استقرار الأوضاع الأمنية والسياسية، بالإضافة إلى ضرورة عودة حقول النفط لسيادة الدولة السورية، وتنشيط الإنتاج والتصدير والبدء بمشاريع إعادة الإعمار وتعويض المتضررين، وبما يخلق فرص عمل جديدة، يقوي من عضد الدولة في تطبيق نظامها الاقتصادي الجديد.. وهذا يحتاج برأينا، إلى فترة زمنية ليست بالقصيرة، ربما لسنوات، لكي ينعم المواطن السوري بفضائل النظام الاقتصادي الحر الجديد الذي لطالما حلم به.
التعليق