لماذا يمتنع النظام عن اصدار فئات نقدية كبيرة..؟

 

لا يوجد دولة في العالم، أكبر ورقة نقدية فيها تشتري كيلو بندورة فقط.. بهذا الكلام عبّر المحلل والخبير الاقتصادي الدكتور عابد فضلية عن امتعاضه من واقع العملة السورية، مطالباً بضرورة الإسراع بإصدار أوراق نقدية من فئات كبيرة، لحل المشاكل المرتبطة بتراجع قيمة الليرة أمام الدولار، ومنها اضطرار السوري لحمل "شوالات" من العملة إذا ما أراد شراء سلعة ثمينة، مثل السيارة أو البيت أو قطعة أثاث أو ذهب.


وحتى الآن لا يوجد أي تجاوب رسمي مع الدعوات الكثيرة التي أطلقها العديد من الاقتصاديين في الآونة الأخيرة، والتي طالبوا فيها بطباعة أوراق نقدية من فئات 25 و50 و100 ألف ليرة، معتبرين هذه الخطوة بأنها بداية الإصلاح الاقتصادي مع الحكومة الجديدة المرتقبة.


ما يمنع النظام السوري من إصدار فئات نقدية كبيرة حتى الآن، بحسب الكثير من المراقبين، هو الخوف من تراجع قيمة الليرة السورية بشكل أكبر، وهو ما حدث إبان إصدار فئة الـ 5 آلاف ليرة في مطلع العام 2021، حيث تراجعت قيمة الليرة في السوق السوداء من نحو 2900، إلى أكثر من 3050 ليرة للدولار، وذلك بعد أسبوع من إصدارها، كما حدث اضطراب في الأسواق، تسبب بارتفاع الأسعار بنسب وصلت إلى 25 بالمئة..


حدث كل ذلك رغم تأكيد المصرف المركزي بأنه لم يضخ أموالاً جديدة في الأسواق، وإنما قام بسحب ما يقابلها من عملات أصغر، كما أكد بأن الكمية التي ضخها ليست كبيرة، وبالتالي لا يوجد أي مبرر لما حصل، على حد قوله.. غير أن العوامل النفسية كانت أكبر بكثير من العوامل الاقتصادية، حيث تعاملت الأسواق مع هذا الإصدار الجديد للعملة على أنه تضخم نقدي، نظراً لغياب الثقة بالمؤسسات الرسمية.


لهذا السبب لا يتجاوب النظام مع من يطالبون بإصدار فئات نقدية كبيرة مقابل سحب فئات الـ 200 والـ 500 التالفة من التداول، لأنه لا يريد أن يكرر تجربة العام 2021، بالإضافة إلى أن طرح كل ورقة 100 ألف ليرة، يتطلب سحب 200 ورقة من فئة الـ 500 ليرة، و500 ورقة من فئة الـ 200 ليرة، فهل يوجد في التداول من هذه الفئات، ما يكفي ًلإصدار كمية وافية من فئة الـ 100 ألف ليرة..؟ ناهيك عن أن تكلفة طباعة الورقة النقدية يبلغ نحو 15 سنتاً أمريكياً، ما يعني أن الخسارة متضمنة في داخل أي إصدار جديد.. بمعنى أن طباعة ورقة الـ 25 ألف ليرة يكلف نحو 2000 ليرة، أي خسارة مباشرة بأكثر من 7 بالمئة، وأكثر من 3 بالمئة بالنسبة لورقة الـ 50 ألف ليرة، وأقل من 2 بالمئة بالنسبة لورقة الـ 100 ألف ليرة.


إذاً، مخاوف النظام مبررة من ناحية انهيار قيمة الليرة لدى أي إصدار جديد، كما أن بقاء الوضع على ما هو عليه، غير مناسب.. وعدا عن ذلك، فإن إزالة صفر من العملة كما كان يطالب البعض، هو عملية معقدة جداً، وسوف يتطلب تغيير الأوراق النقدية بالكامل، أي أن الأمر مكلف جداً.. فما هو الحل؟


الحل الذي يراهن عليه النظام على ما يبدو، هو ارتفاع قيمة الليرة السورية مجدداً، والعودة إلى مستويات العام 2022 على الأقل، عندما كان سعر صرف الليرة في نهاية العام أقل من 7 آلاف مقابل الدولار، فيما كان في بدايته نحو 3600 ليرة.


الرهان في أغلبه يقوم على الانفتاح العربي عليه، وبالذات الدول الخليجية، حيث أصبح النظام يروج لاستثمارات بمئات ملايين الدولارات قادمة إلى سوريا، من خلال التسويات التي يجريها للكثير من المشاريع الخليجية المتوقفة منذ العام 2011.. وهذا الأمر أكده أحد المواقع الإعلامية المقربة من مخابرات النظام، والذي كشف في وقت سابق، بأن هناك مفاوضات مع أصحاب المشاريع الخليجية، لإعادة إكمالها وتشغيلها من جديد.


كما يراهن النظام على نوع من الانفتاح الأوروبي عليه، من خلال استخدام ورقة اللاجئين، وهي عملية قد تدر عليه مئات ملايين الدولارات، يمكن أن يستخدمها في تحسين وضع الليرة السورية والوضع الاقتصادي بشكل عام.


قد يرى البعض، أن هذه الرهانات تشبه "أمل إبليس بالجنة"، لكن المراقب للوضع السوري منذ العام 2011 وحتى اليوم، يدرك أن النظام محق في رهاناته. فمن نجا من السقوط المحتم، لن يعجزه الحصول على بعض الأموال، سيما وأنه يدرك أن دعمه اقتصادياً، هو جزء لا يتجزأ من عملية إعادة تأهيله.. التي يسعى إليها بعض العرب ومعهم بعض الدول الأوروبية.

 

 

ترك تعليق

التعليق