.. وحان الوقت للانقضاض على حزب البعث

 

لا يوجد بيانات دقيقة عن المقرات والمنشآت والأراضي التي يستولي عليها حزب البعث الحاكم في سوريا، كما لا توجد أية إحصائيات عن أعداد المفرغين من الوزارات للعمل في الحزب، والذين يتقاضون ربع راتب إضافي مقابل هذا التفريغ، وهو ما يجعل من الحديث عن الفساد الذي يمارسه هذا الحزب، يأخذ الصيغة التقديرية أو الكمية.


 هذا ما بدا واضحاً في التقرير الذي نشره موقع "هاشتاغ" المقرب من النظام، والذي تحدث فيه عن اكتشاف لجان التفتيش لعمليات فساد في أعمال الحزب بمئات ملايين الليرات ومئات آلاف الدولارات، دون أن يحدد حجم هذه الأرقام بدقة، بعكس ما يحصل في الوزارات الحكومية، عندما يتم الإعلان عن كشف حالات فساد، حيث يتم ذكر الرقم في كثير من الأحيان، بالليرة الواحدة.


يمكن اعتبار هذا الوضع بأنه طبيعي بالنسبة لحزب البعث الحاكم في النظام السوري، كونه مجهول الموازنة والإيرادات والصرفيات، مثله مثل باقي أجهزة المخابرات والجيش، والتي لا يتم ذكر أي شيء عنها لدى إعداد الموازنة العامة للدولة في كل عام، كما أنه فوق أي محاسبة مثل الأجهزة السابقة الذكر.. لكن السؤال الذي يتبادر للذهن مباشرة: ما هو الطارئ الجديد الذي دفع سلطات النظام للتفتيش في فساد الحزب اليوم، مع أن هناك اعتقاد راسخ لدى الكثير من السوريين، بأن الفساد الذي يمارسه حزب البعث، ليس إلا نقطة في بحر فساد أجهزة المخابرات والجيش.. فلماذا لا يتم فتح ملفات فساد جميع الأجهزة إذا كان النظام جاداً بالفعل في مكافحة الفساد..؟


في الواقع، إن الحديث عن فساد مالي في حزب البعث وبشكل علني، ليس وليد اليوم، فقد سبقه إرهاصات تعود للعام 2020، عندما سمح لبعض الناشطين بانتقاد قيادات عليا في البعث وبالاسم، وبأنهم يتحملون المسؤولية الأكبر فيما تعانيه البلاد من فقر وانهيار اقتصادي.


ويمكن في هذه المرحلة متابعة ما كان يبثه عبر صفحته على "فيسبوك" الناشط المقرب من النظام والمعتقل حالياً، "بشار برهوم"، وغيره من الناشطين مثل الصحفي وعضو مجلس الشعب السابق "نبيل صالح"، والذين تجرأوا على سب قيادات عليا في الحزب، على مستوى الأمين العام المساعد، واتهام هذه القيادات بالفساد، بينما كان في السابق الاقتراب من اسمها يعتبر محرماً، ويؤدي بصاحبه للتهلكة.


كما يمكن في هذه المرحلة مراجعة ما كانت تكتبه وتبثه رئيسة "حزب الشباب الوطني للعدالة والتنمية" بروين إبراهيم، والتي طالبت صراحة بالكشف عن الملفات المالية لحزب البعث، وإنهاء تفريغ العاملين فيه، وإرجاع الأموال التي تقاضوها، على اعتبار أنها ليس من حقهم وهي أموال فساد، كما طالبت بتسليم المقرات التي تشغلها للدولة أو إرجاعها لأصحابها، وعدم استخدام السيارات الحكومية، موجهة الاتهام للحزب بأنه يتعدى على صلاحيات الحكومة ويمارس الفساد والتسلط بشتى صوره، بينما إلغاء المادة الثامنة من الدستور في العام 2011، كان يجب أن يجعل حزب البعث مثله مثل باقي الأحزاب الموجودة في البلد، وهو ما لم يحصل على أرض الواقع، بحسب قولها.


أيضاً لا يمكن إغفال الاهتمام الإعلامي الكبير الذي رافق المؤتمر العام لحزب البعث الأخير قبل نحو شهرين، حيث حاولت وسائل الإعلام إظهار بأن رئيس النظام السوري "بشار الأسد" يسعى لعملية إصلاح واسعة داخل الحزب تشمل جوانبه كافة، مع محاربة الفساد داخل أجهزته، مع أن النتائج الأخيرة للمؤتمر والقيادات الجديدة التي تم اختيارها، أظهرت بأن شيئاً لم يتغير، إذ تم اختيار 77 عضواً في اللجنة المركزية البالغ عددها 125 عضواً، هم بالأصل موظفون في مؤسسات الدولة، ناهيك عن رؤساء الشعب وقيادات الفروع، والتي تم اختيار أغلبها كذلك من العسكريين وقادة الميليشيات.


إذاً، وكما هو واضح، فإن إطلاق النار على حزب البعث، أو بصورة أدق على القيادات التي كانت تقود المرحلة من عام 2011 وحتى اليوم، لم يكن وليد اللحظة، بل جرى التمهيد له كثيراً في السنوات الأربع الماضية، كما أن قيام موقع إلكتروني وهو "هاشتاغ" بنشر ما نشره عن تحقيقات بالفساد داخل الحزب، واكتشاف عمليات نهب كبيرة، ليس عفويا، ولم يكن الموقع ليجرؤ على النشر لولا أنه تلقى توجيهاً من القصر الجمهوري أو من أجهزة المخابرات، والتي زودته بالمعلومات كذلك.. وهي عادة يعرفها كل من عمل داخل أروقة الإعلام الخاص في سوريا.


أما السبب وراء قيام النظام بإدعاءه مكافحة الفساد في أهم مؤسسة سلطوية تتبع له، فهو لأن حزب البعث وقياداته، هو الحلقة الأضعف اليوم، ومن أجل تلميع صورة أمينه العام "بشار الأسد"، والذي سبق وأعلن في تصريحات استعراضية قبل عدة أشهر، خلال لقاءاته مع قيادات البعث بأنه "لا أحد فوق المحاسبة" في إشارة مبطنة قرأها الكثيرون في تلك الفترة، بأنه حان الوقت للانقضاض على حزب البعث.

ترك تعليق

التعليق