تحويل الدعم إلى نقدي.. قرار ارتجالي أم مدروس؟

 

منذ أعلن مجلس الوزراء التابع للنظام، أمس، عن نيته تحويل الدعم إلى نقدي، عبر الطلب من حاملي البطاقة الذكية فتح حسابات مصرفية خلال مدة ثلاثة أشهر، ولم تتوقف الأسئلة من قبل عدد كبير من المعلقين والمحللين، كون تعميم الحكومة لم يتضمن أية إيضاحات حول قيمة هذا الدعم وآليته. وبدا واضحاً أن القرار تم اتخاذه على عجل، وكأن سلطة عليا قد اتصلت برئيس الوزراء وقالت له أصدر التعميم التالي، دون أن تقدم له المزيد من التفاصيل، وذلك بحسب ما رأى مراقبون.


جهل الحكومة بالتفاصيل، يمكن قراءته كذلك بالبيان اللاحق الذي أصدرته، بهدف توضيح التعميم الأول الذي يعلن فيه تحويل الدعم إلى نقدي، إذ أن البيان لم يتضمن أية معلومات مهمة، كما لو أن فترة الأشهر الثلاثة التي تم تحديدها لفتح حسابات مصرفية، هي من أجل أن يتسنى للحكومة الاجتماع بصاحب الاتصال من "السلطة العليا"، لفهم ما يجول في عقله، ومن ثم إعداد دراسة توضح باقي التفاصيل قبل انقضاء الفترة.


الكثير من المحللين يرون أن حكومة النظام سوف تكون في ورطة كبيرة، لأن هناك الكثير من الصعوبات التي تحول دون تطبيق قرار تحويل الدعم إلى نقدي. أولها عدم وجود بيانات صحيحة عما تتحمله الدولة من تكاليف دعم، ولو تم الأخذ بالتصريحات التي يطلقها الوزراء عن تكاليف هذا الدعم، فهذا يعني بأن كل مواطن -وليس كل أسرة- يعيش في مناطق سيطرة النظام، يجب أن يحصل على مليون ليرة شهرياً..!، لأن النظام يقول إن دعم الكهرباء والخبز فقط، يكلف الدولة ما يفوق الـ 40 تريليون ليرة، وهو رقم أعلى من موازنة الدولة لهذا العام، البالغة نحو 35 تريليون ليرة.. بمعنى آخر أن الرقم كذب بواح.


لهذا خرجت الكثير من التسريبات التي تتحدث عن أن النظام ينوي رفع الدعم بالكامل عن جميع القطاعات والخدمات، من أجل توفير السيولة التي سيتم تحويلها إلى حسابات المواطنين "المدعومين".


فعلى سبيل المثال تحدثت بعض الصفحات عن أن سعر ربطة الخبز قد يصل إلى 10 آلاف ليرة، والمازوت والبنزين إلى 20 ألف ليرة لليتر، وأسطوانة الغاز بـ 200 ألف ليرة، ناهيك عن باقي الخدمات، كالكهرباء والنقل والماء والصحة والتعليم وغيرها، فهي جميعاً سوف تصبح مأجورة أو ترتفع أسعار ما كان مدعوماً منها.


الصعوبة الثانية التي ستواجهها الحكومة، هي تحديد من يستحق الدعم ومن لا يستحق، فعندما تطلب من جميع من يحمل بطاقة ذكية بأن يفتح حساباً بنكياً، فهذا يعني أغلب السوريين الذين يعيشون في مناطق سيطرة النظام، لأنه حتى المواد المرفوع الدعم عنها يتم توزيعها عبر هذه البطاقة الذكية، فهل هذا يعني بأن الحكومة تنوي توزيع الدعم النقدي على الجميع..؟


أما الصعوبة الثالثة، فهي تتعلق بوضع الليرة السورية غير المستقر، فهل سوف تعتمد الحكومة مبلغاً ثابتاً للدعم، أم أن هذا المبلغ سوف يكون متحركاً وفقاً لسعر الصرف، والذي عادة ما يؤدي إلى رفع الأسعار كلما انهارت قيمة الليرة..؟


وبالنسبة للصعوبة الرابعة والأخيرة، فهي فائض السيولة المالية التي سوف تتوفر بين يدي الناس، جراء توزيع الدعم النقدي عليهم، فهي سيولة مرعبة لأي اقتصاد، وتعني أن المصرف المركزي مضطر لتغطية هذه السيولة من موجوداته، وبالتالي ليس بالضرورة أن يتم استخدام هذه السيولة في شراء خدمات ومواد كانت مدعومة.. لأن السوريين الذين يعيشون في مناطق سيطرة النظام، تكيفوا وخلال السنوات الست الأخيرة مع ظروف معنية، وباتوا أكثر قدرة على إنتاج مستلزماتهم الحياتية بأنفسهم، كما أنهم أوجدوا بدائل عن الخدمات الحكومية والبعض منهم استغنى عنها بالكامل.. وهذا يعني بأن هذه الأموال قد تتوجه إلى قنوات أخرى ولا تعود إلى خزينة الدولة من جديد.. بمعنى آخر، تراجعُ سعر صرف الليرة بشكل أكبر.


أسئلة كثيرة بحاجة إلى إيضاحات من قبل حكومة النظام والوزارات المعنية بهذا الملف الشائك، كون الشعب السوري تعب من التجريب به، وكل الخشية أن تكون هذه الخطوة ليس إلا محاولة تجريب جديدة فاشلة، كسابقاتها..!

 

 

ترك تعليق

التعليق