تقرير لـ "رويترز" يسلّط الضوء على صعوبات الحياة في المناطق الخاضعة للنظام


نشرت وكالة "رويترز" تقريراً يستعرض ازدياد صعوبات الحياة في سوريا، رغم توقف جبهات القتال الأساسية في الصراع الدائر منذ عقدٍ من الزمن. وتروي الوكالة قصصاً عن شهود عيان يعيشون في مناطق النظام يتحدثون عن أوضاعهم المعيشية.

 من ذلك قصّة "أمونة البري"، التي تحدثت عن أن المعاش الشهري الذي كانت تتلقاه بعد مقتل ابنها ضمن صفوف قوات نظام الأسد عام 2013، كان يغطي بسهولة كل مصروفات البيت.

أما اليوم فإن "معاش الشهيد" الذي تحصل عليه أُسر من لقوا مصرعهم في القتال في صفوف القوات الموالية، لا يكاد يكفي لتغطية دواء مرض السكري الذي تتناوله أمونة.

وتقول أمونة، شأنها شأن كثير من السوريين، إن تدبير قوت يومها أصبح الآن أصعب من أي وقت مضى خلال الصراع وذلك رغم مرور عدة سنوات منذ وقوع آخر المعارك الكبرى وإحكام رأس النظام بشار الأسد قبضته على معظم أنحاء البلاد.

وقالت أمونة (50 عاماً) وهي تجلس بجوار صورة للأسد في بيتها الذي تعيش فيه على مشارف دمشق منذ فرت من الاشتباكات في حلب قبل نحو عشر سنوات "كان الحال أسهل في الحرب. لم تكن السلع غالية كما هي الآن".

ولا تستطيع أمونة أن تتحمل نفقات تدفئة مأواها البسيط في مبنى لم يكتمل بناؤه وتشكل البطاطين جدرانه.

سقط لها ابن قتيل وأُصيب الثاني بجروح في القتال ولا يزال الثالث مفقوداً منذ عشر سنوات ودفعت هي ثمناً غالياً في الحرب التي تفجرت من خلال الاحتجاجات على حكم الأسد في 2011.

ووفق تقرير "رويترز"، وفي الوقت الذي تجمدت فيه الأوضاع على الخطوط الأمامية إلى حد كبير منذ سنوات ظهرت أزمة اقتصادية كان لها ثمن باهظ في جميع أنحاء البلاد. وتقول الأمم المتحدة إن عدد السوريين الذين يحتاجون المساعدات الإنسانية أكبر من أي وقت مضى منذ بدأت الحرب.

وعندما مات ابن أمونة كان معاشها الشهري 30 ألف ليرة سورية تعادل نحو 150 دولاراً. أما اليوم فقد أصبحت قيمة المعاش ستة دولارات فيما يعكس الدوامة التي سقط فيها الاقتصاد.

تقول أمونة: "أحياناً أبكي وأحياناً أزعل وأحياناً أفكر في الرحيل (عن البلاد) لكن كيف سنعيش إذا رحلت؟".

يعاني الاقتصاد السوري من أضرار واسعة لحقت بالبنية التحتية والصناعة خلال الحرب وازداد تدهوراً منذ 2019 عندما تسببت تداعيات الأزمة المالية في لبنان في انهيار الليرة السورية.

وقد أصبحت قيمة الليرة أقل من اثنين في المئة مما كانت عليه في العام 2011.

وتقول الأمم المتحدة إن عدد المعوزين بلغ 14.6 مليون نسمة في 2021 بزيادة 1.2 مليون عنه في 2020. ويقدر أن الفقر المدقع ينتشر بين حوالي ثلثي السكان الذين يعيشون في سوريا الآن ويبلغ عددهم نحو 18 مليون نسمة.

وقالت "رويترز" إن نظام الأسد يعزو البؤس المتزايد في الأساس إلى العقوبات التي شددتها عليه واشنطن في 2020 مما أدى إلى تزايد عزلة سوريا. وتقول دول غربية إنها تهدف إلى الضغط على الأسد لإنهاء القمع والتفاوض على تسوية سياسية.

ومما زاد الضغوط انتشار جائحة كوفيد وموجة جفاف.

ولأن الحرب دفعت 6.6 مليون سوري للرحيل عن بلادهم فإن بعض سكان العاصمة يقولون إن مصاعب الحياة تشجع المزيد على الرحيل، وقالت مواطنة تعيش في دمشق إنها تعرف 50 شخصاً رحلوا عن البلاد في أواخر العام الماضي.

ويستخدم آخرون وسائل التواصل الاجتماعي في طلب المساعدة.

وفي تعليق منشور على فيسبوك وجهت امرأة من دمشق فقدت زوجها في الحرب نداء من أجل الحصول على بطانيتين يستدفئ بهما أطفالها. وفي تعليق آخر سألت امرأة إن كان لدى أحد دفاية لا يحتاج لها.

قالت كوثر الصالح (28 عاماً) التي تعمل صحفية وتعيش مع والديها: "أتمنى أن يتحسن الوضع حتى لا أضطر للرحيل".

وأضافت: "معاشي يكفي لتغطية نفقات المواصلات لمدة أسبوع فقط أو عشرة أيام. ولا يمكن أن يغطي حاجات أخرى مثل الطعام".

مزيد من تشغيل الأطفال والديون

وصف عمران رضا منسق الأمم المتحدة المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية في سوريا الوضع بأنه سلسلة من الأزمات وقال لرويترز: "نشهد مستويات من الفقر لم نشهدها من قبل ومستويات من العوز لم نشهدها من قبل".

وأضاف "ترى كثيرين يتحركون صوب آليات تكيف سلبية: المزيد من تشغيل الأطفال والمزيد من زواج الأطفال ومستويات عالية جداً من الدّين الآن. الناس يبيعون متعلقات أساسية من البيوت".

وقالت آنا سيرفي، مديرة المجلس النرويجي للاجئين في سوريا، إن الناس يضطرون في مختلف أنحاء البلاد لاختيارات صعبة مثل الاختيار بين سداد العلاج الطبي لأحد الأبوين وتوفير المال من أجل وجبة للأطفال.

وأدى تدهور الأوضاع وخفض الدعم إلى احتجاجات في مدينة السويداء في الجنوب الغربي هذا الشهر.

وأوضح مسح أجراه المجلس النرويجي للاجئين أن الأسرة السورية تحتاج بين 450 و500 ألف ليرة شهرياً لتغطية الأساسيات بما في ذلك الطعام والكهرباء والعلاج وإيجار السكن.

وقال عصام حبَال رئيس منظمة ساعد الأهلية "كل بيت يحتاج مساعدة حتى العاملين في الدولة وأصحاب الدخل المتوسط".

نادراً ما يشتري فؤاد شاهين الذي يعمل موظفاً بالدولة ملابس لأولاده الثلاثة. فهو ينفق مرتبه البالغ 120 ألف ليرة في ثلاثة أيام. ويضطر للعمل بائعاً للمكسرات لتلبية بقية احتياجاته.

قال شاهين "في عام 2013 كانت الحياة مريحة أكثر من الآن. والآن تنام وتصحو وتكتشف أن الأسعار ارتفعت".


(الصورة المرفقة لـ أمونة البري تقف في أحد شوارع جرمانا في ضواحي دمشق يوم 25 يناير كانون الثاني 2022- رويترز)

ترك تعليق

التعليق