صراحة حكومية في الزمن الخطأ


بدأ وزراء حكومة النظام بمصارحة السوريين بالصعوبات التي يواجهونها، والتي تتعلق أغلبها بنقص الكفاءة الإنتاجية، بينما في السابق لم يكن مباحاً الاعتراف سوى بالمؤامرة الخارجية و"الإرهابيين" بأنهم هم من يقفون وراء الأزمات التي يعيشها السوريون.

وحتى وقت قريب، كانت وزارة الكهرباء تمرر للسوريين أعذارها عن ساعات القطع الطويلة، بسبب تخريب محطات التوليد، غير أن وزير الكهرباء غيّر رأيه مؤخراً، وأعلن أن السبب هو القدرة على التوليد التي تبلغ نحو 3000 ميغاواط، بينما الحاجة الفعلية للبلد، هي أكثر من 7000 ميغاواط.

واعترف الوزير، الذي يدعى غسان الزامل، كذلك، بأن نقص المحروقات المشغلة لمحطات التوليد، هي التي تتحمل المسؤولية الأكبر عن زيادة ساعات التقنين الكهربائي، إلى درجة أن هناك بعض المناطق لا ترى النور سوى لبضعة دقائق، كما هو الحال في ريف دمشق.

أما وزير المالية، الذي خرج بتصريحات قبل نهاية العام الماضي، واعداً السوريين بواقع مالي أفضل في العام الجديد، فقد أكدت مصادر إعلامية مطلعة في تصريحات خاصة لـ "اقتصاد"، أنه يعمل بتوجيهات من قيادة النظام، على جمع كتلة نقدية من الدولار، من أجل ضخها في الأسواق قبيل انتخابات الرئاسة المقررة في نهاية شهر أيار القادم، والتي ستؤدي إلى ارتفاع سعر صرف الليرة السورية، وذلك من أجل إعطاء شرعية جديدة لبشار الأسد، على أنه لايزال يملك مفاتيح الحل لإنقاذ الاقتصاد السوري.

وفي ذات السياق، تحدث وزير الزراعة حسان قطنا، عن نهاية النقص في الطحين مع مطلع العام الجديد، بالتزامن مع قرار آخر، أصدرته وزارة التجارة الداخلية، يقضي بتخفيض كميات الطحين الموزعة على الأفران، وهو ما أربك الشارع السوري والمراقبين، قبل أن يخرج سفير النظام في روسيا، معلناً أنه تم الاتفاق خلال زيارة وزير الخارجية فيصل المقداد إلى موسكو، على توريد كميات كبيرة من القمح إلى سوريا، لكنها تحتاج إلى فترة زمنية كي تصل إلى الأسواق ويشعر المواطن بتحسن واقع رغيف الخبز.

أما المزعج في كل هذه السياقات، هو ما أعلنه مسؤول في محافظة اللاذقية، عن نية النظام اعتماد نظام الرسائل لتوزيع الخبز على البطاقة الذكية، كما هو الحال مع الغاز وباقي المواد التموينية التي يتم توزيعها وفق نظام الحصص الشهرية من قبل السورية للتجارة، أو شركة محروقات.

وهنا خرج من ذكّر هذا المسؤول بما حدث مؤخراً، من عدم إرسال الرسائل لعدد كبير من المستفيدين من الحصص التموينية، الأمر الذي علّق عليه مدير السورية للتجارة، بأن من لم تصله رسالة فلن يحصل على المادة، ولن يتم تعويضه في الشهر التالي.. حيث تساءل الكثيرون، ماذا لو أن رسالة الخبز لم تصل إلى الجوال.. هل نبقى بلا خبز..؟!

الصراحة الحكومية أو العجز الحكومي، وصل إلى أبعد من ذلك، من خلال تعالي الأصوات التي تدعو إلى توثيق العلاقات التجارية مع إيران، إلى أقصى الحدود، وفتح الأسواق أمام المنتجات الإيرانية دون حسيب أو رقيب..

صاحب هذا الرأي الذي يدعى فهد درويش، ويشغل منصب نائب رئيس الغرفة التجارية الإيرانية السورية، سبق وأن منيت طروحاته بالإنفتاح التجاري على إيران، بالعديد من الهزائم، وتم إجهاضها في غرف تجارة وصناعة دمشق وريفها، وذلك بعدما اتضح أن الإيراني يريد توريد أسوأ ما عنده بأسعار خيالية، بينما يرفض استقبال المنتج السوري، مهما كانت جودته.

وفي آخر تصريح لدرويش، بحسب جريدة "الوطن" الموالية للنظام، تحدث عن اجتماعات مرتقبة مع الجانب الإيراني، مشيراً إلى أنه سيتم مناقشة التشبيك الصناعي مع إيران وذلك من خلال إنشاء صناعة محلية مشتركة بين البلدين، بالاستفادة من الخبرة الصناعية الإيرانية وذلك عبر توظيف التكنولوجيا الإيرانية في رفد الصناعة السورية.

ولفت إلى أنه سيتم كذلك اقتراح مناقشة تعديل بروتوكول التجارة الحرة بين البلدين وتقديم مقترح إلى المعنيين في الحكومة السورية ليتم طرحه على الجانب الإيراني للنظر بموضوع إمكانية إلغاء السلع المستثناة من تطبيق اتفاقية التجارة الحرة، والنظر في إلغاء الرسوم والضرائب المفروضة على السلع المتبادلة بين البلدين للوصول إلى تطبيق منطقة تبادل حر كاملة، والعمل على إلغاء كل القيود غير الجمركية من منع وتقييد ووقف بهدف زيادة حجم التبادل بين البلدين.

يتضح مما سبق، أنه كلما زاد النظام ضيقاً، لا يجد سوى الحضن الإيراني لكي يرتمي فيه، حيث ينطوي كلام درويش على مخاطر كثيرة تنتظر الاقتصاد السوري، فيما لو تم الأخذ بكلامه ومقترحاته.

ترك تعليق

التعليق