من يقف وراء تشويه جدران دمشق القديمة؟
- بواسطة فارس الرفاعي- خاص - اقتصاد --
- 30 كانون الأول 2020 --
- 0 تعليقات
فوجئ أهالي حي التيامنة الواقع في منطقة باب مصلى بدمشق، منذ أيام، بمجموعة من الشبان والشابات وهم يلطخون جدران بيوتهم الأثرية القديمة برسومات بدائية تفتقر إلى أدنى مستوى من الحس الفني تحت مسمى "مُلتقى الفن الطرقي" دون استئذان منهم في إساءة واضحة للمدينة القديمة المسجلة بشكل كامل لدى اليونسكو كتراث عالمي يحفظ كما هو.
وأبدى عدد من الغيورين على الهوية الحضارية والمعمارية لأقدم عاصمة في التاريخ استياءهم من هذا التشويه المتعمد الذي يتم بإشراف مخابرات النظام. وكشف الفنان أسعد فرزات لـ "اقتصاد" أن هذا المشرع التخريبي يقف وراءه مجموعة من الفنانين المقربين جداً من النظام وعلى رأسهم –كما يقول- "مصطفى علي" الذي دأب منذ العام 2007 على تنظيم ملتقيات فنية في الشوارع تستقطب هواة صغار لإعطاء رسالة مخادعة للعالم بأن دمشق بخير ولا يوجد فيها أزمات، وسبق أن أقام ملتقى في الشعلان شوه فيه جدران مدرسة الفرنسيسكان الأثرية، ولكن أسوأ هذه الملتقيات –حسب قوله- الملتقى الذي أقيم منذ أيام في دمشق القديمة وضم مجموعة من الهواة غير المحترفين الذين عمدوا إلى تشويه جدران دمشق القديمة الشهيرة بلونها الطيني الأقرب إلى الأعمال الغرافيكية وتمثل بحد ذاتها منحوتات فنية دون أي تدخل.
(أسعد فرزات)
وكشف فرزات أن "مصطفى علي" بات يتحكم بمساعدة مخابرات النظام بدمشق القديمة وخاصة حي اليهود بعد استيلائه على أجمل بيت من بيوتهم ليجعله كمحترف له علماً أن هذه المنطقة -كما يقول- لم تعد تابعة لمدينة دمشق بل لمخابرات النظام وتم وضع مفرزة أمنية داخلها، وأكد محدثنا أن "مصطفى علي" هو من يقوم ببيع وتأجير ووهب الممتلكات لمن شاء من المحسوبين على النظام.
وبدوره قال الشاعر "حسن ذي النون" لـ "اقتصاد" إن ما نعايشه اليوم من مُحاولات التشويه والتسخيف المُتكررة في مدينة قديمة وصاحبة إرث حضاري ضخم كمدينة دمشق أقدم عاصمة على وجه الأرض شيء يدعو للذهول, ويجب الوقوف عنده كثيراً، وأردف ذي النون أن محاولة العبث بأزقة وجدران دمشق القديمة لم تكن هي المحاولة الأولى لتشويه هذه المدينة بل تأتي ضمن سلسلة من الإجراءات المُتعمدة لردم ودفن معالم دِمشق التي لم يتبق لنا منها إلا القليل. ولا يُمكن أن ننسى –كما يقول- مُحاولات إشعال الحرائق المُتكررة, والمتعمدة في أسواقها القديمة, ومحاولات الاستيلاء على متاجرها, وبيوتها التاريخية من قبل الإيرانيين.
(حسن ذي النون)
ولفت محدثنا إلى أنه ينتمي إلى حي التيامنة الذي يقع في مِنطقة القنوات, ويتفرع منه حي قبر عاتكة القديم, والحيواطية، وتعرضت جدران هذا الحي الذي تسكنه أغلبية مسيحية–كما يقول- إلى تشويه على يد المشاركين في هذا "الملتقى التخريبي" وأردف متسائلاً: "هل يمكن لريشة أن تغتال وطناً أو مدينة عريقة كدمشق؟ أو هل يمكن لريشة مُحملة بألوان زاهية أن تشطب تاريخاً كاملاً وإرثاً حضارياً يعود لآلاف السنين وتشوه ما تبقى منه؟". واستدرك ذي النون بنبرة مؤثرة: "عندما تكون هذه الريشة مُحملة بدماء الأطفال ودموع اليتامى فهي كالرصاصة تماماً لا فرق بينهما".
وحول إدعاء "محافظة دمشق" أن حي التيامنة ليس أثرياً وهو خارج مدينة دِمَشق القديمة المُسجلة باليونيسكو أشار المصدر إلى أن هذا الحي عمره مئات السنين وهو يضم العديد من المشيدات والأوابد الأثرية، فهناك "حمام الدهب" وقِصتهُ الأسطورية. وحمام التيروزي العريق ومسجدهُ أيضاً ومسجد البزوري الشامِخ-كما يقول- كقلعةٍ قديمة في وسطِ حي "قبر عاتكة"، ومقام "ستنا عاتكة" وهي: عاتكة بنت يزيد بن معاوية, وهي زوجة الخليفة الأموي. وفيه كنيسة جاروجيوس، التي أنشئت عام 1836.
وتسببت رسومات الجدران في دمشق القديمة باستياء وسخط عدد من المثقفين السوريين عبر صفحات التواصل الاجتماعي حيال ما اعتبروه تشويهاً لمعالم المدينة الأثري، ورأى الفنان الخطاط "منير الشعراني" أن "من يستهتر ببلد كامل وبدماء أبنائه وديارهم وصحتهم وقوتِهم ليس غريباً عليه أن يستهتر بروح عاصمته، وليس غريباً أن ينتهكها صبيانه؟".
وعلّق الصحفي والكاتب "ديلور ميقري" أن رأس النظام لم يكفه تلويث جدران دمشق بصور حلفائه وبإجبار أصحاب المحلات التجارية على صبغ أغلاقها بألوان علمه، ولم يشفَ حقده بتدمير ثلث أحياء المدينة خارج السور وكامل الريف بما فيه الغوطتين.
وتساءل المهندس "مجد حجازي" وهو مهندس استشاري خبير في شؤون التراث السوري عبر منشور على صفحته الشخصية في "فيسبوك" عمن يعطي الموافقات لتنفيذ هكذا مبادرات ومشاريع، وأضاف أن هذا الأمر غير مقبول إطلاقاً لأن إعادة تأهيل أو تحسين واقع الأزقة في المدن القديمة الأثرية أو ذات الطابع التراثي بالتأكيد لا يكون بهذا الشكل إطلاقاً واستثمار مواهب هؤلاء الفنانين الشباب يمكن أن يتم في مواقع أخرى بعيداً عن المدن التاريخية التي تحتاج لشروط ودراسات خاصة في العمل والتنفيذ وبالرؤية.
وبدوره قال المهندس "براق غربي" الذي وضع أول دراسة حول أثر التلوث البصري على الجماليات العمرانية في المدن السورية في حديث لـ "اقتصاد" إن التلوث البصري هو فقدان الإحساس بالقيم الجمالية نتيجة للإهمال وسوء الاستعمال وسوء التخطيط والتصميم والسلوكيات الاجتماعية والاقتصادية خاصة في دول العالم الثالث نتيجة للتعداد السكاني الكبير، ونقص الموارد الاقتصادية، وقلة الوعي الاجتماعي الثقافي للسكان.
وأضاف غربي أن التلوث البصري يكمن في تشابك المشاهد داخل المكان بحيث أصبحت الجماليات منسقة مع الفوضى ويسبب ذلك عدم التناسق في الرؤية مما يؤدي إلى بعثرة المناظر وعدم فهمها لذلك لا بد من السعي لخلق نوع من الوعي العام لمفهوم الجمال العمراني ومقوماته وأسسه.
ولفت المهندس غربي إلى أن مشكلة التلوث البصري للبيئة العمرانية مشكلة اجتماعية قبل كل شيء، فالسلبية واللامبالاة وعدم الانتماء والانغماس في الماديات أصبحت هي السمات المعروفة بين أبناء المجتمع المتخلف، وهي وراء الكثير من المشاكل التي يُعانى منها ومن ضمنها إشكالية التلوث البصري، فالمسألة الأهم هنا مسألة كيفية إعادة بناء الإنسان السوري بعد كل هذا الخراب البنيوي الذي حل به وبوطنه.
التعليق