السوريون والشتاء.. ذهبت حلول الأرض، وبانتظار حلول السماء


يركن حسام مدفأة المازوت في زاوية المنزل كأنها قطعة غير لازمة من أثاث بيت دمشقي تتآكل جدرانه من شدة البرد. طال انتظاره للحصول على حصته السنوية من المازوت التي لا تتجاوز 100 ليتر. في إدلب هناك بحر من المازوت لكن حسام الإدلبي مثل نظيره الدمشقي يركن مدفأته كأي قطعة أثاث: "لا نقود للشراء على الرغم من توفر مادة التدفئة".

يختصر المشهد فظاعة حلول فصل الشتاء ببرده وأمطاره وقسوته على السوريين. يكره السوريون الشتاء. الكره جديد. ليس نقمة على فصل كان يستقبل خلال سنوات ما قبل الثورة بـ "الله يبعت الخير". ولا شعوراً حاقداً ضد تظاهرة جوية اعتادوا على استدعائها بصلاة "الاستسقاء" إذا تأخرت بضعة أسابيع. لكن الأصابع المرتجفة من البرد، والأضراس المتراصة، والعظام "المتكتكة"؛ تحيل حباً عميقاً لفصل الخير إلى شعور يغلبه الأسى والحزن والغضب العارم الذي يشتد كلما اشتد انهمار الأمطار، التي كانت حلماً خلال سنوات الجفاف السوري بداية الألفية الثالثة.

البرد يحيل كل تفاصيل حياة السوريين إلى صراع يبدأ مع أول منخفض جوي. على الجميع المقاومة. بشتى الوسائل الممكنة يحاولون التغلب عليه. بنقاط محسوبة تسيل ببطء شديد من "طاسة" المازوت لتحدث أقل اشتعال ممكن. ببضع حطبات توضع صباحاً في المدفأة لتشبع حاجة أفراد الأسرة المتعطشين للدفء مع فطور بسيط يتميز بخبز قليل في دمشق. أو باستخدام مدفأة كهربائية ذات وشيعة واحدة تزود الأشخاص المتسمرين حولها بدفء متقطع يرتبط بساعات التقنين التي تطول كل شتاء في دمشق. أما إدلب فلا وجود لمثل هذا الترف إذ لا كهرباء ولا تقنين.

يمكن السماح بإشعال أي من هذه المدافئ مع حلول المساء. إذ لا بأس من معاودة الحصول الدوري على الدفء مع عشاء خفيف مكون من الزيت والزعتر و"المكدوس المغشوش" وحبات من الزيتون وإبريق شاي، صار روتيناً يومياً كبديل ممكن عن الأكل الدسم الذي كان الكثيرون يحبون تناوله في السهرة إضافة لتوابعه من مكسرات وفاكهة وحلويات ومسلسلات تلفزيونية كانت جزءاً من "زمن جميل" يُعتبر على مساوئه التي لا تحصى فردوساً مفقوداً مقارنة بالزمن الحاضر.

المسافة الزمنية بين الفطور والعشاء تسير ببطء شديد. لا مجال هنا سوى للمحظوظين للحصول على الدفء. النسوة في البيوت يعتمدن على الأغطية وبطانيات الإغاثة أما الرجال خارج المنزل فلا دفء ممكن حتى المساء.

يضع حسام الدمشقي بدقة بالغة مخطط استعمال حصة المازوت. عندما "تصير في اليد" ستكون مقسمة على شهري كانون الثاني وشباط. 100 ليتر فقط كانت سابقاً لا تكفي لـ 15 يوماً. يالها من حياة!!.

يوفر حسام الإدلبي من مصروفه اليومي لشراء كيس حطب أو بيرين يزن 50 كيلو. لا يفضل المازوت الأوربي الذي يشبه الماء العذب من شدة صفائه. هذا وسيلة ميسوري الحال. يوصي زوجته بتدفئة أطفاله جيداً لكن مع الأخذ بعين الاعتبار أن كيس الحطب هو حصة تدفئة أسبوعين كاملين!!.
 
حسام الدمشقي لا يريد أيضاً لأطفاله أن يشعروا بالبرد لذلك يوعز لزوجته أن تستخدم نظرية "شم ولا تدوق" للتغلب على الوضع الراهن. نملأ طاسة المازوت بكمية بسيطة ثم نوقد المدفأة وعندما تنفد الكمية ننسى الأمر ساعة أو ساعتين. ثم نعاود الكرة.

لا تنفع هذه النظرية مع حسام الإدلبي... الحطب ليس بهذه المرونة التي تمتلكها مادة يمكن التحكم بإطفائها أو إشعالها بسرعة. لا يمكن أيضاً تخفيض درجة الحرارة بتلك السرعة. ما هي الوسيلة لتفادي مثل هذا المأزق؟!

يحتار المرء ماذا يصنع أمام مأساة بهذا الحجم..!!

ترك تعليق

التعليق