مقاتلون سوريون إلى فنزويلا.. كيف، ومتى، ولماذا؟


إلى مناجم الذهب في فنزويلا البعيدة كثيراً عن سوريا، يشد "م – أ" رحاله. وبعد تجربة أصدقاء له في ليبيا وآخرين في أذربيجان قاتلوا إلى جانب أرمينيا بتجنيد من نظام الأسد وروسيا، قرر "م– أ" أخيراً كسر الصلابة في قلبه لينطلق في خوض المغامرة المنشودة التي تدر مالاً وفيراً يستطيع من خلاله توفير ملاذ آمن وحياة كريمة لأسرته المكونة من خمسة أفراد، بحسب ما قال لـ "اقتصاد".

يبلغ "م – أ"، 39 عاماً، وينحدر من محافظة دير الزور. نزح إلى محافظة حماه مطلع العام 2013، حيث استفاد محدثنا من الخطوات التي سلكها أصدقاؤه في الرحلات السابقة التي كانت أبرزها بدايةً عبر الإعلانات في صفحات وسائل التواصل الاجتماعي التابعة لنظام الأسد، ثم لقاء مع الوسيط، ثم لقاء مع الشركة الأمنية، وبعدها إلى ساحات القتال خارج الحدود مباشرةً.

وتمكّن "م – أ" من التواصل مع الشركة الأمنية بشكل مباشر وهي شركة "القلعة للحماية والحراسة والخدمات الأمنية" التي يترأسها رجل الأعمال "خضر علي طاهر" الذي يعمل لصالح الفرقة الرابعة في جيش النظام، ومُقرب من إيران. وقامت الشركة بتزويده بالشروط التي أبرزها أن يكون عمره بين 25 و45 عاماً، والأوراق المطلوبة هي صورة عن بطاقة الهوية الشخصية وصور شخصية وبيان صحي من وزارة الصحة.

وحول الأجر والعقد، يقول محدثنا، إنّ المدّة ستة شهور قابلة للزيادة، والأجر بين 2500 و4000 دولار أمريكي، يتم تسليمها شهرياً لشخص مقيم في سوريا يُحدده المقاتل، كما يتلقى المقبول سلفة مقدارها 1500 دولار قبل اقتياده إلى قاعدة حميميم العسكرية في الساحل السوري والتي تُعدّ مركزاً للاحتلال الروسي، ليتوجه من هناك عبر البحر إلى فنزويلا في رحلة لا تقل عن عشرين يوماً.

على خلاف وجهة "م – أ" المتعلقة بمناجم الذهب في فنزويلا، قالت والدة أحد الشبان الموجودين حالياً في قاعدة حميميم، في تصريح لـ "اقتصاد"، إنّ وجهته لحماية حقول النفط هناك، حسب ما أبلغه الوسيط سابقاً، كما أكدت أنّه مضى على وجوده في قاعدة حميميم أكثر من شهر، وبحسب آخر اتصال بينهما فإن أول رحلة ستنطلق مطلع العام القادم 2021 بعد أن تم تأجيلها لمرات عديدة، كما نفت الوالدة أيّة عمليات تدريب يخضع لها المقاتلون قبل ترحيلهم.

لا تختلف آليات التجنيد إلى فنزويلا عن الآليات التي كانت مُتبعة في تجنيد موالين إلى ليبيا، وإلى أذربيجان للقتال إلى جانب أرمينيا. وكان "اقتصاد" قد نشر تقريراً مفصلاً في أيلول 2020 حمل عنوان "بالأسماء والتفاصيل، أدوات روسيا في شحن مقاتلين سوريين إلى ليبيا":

اضغط هنا

ورد في التقرير تفصيلٌ لأدوات التجنيد، أفراداً وشركات، من أبرزها "حزب الشباب الوطني، وشركات: سند للحراسة والخدمات الأمنية، الدرع للحراسات الأمنية، الفجر للخدمات والحراسة والحماية، شروق للحماية والحراسة، القلعة، العرين لخدمات الحراسة"، وجميعها، إمّا مقربة من روسيا بشكل مباشر أو من إيران والفرقة الرابعة.

ومن اللافت حالياً بحسب مصدر خاص، فإنّ المدعو "عادل الزغير" رجل نظام الأسد في فنزويلا والمشهور بإجرامه وتجارته بالمخدرات والأعمال غير المشروعة يُشرف على كافة عمليات التجنيد والنقل ويعد المنسق الأول مع روسيا حول هذا الأمر.

وكانت "جريدة زمان الوصل" قد انفردت في حزيران هذا العام بنشر تقرير خاص عن أنشطة "عادل الزغير" ودوره البارز في دعم نظام الأسد وحزب الله اللبناني:

اضغط هنا

تنتشر شبكات التجنيد في كافة المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد وحلفاؤه، لكن تقارير صحفية كثيرة أكّدت أن نسبة التجنيد في محافظة السويداء تُعد الأكبر نظراً لوجود عدد كبير من أبناء السويداء مغتربون بالأصل في فنزويلا منذ سنوات طويلة، ولاحتواء المحافظة عدداً كبيراً من الشباب السوريين المتخلفين عن الخدمة العسكرية منذ سنوات.

ناشطون سوريون يؤكدون أنّ استخدام الشباب في عمليات عسكرية خارج البلاد لا يُمكن إدراجه في سياق التطوع بسبب أنّ سوريا لا تعيش ظروفاً طبيعية، لذلك يُعدّ تجنيداً إجبارياً يأتي ضمن سياق تسلسلي واضح بدأ برفع نسبة الفقر وازدياد البطالة وانعدام كافة وسائل العيش إضافةً إلى تردي الوضع الأمني، ما يُؤكّد بالضرورة استغلال حاجة الشباب وعجزهم أمام تفاقم الظروف الصعبة.

وتعيش فنزويلا حالة صراع سياسي بين رئيسها "نيكولاس مادورو" المدعوم روسياً وصينياً ومعارضته بقيادة "خوان غوايدو" الذي يحظى بدعم أمريكي، بعد اتهامات بتزوير الانتخابات التي فاز فيها "مادورو" بدورة رئاسية ثانية في 2018، ما أدّى في مطلع العام 2019 إلى انقلاب سياسي لم يوفق بالنجاح، حينها أعلن نظام الأسد تضامنه مع "مادورو".

ويقدر عدد سكان فنزويلا بـ 29 مليون نسمة يعيشون في مساحتها البالغة 916.445 كيلو متر مربع، وتعاني فنزويلا من التضخم وتعيش مديونية كبيرة بسبب سوء الإدارة والفساد، ويبلغ متوسط دخل الفرد فيها 4 دولارات أمريكية فقط، بعد أن كانت أغنى دول أمريكا اللاتينية.

أمّا المناطق التي سيتم شحن المقاتلين السوريين إليها، فهي مناطق صراع بين فنزويلا وروسيا من جهة، وبين المافيا العالمية الكولومبية والفنزويلية من جهة أخرى، وتُعدّ مناطق قتال عصابات شرسة، الهدف منها السيطرة على منابع الذهب.

باختلاف الهدف إن كان لحماية منشآت نفطية أو حماية مناجم الذهب، فكل ما نستخلصه أنّ نظام بشار الأسد يُقدم الشباب السوريين سلعةً رخيصةً في سوق التجنيد الدولي ليتم استثمارهم فيما بعد وقوداً في حروب وصراعات لا ناقةً لهم فيها ولا جمل.

ترك تعليق

التعليق