بين الذهب السوريّ والتركي.. تحقيق لـ "اقتصاد" يجيب عن عدد من الأسئلة


قام مراسل "اقتصاد" بجولة على بعض محلات الذهب -"الصاغة"- التي يديرها سوريون في سوق الذهب بمدينة "قونية" التركية، للبحث في طبيعة وواقع هذه الحرفة، ولمَ لا يوجد إقبال من الأتراك على التعامل أو شراء الذهب السوري؟، ولمَ بقي السوريون يفضلون الذهب السوري في تركيا؟

كانت بداية الجولة من محل "العبدو" للذهب - الواقع في مركز مدينة قونية والذي يوجد في جواره العديد من محلات الذهب السورية، وكما يوجد محلات في شارع السوريين أيضاً - حيث بين لنا السيد "جمعة العبدو" أن الذهب السوري يختلف عن التركي من حيث العيار واللون المستخدم والمتداول بين المستهلكين، فالأتراك يستخدمون الذهب من عيار 22، الذي يميل لونه للأصفر الفاتح، في حين بقي السوريون ومعهم العرب في تركيا، يفضلون الذهب من عيار "21 " الأكثر ميلاً إلى اللون الأحمر.


 وعن اختلاف اللون، وضح لنا أن ذلك يعود إلى النسب القانونية لمعدن النحاس ولونه، أو نسب الفضة المستخدمة في صياغة الذهب وتشكيله.


ما هي العوامل التي تدفع السوريين إلى تفضيل الذهب السوري على الذهب التركي؟

يمكن ملاحظة عوامل متعددة تساهم في تفضيلات السوريين والأتراك حيال الذهب، حيث يبقى العامل النفسي هو الأهم، إذ اعتاد السوريون على الذهب من العيار 21، وما يزال هذا التفضيل هو الغالب في تركيا، والأغلبية من السوريين يرغبون في الاحتفاظ بمدخراتهم كذهب سوريّ، وخاصة أنه عند "العودة المنتظرة" مستقبلاً لبلدهم الأم، فإنهم يستطيعون بيع ذهبهم والتصرف به.

العامل الثاني: الذهب السوري يتميز بالقساوة بشكل أكبر من الذهب التركي، وهو ما يكسبه قدرة على المقاومة.

العامل الثالث: الأجور، حيث يبقى الذهب السوري أرخص من الذهب التركي، بالنسبة لما يعرف بـ "الصياغة" بمقدار النصف تقريباً.


هل يوجد مشاغل أو ورش ذهب سورية في تركيا؟

بيّن لنا الصاغة السوريون أن "الورش" وشركات الذهب كلها تقريباً تركية في الأصل، ويوجد البعض منها لسوريين مع شريك تركي، مع حالات قليلة جداً لسوريين مرخص لهم العمل في هذه المهنة.

وحول الأختام- وهي الأختام التي تطبع على المصاغات الذهبية كعيار واسم مشغل- تبقى للمشاغل العاملة في هذا المجال، ويمنع كتابة الأسماء باللغة العربية في أختام الذهب، على الأغلب. والمتعارف عليه أن يتم كتابة اسم المشغل أو الشركة والعيار. وفي تركيا يمكن كتابة اسم عربي صغير في أختام الذهب، في بعض الحالات.


ما هي العوامل التي أدت لفقدان الثقة لدى الأتراك حيال الذهب السوري؟

يوجد انطباع شبه عام لدى غالبية الأتراك أن الذهب السوري يختلف عن الذهب المعروف لديهم فلا يتقبل الأتراك هذا العيار -21- ولونه المختلف.

ومن العوامل الهامة التي أدت لفقدان الثقة لدى الأتراك حيال الذهب السوريّ، عدم تقبل الجديد الوافد بسهولة، وسوء الفهم أو شعور بالخداع لدى البعض منهم، عندما افتتح بعض السوريين محلات اكسسوارات "وفيها ذهب روسي"، وشهدت إقبالاً على الشراء من بعض الأتراك لرخص ثمنها - بلغ سعر "الاسوارة" 150 ليرة تركي في حينها- حيث استخدمها البعض من الأتراك كهدايا في بعض المناسبات، وما حدث بعد ذلك عندما حاول البعض ممن تلقى هذه الهدايا بيع هذه الاكسسوارات ظناً منهم بأنها ذهب سوريّ، فلم يشتريها أحد كـ ذهب. ومن هنا بدأت تنتشر سمعة لدى البعض أن الذهب السوريّ غير مضمون أو مغشوش.


ويتصف الأتراك بعدم تقبل الجديد بسهولة، وإلى الآن ما يزال الذهب السوري غير مرغوب لأن الأتراك معتادين على الذهب التركي عيار 22، وعيار 14، ويستخدمونه بكثرة في الهدايا والأعراس. كما يستخدم البعض منهم ذهب عيار 22 أو 24 في الإدخار.


هل يدفع السوريون ضرائب على محلات الذهب؟

حسبما صرح لنا بعض أصحاب محلات الذهب من السوريين في مدينة "قونية"، فإن ضرائب محلاتهم تتراوح بين 1500- 2000 ليرة شهرياً للمحلات العادية- وهي محلات البيع والشراء- ويختلف الأمر إذا كان العمل كشركة، لتزيد الضريبة إلى 4500- 5000 ليرة شهرياً، بالإضافة لضرائب عمليات البيع والشراء.

واللافت أيضاً أن محلات الذهب في مدينة "قونية" مثلاً غير مرخصة من قبل البلديات لأنه لا تسمح لهم كسوريين بترخيص محلاتهم، ويبقى فقط لديهم ترخيص ضريبي للمالية. ومن يريد الترخيص يجب أن يكون ممن يحملون الجنسية التركية أو يضطر للترخيص باسم شريك تركي، وهذا له مخاطر قد تجعلهم عرضة للابتزاز أو فقدان محلاتهم.

ونشير هنا إلى أنه قد تختلف بعض التفاصيل من حيث التكاليف والضرائب والتراخيص بين ولاية تركية وأخرى.


ما هو مصدر الذهب في محلات الذهب السورية؟

المصدر الأساسي للذهب في محلات السوريين من الذهب المستعمل والذي يقوم ببيعه السوريون لمحلات الذهب، أو من ما يُعرف بمحلات وورش الجملة "التوبتنجي" التركية، حيث تتعامل المحلات السورية مع ورش تصنيع وصياغة الذهب التركية المرخصة والعاملة في تركيا. وأغلب المحلات السورية في قونية وغيرها تتعامل مع ورش منتشرة في مدن تركية مثل اسطنبول وغازي عنتاب ومرعش.


الذهب المستعمل

ويُقصد به ما يتم بيعه من قبل السوريين لمحلات الذهب من مصاغات وذهب يملكونها سابقاً، حيث يشتري أصحاب المحلات الذهب بسعر أقل بمقدار2 ليرة تركية عن سعر السوق، إذا كان السوق مستقراً، أو بسعر أقل بـ 5 ليرات تركية، إذا كان سعر الذهب غير مستقر.

ويعمل أصحاب المحلات على إعادة بيع الذهب المستعمل بعد التنظيف وتلميع أو إزالة الشوائب، إن وجدت، ويُباع بسعر أقل من الذهب الجديد حيث تسقط هنا تكاليف الصياغة وأجور النقل من عملية البيع، فيُباع الذهب المستعمل كذهب وفق سعر السوق ويضاف إليه مبلغ 25 ليرة تركية بالإضافة إلى 2 ليرة أو 5 ليرات حسب حالة السوق واستقراره، من دون إضافة أجور الصياغة والنقل.

وما لا يتم بيعه، يتم إرساله إلى ورشات الصياغة لإعادة صهره وصياغته من جديد، ليباع كذهب جديد.


تصليح الذهب

قد يضطر البعض لتصليح قطعة ذهب مكسورة مثلاً، هنا تكون تكلفة نقطة لحام الذهب 10 ليرات تركية إذا كانت عملية اللحام تتم بذهب عيار 21، وتكون نقطة اللحام (بطول 3 سم، ووزن +- 0.003 إلى 0.002 غ)، وإذا كان اللحام بالقصدير تكون تكلفة 5 ليرات تركية. وفي كثير من الحالات عندما يكون زبون للمحل، تكون العملية مجانية.


ما هو رأي أصحاب محلات تركية بالذهب السوريّ؟

توجهنا بالسؤال إلى بعض أصحاب المحلات التركية في سوق الذهب في مدينة قونية، "هل تشتري ذهباً سورياً أو تتعامل به؟ ولماذا؟".

أصحاب محلات (GÜVEN- ÖZBAÇI) أجابا بأنه يمكن أن يشتريا الذهب السوري بعد أن يتأكدا من عياره، وحسب إدعائهما فإن الذهب السوري في بعض الحالات يكون عياره أقل من 21 إلى 20، ولكن لا مشكلة لديهم في شرائه إذا جاء زبون ليبيع ذهباً سورياً، حيث يتم إرسال الذهب إلى الورش لإعادة الصهر والصياغة كذهب تركي.

في حين أكد صاحبيَ محلات (Demir kan- Halit) وهي محلات تركية أيضاً، أن الذهب السوري جيّد من حيث الصياغة والعيارات ولا مشكلة لديهم في عمليات شرائه من السوريين أو العرب، ويتم أيضاً إرسال الذهب المباع لهم، إلى ورش، لإعادة الصياغة.

كما بيّن لنا أصحاب المحلات التركية أن السوريين والعرب كانوا يبيعون الذهب لهم، ولكن توقفت هذه الأعمال بعد افتتاح محلات الذهب السورية، وبات التوجه السوري والعربي إلى محلات الذهب السورية في تركيا.


هل يتم صياغة ذهب 21 في محلات ذهب تركية؟

أكد اصحاب المحلات التركية أن العيار 21 غير مرغوب ولا يتم بيعه أو صياغته في محلات الذهب التركية أبداً، لأن الأتراك لا يتقبلون إلا عيار 22 بلون أصفر فاتح، وما يتم إنتاجه ضمن محلات وورش تركية من عيارات أخرى حيث جرت العادة أن يستخدم لديهم عيار "14" في صياغة المحابس والخواتم وأطواق الذهب الخاصة بالأعراس والمناسبات، وعيار 22 في الأساور بشكل عام، أو بهدف الإدخار.


هل يشتري السوريون والعرب ذهباً تركياً؟

أفادنا أصحاب محلات تركية أن بعض السوريين والعرب يشتري ذهباً تركياً، ولكن نسبتهم قليلة.


أتراك يشترون ذهباً سورياً.. ولكن

يتوجه بعض الأتراك إلى شراء الذهب السوري، ولكن هم ممن يتزوجون من نساء سوريات أو عرب، حيث يشترط عليهم أولياء أمور النساء السوريات والعرب أن يتم شراء ذهب سوريّ للعروس من محلات سورية.


هل يوجد ذهب سوري مغشوش؟

عمليات الصياغة والبيع والشراء تخضع لرقابة وتدقيق من نقابة الصاغة أو جمعية الصاغة التركية المنتشرة بفروعها في المدن التركية، ويتم أخذ عيانات عشوائية في زيارات مفاجئة إلى محلات الذهب، للتأكد من عيارات الذهب المعروضة في المحلات، وأيضاً هناك رقابة على الورش ومصدر الذهب الخام عيار "24"، كلها تخضع للرقابة من الجهات الرسمية المختصة، وهذا ما يجعل من عمليات الصياغة والبيع الشراء للذهب، عمليات مضبوطة للغاية وتمنع حالات الغش.


(الصورة الرئيسية من محل ذهب تركي)

ترك تعليق

التعليق