صناعة شباك صيد الصقور.. حرفة متوارثة ومصدر دخل لأبناء "الرحيبة"


تشتهر مدينة "الرحيبة" بمنطقة القلمون الشرقي بريف دمشق، بصناعة شباك صيد الصقور المهاجرة بشكلٍ يدوي منذ ستينيات القرن العشرين، حيث تعد هذه الصناعة المصاحبة لموسم الصيد حرفة تقليدية متوارثة من جيلٍ إلى جيل ومصدر دخلٍ موسمي لبعض العائلات في المنطقة.

الحاج "مصطفى" وهو أحد أبناء مدينة "الرحيبة" المُلّمين بتفاصيل هذه الصناعة، قال في تصريح خاص لـ "اقتصاد"، إنّ صناعة شباك طَرح (صيد) الصقور تعتبر من الحرف التي تشهد ازدهاراً موسمياً على عكس الحرف التقليدية الأخرى التي اندثرت أو تقاوم الاندثار في المنطقة؛ ذلك أنّها تشهد إقبالاً دائماً من الطراحين، ولأنّ حرفيّتها ودقّة صنعتها تجعلانها المفضلة داخل المنطقة وخارجها على حدٍ سواء.

وأضاف الحاج "مصطفى" -فضل الحديث باسمه الأول- قائلاً: "يحتاج الطراح (الصيّاد) في موسم صيد الصقور إلى العديد من الأدوات وأهمها الشباك وهي أنواع منها: الشبكة الأرضية (الكوخ) وشبكة الحمام وشبكة القبّة (الجربوع، العصفور)، وبالرغم من تشابه المبدأ والطريقة في صنع هذه الشباك إلاّ أنّها تُصنع بأشكالٍ وأنواع وأحجام مختلفة".


خيطان متعددة

وتحتاج صناعة شباك صيد الصقور لأنواعٍ محددة من الخيطان التي يجب أن تكون أيضاً جديدة الصنع لكي تضمن متانة الشبكة، ومن أهمها-كما يقول الحاج مصطفى- خيط النايلون الخاص بصيد الأسماك (ياباني أو ألماني الصنع)، وهو يأتي من عيار 25 (0،48 مليمتر) إذا ما استخدمت الشبكة في الأماكن الباردة لضمان المرونة، أو من عيار 30 (0،56 مليمتر) في الأجواء المعتدلة أو الحارة. وخيط الحرير أو النايلون المغزول (نوع روسي) ويشترط أن يكون ذو متانة كبيرة. والخيط القطني الأبيض من القياس الوسط، وخيط من الحرير الناعم لصنع خراط العين، بالإضافة إلى شمع العسل، وسلك معدني (نحاسي) رفيع ومرن.



آلية الصنع

وفيما يخص آلية صنع شباك الصيد، أوضح "عبد العزيز، ت"، وهو شابٌ في 31 من عمره، لـ"اقتصاد"، بالقول إنّ "عملية صناعة الشبكة الأرضية (الكوخ) تتم من خلال غزل خيطان الحرير والنايلون المحفوفة بشمع العسل بهدف إعطائها ملمساً كثيفاً ولإكسابها صلابة أكبر، وبهذه العملية يتم تكوين شبكة متعددة الفتحات تُسمى (عيون) يتراوح مقاسها بين 3 إلى 5 سم، وهي مقواة بحبل يُؤطرها".


وأضاف: "تحتاج الشبكة التي تبلغ مساحتها ستة أمتار مربعة إلى نحو ست ساعات من العمل المتواصل، ويبلغ سعرها 10 آلاف ليرة سورية، وتختلف قيمتها تبعاً لأيام الموسم، كما أنّها مرغوبة بالتصدير لعدم وجود خبرات مماثلة في الدول المجاورة".

أمّا شبكة الحمام أو السُمان –يضيف عبد العزيز-، فتتم صناعتها عبر قصِّ خيط النايلون السمكي بطول 70 سم، ثمّ يبرم 14 مرة، ويلف مع بعضه 4 مرات ليصبح عيناً للشبكة مع صنع الخراط على رأسه بخيط الحرير الناعم، ويتم تكرار هذه العملية حتى الحصول على 12 عيناً، مع مراعاة وجود عقدة متينة في الجهة الأخرى كي لا تفلت العين من الشبكة.


واستطرد بالقول: "في حين يتم صنع هيكل الشبكة من السلك المعدني المرن، حيث يُشمع خيط الحرير أو النايلون المغزول بشكلٍ جيد بشمع العسل، ثمّ يُحاك الخيط على السلك المعدني مع وضع الخيط القطني الذي يُربط بأرجل الحمامة بطريقة العقد المتخالفة، وتوضع العين ثمّ تكرر نفس الطريقة ويفضل أن تكون عيون الشبكة متباعدة عن بعض بقدر 2سم حتى الانتهاء منها، وهذه الشّبكة تغطّي جسم الحمامة (الطعم) ما عدا الرجلين والجناحين حتى تتحرّك بسهولة".
 


وبالنسبة لشبكة القبّة فهي تُصنع حصراً من السلك المعدني وتربط فوقها عيون من خيوط النايلون، ويوضع بداخلها عصفور أو جربوع وتوضع أمام الطير وعلى مسافة قريبة منه وغالباً ما تستعمل لصيد الباشق، حسب ما أشار إليه "عبد العزيز".


ووفق "عبد العزيز" أيضاً، فإنّ سعر شبكة الحمام تراوح في الموسم الحالي بين 3500 و5000 ليرة سورية، في حين بلغ سعر شبكة القبّة 3000 ليرة.


وهناك بعض المستلزمات الأخرى التي لا يمكن لصيادي الصقور الاستغناء عنها، وأبرزها: "العباءة" وهي قطعة قماشية ناعمة الملمس؛ وعادةً ما تكون باللون الأحمر أو الأبيض قياسها تقريباً 20 سم أو أكثر، وتستخدم بعد الإمساك بالصقر مباشرةً ووظيفتها منع الصقر من الحركة العشوائية نتيجة الخوف الذي ربما يضر بجناحه أو ريشه. وهناك (البرقع) وهو عبارة عن غطاء للعين يُلبّس لرأس الصقر ويُصنع من جلدٍ لينٍ وخفيف، والمِدَس (القفاز) وهو يستخدم لحماية اليد عند حمل الصقر وإطعامه حتى لا تجرح مخالبه يد صاحبه. والرِكابة وهي قطعة دائرية الشكل من الأعلى، ولها ساق من الحديد تضرب بالأرض ليقف عليها الصقر.


الجدير بالذكر أنّ موسم صيد الصقور الذي يبدأ في أيلول/ سبتمبر، وينتهي أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر، من كل عام، يمثل بالنسبة لأبناء منطقة "القلمون" الشرقي مجالاً بيئياً للترويح عن النفس، وتعلم الصبر والجلد والتأني، فيما تحول في العقود الماضية إلى مورد اقتصادي هام حيث يعتمد أبناء المنطقة في تحسين أوضاعهم الاقتصادية على صيد وبيع الصقور التي يصل سعر بعض الأنواع النادرة منها إلى ملايين الليرات السورية.


ترك تعليق

التعليق