مدنيون من جبل الزاوية متشائمون حيال مستقبل غير مضمون


لأول مرة في حياته يلجأ "أبو يزن" إلى قطع أشجار بستانه للحصول على الدفء مع اقتراب شتاء مرير لن يكون مثل 52 شتاء، عاشها الكهل في منزله بجبل الزاوية.
 
قبل عدة أشهر حمل الأثاث الفاخر لمنزله معه في رحلة نزوح طويلة. تمنى لو اقتلع أرضية الرخام وألواح السيراميك عن الجدران. ليستقر -بعد معاناة- في منزل مستأجر شمالي إدلب.
 
بعيداً عن منزله يفكر الرجل بالحياة بالغة القسوة التي عليه أن يعيشها منذ الآن. توزع جيرانه ومعارفه في الخيام أو منازل مستأجرة بمبالغ كبيرة. ولا سبيل لهم للعودة إلى القرية حالياً وربما في المستقبل إذ تقع قريتهم بالقرب من خطوط الاشتباك ما يجعلها تتعرض للقصف ومحاولات عديدة للتسلل تلجأ إليها قوات النظام.
 
"لقد ذهب كل شيء ولم يعد للشجر فائدة"، هكذا قال أبو يزن، بينما كان واقفاً أما سيارته الـ "بورتر" الممتلئة بقطع حطب بستانه. "أحاول ألا أبقي شيئاً للنظام إذا سيطر على المنطقة لا سمح الله".

مأساة أبو يزن هي مأساة كل نازح من جبل الزاوية التي تقع جنوبي مدينة إدلب ويعتقد سكانها بأن منطقتهم تدخل ضمن ما يعرف بتفاهمات سوتشي التي وقعتها موسكو وأنقرة. لذلك رحل الكثيرون من منازلهم خوفاً من حلول لحظة تنفيذ التفاهمات. وأخرجوا كل ما يستطيعون حمله في الشاحنات الكبيرة.

تقول أم حسن (65 عاماً): "المنطقة مباعة للنظام.. ما في كلام آخر". فرت أم حسن تحت القصف منذ عدة أشهر وقادتها رحلة النزوح لتجرب حياة المخيمات وقساوتها التي لا ترحم.

يبدو أن معظم السكان اقتلعوا من مخيلاتهم المكدودة فكرة العودة إلى قراهم. لذلك؛ تسود أجواء من التشاؤم حول هذا الموضوع.

مفضلاً الحياة في المنزل حتى مع الخطر، على عيشة المخيمات القاسية، بقي "أسيد العاصي" في منزله ببلدة بزابور.

صعوبة الحياة في خيمة لا تقي من البرد أو الحر واكتظاظ الناس في منطقة صغيرة دون وجود يذكر لأبسط لوازم الحياة، قاده إلى المكوث في القرية التي تعرضت سابقاً للقصف.

يقول: "إذا كان هناك تفاهمات حول القرية فسأخرج فور بدء العمليات أما الآن فلا أفكر في هذا الموضوع".

يتحدث أسيد عن مزارعي جبل الزاوية الذين يلجؤون لقطع أشجارهم مقللاً من أعدادهم في القرى البعيدة نسبياً عن الجبهات. لكن، "القرى الواقعة على خط الجبهة تقتلع منها الأشجار".

يمكن معرفة آراء أهالي جبل الزاوية حول مستقبل منطقتهم من مراقبة حركة السوق.

سابقاً، أدى النزوح الجماعي للآلاف من نفس المنطقة إلى حدوث نشاط في سوق "المستعمل"، حيث لجأ كثيرون لاسيما من استقروا في المخيمات إلى بيع أثاث منازلهم من غرف نوم وغرف جلوس وأدوات كهربائية وأبواب ونوافذ مستعملة.
 
وفي هذه الأوقات يعتبر جبل الزاوية أحد مصادر حطب التدفئة في إدلب، كما يؤكد تجار يقولون إنهم اشتروا أطناناً من حطب الزيتون بأسعار مقبولة من مزارعي الجبل.

انتهى أبو يزن من إفراغ حمولة الحطب مصففاً القطع الصغيرة فوق الكبيرة بعناية فائقة. "أحاول التفاؤل حول مستقبل قريتي لكن دون جدوى"، قال أبو يزن بتشاؤم لا يطاق.

ترك تعليق

التعليق