التسليف الشعبي.. التسجيل للجميع، والقروض للعسكريين فقط!


أربعة طلبات قدمتها المعلمة "روان" لمصرف التسليف الشعبي في محافظة السويداء منذ العام 2011، آخرها كان في العام الماضي بعد إعلان المصرف عن حزمة قروض جديدة تستهدف ذوي الدخل المحدود من الموظفين المدنيين والعسكريين. ولا زالت حتى اليوم تنتظر الموافقة على قرضها مع فقدانها الأمل جراء تلبية المصرف طلبات العسكريين وعناصر الأمن على حساب الموظفين المدنيين.

مع ازدياد تدهور قيمة الليرة السورية أمام العملات الصعبة، شهد مصرف التسليف الشعبي العديد من التحولات في إصدار القرارات. ففي العام 2015 كان سقف القروض 300 ألف ليرة سورية فقط، وفي العام 2016 بلغ سقف القرض نصف مليون ليرة سورية، كما أطلق المصرف في العام 2019 قروضاً لأصحاب المهن العلمية المنتسبين لنقابات الأطباء والمهندسين والصيادلة بسقف وصل إلى 50 مليون ليرة سورية على أن لا يتجاوز عمر المتقدم المنتسب لإحدى النقابات المذكورة 65 سنة، وأن تُغطى مبالغ القروض بضمانة عقارية لا تقل عن 15% من قيمة القرض الممنوح، ويتقاضى المصرف فائدة قدرها 14% سنوياً للقرض الذي يستوجب السداد خلال خمس سنوات، و15% للقرض الذي يستوجب السداد خلال عشر سنوات.

السيدة "روان" موظفة في وزارة التربية منذ 19 سنة، يبلغ راتبها الشهري 32 ألف ليرة سورية فقط، تحتاج يومياً لمصروف لا يقل عن 5 آلاف ليرة، الأمر الذي يدفعها للاستدانة بشكل دائم من أخوتها الشباب الموجودين في فنزويلا، بحسب ما قالت لـ "اقتصاد".

وأضافت أنّها تحاول جاهدةً تأمين قرض بقيمة نصف مليون ليرة سورية يستوجب السداد على مدار خمس سنوات لغاية افتتاح مشروع صغير تعمل به بعد انتهاء دوامها الرسمي في مدينة المزرعة التي تقطن بها. لكن الأمل المفقود يفرض عليها التفكير بالهجرة إلى كندا عبر "الكفالة الكنسية" بمساعدة إحدى قريباتها هناك، لا سيما وأنّ آخر الأبواب سُدّت في وجهها بعد أن رفض أحد أقربائها العسكريين النافذين تسجيل قرض لها على اسمه.

من المتعارف عليه عالمياً بأنّ تقديم القروض للمواطنين يهدف إلى إقامة مشاريع متناهية الصغر وصغيرة ومتوسطة وكبيرة، تُساعد في تحريك عجلة الإنتاج المحلي باختلاف أشكاله "حيواني، زراعي، صناعي"، ويُساهم بالضرورة في توسيع خيارات الناس، ويأتي ذلك تماشياً مع الأهداف التجارية لكل مصرف "عام أو خاص".

 لكن في سوريا، ومنذ سنوات طويلة، لا تهدف القروض إلا لتحقيق أرباح للمصارف، وشراء النفوذ عبر تمكين الأدوات البشرية المحلية.

فارق المسافة بين "روان" والسيد "أبو معروف"، الذي يقطن في محافظة حماه، لم يحد من اشتراكهما في نفس الأمل، بالهجرة. لكن الأخير يرى تحقيق ذلك صعباً للغاية، إذ لا يتوفر لديه المال، ولو توفر لكان قد افتتح به مشروعاً صغيراً يُساعده في تأمين متطلبات المعيشة واحتياجات أطفاله الثلاثة.

يعمل "أبو معروف" موظفاً في مؤسسة مياه الشرب والصرف الصحي منذ 24 سنة، ويبلغ راتبه الشهري 28 ألف ليرة سورية فقط، (أقل من 12 دولار أمريكي بسعر الصرف الجاري)، كما أنّه يفتقد لعمل آخر يلجأ إليه.

 وحول تجربته بمحاولة الحصول على قرض، قال إنّه قدم مرتين في فترات متباعدة، وفقد الأمل سريعاً، إذ تبين له أنّ الأفضلية للموظفين العسكريين، وتيقّن بذلك بعد أن نجح شقيقه الأصغر الذي يخدم في جيش النظام بالحصول على قرض مُيسّر علماً أنّه قدم طلبه بفترة متأخرة عنه.

مصادفةً، وصل "اقتصاد" إلى أحد الموظفين العسكريين الذين نجحوا بالحصول على قرض من مصرف التسليف الشعبي في محافظة حمص، حيث أكّد -رافضاً الكشف عن هويته- عدم كفاية أن يكون مقدم الطلب عسكرياً حتى يحصل على القرض، جرّاء انتشار المحسوبيات. فكلما كانت "واسطة" مقدم الطلب قويةً، كلما كان قرضه أقرب. وذلك ليس بالمجان، حسب وصفه.

وبالرغم من ندم العسكريّ الذي تحدث إلينا، من استلام قرضه، بسبب دخوله في فترة تقنين اقتصادي جائر جراء السداد الشهري، إلّا أنّه يرى تلك القروض وتسهيلات معاملات العسكريين في المؤسسات الرسمية، حقاً لهم، كونهم ما بخلوا بدمائهم في المعارك، حفاظاً على نظام الأسد خلال الحرب الدائرة منذ تسع سنوات. بعكس الموظفين المدنيين الذين أقصى ما صدر عنهم مسيرات وهتافات ناعمة، بحسب وصفه.

يملك مصرف التسليف الشعبي حالياً 48 فرعاً في مناطق سيطرة نظام الأسد، ويعتبر من أقل المصارف في سجل الديون المتعثرة بحدود 345 قرضاً بقيمة قاربت المليار ليرة سورية، ويمنح قروضاً للمشاريع السياحية، وتمويلاً للجامعات والأكاديميات والكليات والمعاهد العليا ومعاهد التقانة والمعاهد المتوسطة والمدارس الخاصة، وتمويل وإكمال وتجهيز المخابر الطبية والعيادات، وتمويل بناء وإكمال وتجهيز المستشفيات والمستوصفات، وتمويل بناء وإكمال وتجهيز المشاريع الصناعية، والقروض التنموية، وقروض تمويل رأس المال العامل، وقروض التمويل المتناهي الصغر، وفقاً للموقع الالكتروني الرسمي للمصرف.

ترك تعليق

التعليق