سوق رائجة لبيع السيارات المسروقة في "المحرر"


وقف "أبو حسن" -اسم مستعار- مذهولاً أمام أحد معارض السيارات في ريف حلب بعد أن رأى سيارته التي فقدها منذ أكثر من سبع سنوات بعد اختفاء ابنه الذي كان يقودها، معروضة للبيع، واكتشف من مالك المعرض أن أحد السماسرة باعه السيارة وهي زراعية مخصصة للنقل بعد أن اشتراها من منطقة يسيطر عليها النظام.

قصة أبو حسن وغيره الكثير هي دليل على انتشار تجارة رائجة لبيع السيارات المسروقة في مختلف مناطق "المحرر"، حيث بات الشبيحة الذين يستولون على هذه السيارات في الحواجز والطرقات يتخلصون منها ويبيعونها بأبخس الأثمان فيشتريها مقتنصو الفرص معتقدين بأنهم ظفروا بصفقة العمر، وفي ظل ما يعتبرونه "ثقة متبادلة" بين البائع والشاري تُعقد الصفقة.

واطلع "اقتصاد" على بيانات إحدى السيارات المسروقة المسجلة لدى مديرية نقل محافظة حلب وهي سيارة نقل كبيرة تابعة لحماة والفئة خاصة زراعية، ونتحفظ على باقي المعلومات التي تم تمويهها في الصورة المرفقة حرصاً على مالكها الأصلي الذي يعيش في حماة.



وأشار الصحفي "صادق عبارة" لـ "اقتصاد" إلى أن "المناطق المحررة باتت –للأسف- سوقاً لتصريف السيارات التي عفشها أو استولى عليها شبيحة النظام وتعود ملكية الكثير منها لأناس تم اعتقالهم أو خطفوا أو قتلوا".

 وروى محدثنا قصة صديق له وجد سيارته وهي من نوع "هونداي أنتر" التي اختفت منذ العام 2013 واعتقل شقيقه على دوار المحطة في حماة واختفى على إثرها. وأضاف أن السيارة كان معها أوراق نظامية باسم والده حتى أنها –كما يقول- مرت عن طريق مديرية النقل الحرة في ريف حلب، لكن اللافت وجود توكيل لمديرية النقل بالتصرف فيها رغم أن صاحبها لا زال على قيد الحياة.

وبدوره رأى الباحث الاقتصادي "يونس كريم" في تصريحات لـ "اقتصاد" أن السيارات التي يتم بيعها بطرق غير نظامية في المناطق المحررة ليست فقط سيارات المعتقلين والمفقودين ولكن الأمر يتعدى ذلك إلى تهريب السيارات من لبنان وتركيا إلى سوريا، والهدف من ذلك يتمثل–كما يقول- في عدة نقاط، أهمها أن عملية التزوير ونقل الملكية باتت سهلة جداً مع انعدام سلطة نظام الأسد وازدياد سلطة المليشيات وأمراء الحرب، وبات هؤلاء-حسب قوله- يملكون الأختام ويملكون السلطة على سجلات ومؤسسات الدولة  وأي شخص يخالف إرادتهم يتم اعتقاله أو زجه في السجون تحت تهم جاهزة كدعم الإرهاب أو التعاون مع "الإرهابيين"-حسب تعبيرهم- ووجدت هذه المليشيات أن أفضل طريقة لتوفير تمويل ذاتي لها بعد توقف دعم النظام والنظام الإيراني لهم هو الإستيلاء على سيارات المدنيين وبيعها بمسميات مختلفة كمصدر مادي جيد تحت غطاء من النظام ذاته لأن المعارك لازالت قائمة وهو ما يزال بحاجة لمثل هذه المليشيات.

15 ألف سيارة مسروقة في "المحرر"

ونوّه كريم إلى أن عمليات بيع السيارات أقل تعقيداً من بيع العقارات فهي لا تحتاج إلى موافقات أمنية كثيرة ولا إلى تواجد المالك الأصلي ويكفي وجود وكالة أو عقد وهمي بالتراضي لتتم عملية البيع، مضيفاً أنه ليس هناك تدقيق في مصدر السيارات وملكيتها بسبب عدم وجود إدارة رسمية للمرور، وهذا ما جعل المناطق المحررة سوقاً نشطة ورائجة لهذا النوع من التجارة.

وكانت السلطات المدعومة من تركيا، التي تسيطر على ريف حلب الشمالي والشرقي، قد شنت في حزيران/يونيو 2019 حملة ضد السيارات المسروقة وقامت بمصادرة مئات السيارات وجرى التعميم على دوائر المواصلات لأرقام ١٥ ألف سياره يتوجب مصادرتها.

كومة حديد

وبدوره أشار المستشار القضائي "محمد نور حميدي" في تصريحات لـ"اقتصاد" إلى أن هناك ثلاثة أنواع للبيوع في المناطق المحررة النوع الأول هي للسيارات المنمرة النظامية التي تفرغ عن طريق تسجيل فيديو وصورة الهوية، والنوع الثاني يكون بعقد وتكون النمرة مكسورة ومنتهية الصلاحية لكن يضمن البائع السيارة من الحرام أي لا تكون مسروقة أو مستولى عليها ولا يضمن الفراغ، أما النوع الثالث فهو بيع (اللفة) -بحسب التعبير الدارج- وكأن السيارة هي كومة حديد، "فلا عقد ولا من يحزنون"، وهذا كان سائداً في السابق-كما يقول– مضيفاً أنه منذ فترة شهرين تم ضبط الأمور في أرياف إدلب ومنطقة "درع الفرات" وتم إلزام مالكي السيارات بتنميرها وهذه العملية تتطلب إحضار عقد بيع من أحد لأشخاص وقد يكون هذا العقد صحيحاً وقد لا يكون، ويتم تسجيلها بنمرة نظامية والآن تم تعميم هذه التعليمات وأعطيت مهلة لتسجيل كل السيارات.

وكانت إدارة التعبئة العامة التابعة لجيش نظام الأسد - فرع تعبئة المركبات والمعدات الهندسية والبحرية-، قد أصدرت القرار رقم 2505 /18 تاريخ 16/8/2020 الموجه إلى قادة المناطق العسكرية ورؤساء اللجان العسكرية الأمنية في المناطق والقاضي بتوقف جميع إجراءات مصادرة الآليات والمعدات الهندسية المتبعة والعمل وفق قانون التعبئة تعليماته التنفيذية ونظام عمل ادارة التعبئة العامة ونص القرار الذي وقعه مدير إدارة التعبئة العامة اللواء هشام صبحي ابراهيم على أن كل مخالفة تستوجب المسؤولية، مما دفع شبيحة النظام الذين كانوا قد استولوا على مركبات أو سيارات إلى تصفيتها أو بيعها.

ترك تعليق

التعليق