"قصّاب" يتحكم بحوالات اللاجئين في إحدى المدن الألمانية


توجهت اللاجئة "أم منذر"-اسم مستعار- إلى أحد مكاتب تحويل الأموال التي تعمل بشكل غير شرعي في مدينة لودفيغسهافن الألمانية لتحويل مبلغ من المال باليورو إلى أهلها اللاجئين بدورهم في الأردن لتفاجأ بعد أيام أن المبلغ الذي يقدر بـ 300 يورو حول بقيمة 300 دولار أي بفارق أكثر من 55 دولار رغم أنها سددت قيمة التحويل 30 يورو. للمكتب الذي يعمل في مهنة القصابة باسم "***"، للمفارقة.

قصة "أم منذر" وهي زوجة لشهيد وأم لـ 5 أيتام أكبرهم في الثالثة عشر هي واحدة من مئات القصص التي تحصل في ألمانيا وفي غيرها من بلدان اللجوء، وتكشف عن جزء من مافيا تتحكم بتحويلات السوريين مستغلة قانون قيصر الذي منع التحويل عن طريق البنوك أو المكاتب والشركات المرخصة، بالتواطؤ مع النظام ذاته الذي بات يبحث عن أي وسيلة لتمويل حربه ضد السوريين ونهب ما يرد إليهم من فتات الأموال في ظل غلاء المعيشة وهبوط الليرة.

 ووفقاً للبنك الدولي، تتدفق تحويلات بقيمة 1.6 مليار دولار إلى سوريا كل عام، بما يساوي ما يقرب من 15 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.

ولم تقتصر مشكلة مافيات التحويل على الخارج بل على أذرع هذه المافيات في الداخل التي تقاسم السوريين ما يردهم من حوالات أيضاً.

 وبدوره، أشار الناشط في المجال الإغاثي "تامر تركماني" إلى أن سماسرة تحويل الأموال والصرافين الذين يتعاملون بالأسود في سوريا يستغلون حاجة الناس، وكشف أن هؤلاء السماسرة كانوا يتقاضون أثناء حملة الغوطة الأخيرة عمولة عبارة عن 18% لكل تحويل رغم أنهم سوريون ويعرفون أن الأموال تذهب إلى المحاصرين المنكوبين في الغوطة، حتى أنهم يقاسمون العائلات المكفولة منذ سنوات ويتقاضون نسبة أكثر من المتفق عليه بحجة أنهم يعملون بالخفاء وتحت الخطر ولذلك يلجؤون لاقتناص الفرصة وكسب أكبر نسبة من العمولة، ويضطر المستلم للقبول بالخسارة مهما كانت لأنه مقيم بمناطق النظام ويخشى من التبليغ عنه، لأن النظام يجرم التعامل بغير الليرة السورية.

 وروى ناشط فضل عدم ذكر اسمه لـ"اقتصاد" قصة أخرى عن لاجئ قام بتحويل مبلغ يقدر بـ 1600 يورو لقريب له من أجل إجراء عمل جراحي وتم الاحتيال لسرقة المبلغ دون إيصاله إلى المريض الذي توفي دون أن يجري العمل الجراحي.

وأشار الأمين العام للمنظمة العربية الأوروبية للاجئين "محمد كاظم هنداوي" في تصريحات لـ "اقتصاد"، أن مافيات التحويل المالي غير المرخصة هذه، ليست بجديدة، بل موجودة منذ زمن وكانت تعمل في الخفاء ولكن عملها توسع بسبب العقوبات المفروضة على النظام من قبل المجتمع الدولي.

 وتابع محدثنا أن هناك بنوك تسير أمور النظام وتحاول أن تخلق مناخاً آمناً لهذا النظام من أجل الحصول على الأموال بالعملة الصعبة. وأردف أن الحالة الإنسانية قد تكون سبباً في تغاضي بعض الدول عن هذا الموضوع ويضطر اللاجئون -حسب قوله- للاستغناء عن المكاتب التقليدية مثل "ويسترن يونيون" المرخصة والشرعية لتحويل الأموال مثلاً بسبب عدم توفر سعر حقيقي لليرة السورية، وهذا ما يدفعهم إلى هذه الشبكات المتواجدة في كل مكان.

 ولفت محدثنا إلى أغلب السوريين في أوروبا يعيشون على المساعدات الاجتماعية التي تقدمها الدولة وهناك تقييد على تحويل هذه المساعدات إلى أهاليهم أو أقاربهم في سوريا أو غيرها فيلجؤون إلى التحويل بطرق خفية وعن طريق مكاتب غير مرخصة، وهذا الأمر -بحسب المصدر- غير غائب عن الحكومات الأوروبية ولكنها تركت الأمر على حاله حالياً لارتباطه بحالة إنسانية، ولكي لا تصطدم هذه الحكومات بالقضاء الذي يأخذ في النهاية بالجوانب الإنسانية.

 ولفت المصدر إلى أن مخابرات النظام في سوريا تحاول الاستفادة من هذه الشبكات داخل سوريا، ونوه هنداوي إلى أن تفاوت التعامل مع سوق الصرف من قبل هذه الشبكات التي تفتقر للهوية أو الترخيص تدل على أن هناك أرباحاً فاحشة تجنيها من وراء تحويلات السوريين، والكثير من اللاجئين السوريين يجهلون حقيقة السوق السوداء وكيف يتم الصرف والقيمة الفعلية لليورو، فحتى يصل إلى سوريا يفقد 30% من قيمته وربما ينخفض االمبلغ إلى نصف القيمة، ولكن اللاجئين مضطرون لعدم وجود وسائل بديلة.

 وكشف هنداوي أن هذه الشبكات تتم إدارتها من قبل مخابرات النظام بشكل أو بآخر، وهذا واضح من طريقة التسليم والاستلام، وخاصة أن هذه المخابرات منتشرة في كل مكان من البلاد.

وأعرب محدثنا عن اعتقاده بأن هذه الشبكات هي جزء من مافيات عالمية ترتبط بإيران وروسيا والصين وهي الدول الداعمة للنظام وهي التي توفر البيئة الآمنة لهذه الشبكات بالتحرك والعمل، مشيراً إلى أن هذا النظام شريك في كل حوالة تصل إلى سوريا عن طريق شبكات التحويل، وإلا كيف يتم تحويل الأموال بالعملة السوداء ويتم استلامها بوصل من مكاتب تحت أنظار النظام داخل سوريا؟!

وحول دور المنظمات الحقوقية أوضح المصدر أن هذه المنظمات لا يمكن أن تتحرك أو تضغط على الحكومات الأوروبية ضد هذه المكاتب، لأن هذه الحكومات ستلجأ حينها إلى تطبيق القانون وإغلاق هذه المكاتب مما سيؤدي بدوره إلى حرمان أهالي اللاجئين في الداخل من مصدر عيش لا غنى لهم عنه، واستدرك هنداوي أن "عمليات نقل الأموال على غرار (نظام الحوالة) ليست فعلاً جرمياً في كل الدول. وحتى في حال وجود قانون فإنه في إنفاذه تكمن مشكلة كذلك؛ حيث يتم الإعلان عن مثل هذه الخدمات غالباً على أنها صفقات عملة".

ويُذكر أن البنك المركزي التابع للنظام أغلق في الثاني من حزيران 2020، ست شركات تحويل أموال، وهي الحافظ وإرسال، وفرعون، وشامنا، وآراك، وماس، بحجة أنها تخالف تعليمات المركزي، وتُسلِّم حوالات مجهولة المصدر. هذا ما دفع مركز دمشق للأبحاث والدراسات إلى المطالبة صراحة "برفع وإيقاف الملاحقات الأمنية (مؤقتاً) التي تستهدف قنوات تحويل القطع الأجنبي من الدول الأوروبية إلى الداخل السوري، والتي تجري عبر مجموعة من الأفراد يحوّلون الأموال عبر استخدامهم لقنوات الاتصال المشفرة (الفايبر، الوتس أب... وغيرها)".


ترك تعليق

التعليق