معظم الزيجات في درعا.. مؤجلة


لم يجد "فارس" وقتاً للزواج بعد. فرغم بلوغه الثلاثين من عمره، فإنه لا يتعجل الارتباط، و"إكمال نصف دينه" كما يقولون.
 
ويقول فارس الذي يقطن في إحدى قرى ريف درعا، "نعم أرغب بالزواج، لكن (العين بصيرة واليد قصيرة)". وأردف قائلاً: "الزواج يحتاج إلى مؤهلات، وإمكانيات مادية عالية. وأنا لا أملك منها شيئاً".

ولفت إلى أن أول هذه المؤهلات، هو أن يكون للشخص الراغب بالزواج عمل وسكن ومصدر دخل ثابت يؤمن له على الأقل قوت يومه، مشيراً إلى أنه ومئات بل آلاف الشباب مثله، ليس لديهم من هذه المقومات شيئاً، لأن حياتهم في ظل سيطرة نظام الأسد غير مستقرة، ولن تستقر مادام الأسد حاكماً للبلاد، حسب وصفه.

وأكد أن الخدمة الإلزامية، تعتبر إحدى أكبر التحديات التي يواجهها أبناء المحافظة، لما لها من وقع سلبي في نفوسهم، لارتباطها بالاصطفاف إلى جانب قوات النظام والاشتراك معها في قتال أخوة الأمس، في المناطق التي مازالت مشتعلة في المحافظات الأخرى، موضحاً أن جميع المشاريع المستقبلية، من ارتباطات وزواج وبناء أسرة، مؤجلة بسببها.

وقال: "عدا عن الأسباب السابقة فالزواج مكلف جداً، وهو يتطلب توفير مبالغ مليونية لتأمين تكاليفه، في ظل الارتفاع غير المسبوق للأسعار"، لافتاً إلى أن تجهيزات العرس، من ذهب، ولباس، وأثاث منزلي، تحتاج على الأقل إلى مليوني ليرة سورية، "هذا في أسوأ الأحوال"، وفق وصف "فارس".

وأضاف أن غرفة النوم المقبولة، يتراوح سعرها ما بين 450 ألف ليرة ومليون ليرة سورية، فيما يبلغ سعر أرخص قطعة لباس للعروسين 25 ألف ليرة سورية، هذا عدا عن الذهب، الذي يصل الغرام منه إلى أكثر من 125 ألف ليرة سورية، ما يعني أن سعر أصغر قطعة ذهب يمكن تقديمها للعروس يتجاوز الـ 250 ألف ليرة سورية.

وقال: "ليس هذا فحسب، بل هناك نفقات أخرى تدخل في تجهيزات العرس لا يمكن تجاوزها مهما حاولت التوفير أو تقليص النفقات"، لافتاً إلى أن أجرة "تلبيس العروس" تصل إلى أكثر من 75 ألف ليرة سورية، هذا فضلاً عن تكاليف حفلة العرس، التي تتجاوز في أسوأ الأحوال الـ 150 ألف ليرة سورية، هذا دون حساب التكاليف الأخرى كالمهر "مقدمه ومؤخره" والذي يصل إلى ملايين الليرات السورية.
 
ويؤكد "بسام. م"، 27 عاماً، وهو جامعي، أن الزواج وتكوين أسرة هو حلم ومطلب كل شاب، "لكن في حالتنا هنا بدرعا الوضع صعب ومختلف، لعدة أسباب، أبرز هذه الأسباب الفقر، وقلة الإمكانيات المادية، وعدم الشعور بالأمان من نظام لا يؤمن جانبه"، لافتاً إلى أن كل شاب في محافظة درعا مطلوب للجهات الأمنية، دون أن تكون لديه أي فكرة عن تهمته.

وأضاف أن الحرب السورية، أضاعت على الشباب فرصهم المستقبلية، وأفرزت جيشاً من الشباب العاطل عن العمل، كما أن الغالبية من الشباب لا تتقن أي مهنة سوى "حمل السلاح" بعد أن نشأت في أجواء حربية منفلتة، توقفت فيها المهن، والأعمال، وكل مدرات الدخل.

وقال: "محظوظ من يتقن مهنة في هذه الأيام الصعبة، فهي إن لم تغنِ فهي تؤمن حد الكفاف على الأقل"، مشيراً إلى أن عدم وجود مصادر دخل ثابتة، هو من أكبر وأصعب التحديات، التي تواجه الشباب في المحافظة، كما أنها سبب آخر من أسباب العزوف عن الزواج لشريحة واسعة من الشباب، هذا إذا ما استثنينا من هؤلاء الشباب، فئة الميسورين، وبعض الأغنياء التقليديين من أبناء تجار ومزارعين كبار".

من جهته أكد "سامح. ص"، 24 عاماً، وهو مزارع، أنه تمكن هذا العام من الزواج رغم تكاليف الزواج العالية، لافتاً إلى أن زواجه كلفه نحو أربعة ملايين ليرة سورية، بين أثاث منزل، وذهب وفرش ولباس وتكاليف أخرى.

وأوضح أن لديه ثلاثة أخوة مهجرين في أوروبا وهم من ساعده في تكاليف الزواج، مقابل أن يبقى في البلد إلى جانب والديه العجوزين، والاعتناء بهما، موضحاً أنه يقيم في منزل العائلة، ويصله كل شهر حوالة مالية للإنفاق على أسرته ووالديه.

وقال: "أنا أحد المحظوظين، لكن لست حالة عامة، إلا أنها حالة موجودة، وهناك بعض الاستثناءات لكنها قليلة".

ولفت إلى أن بعض الشباب، وجد حلاً لتجاوز مشكلاته المالية والأمنية بالتطوع في بعض الميليشيات العسكرية العاملة في المحافظة، رغم عدم قناعتهم بها، وذلك كخيار وحيد متاح أمامهم لتأمين مقومات استقرار حياتهم المستقبلية من زواج وسكن ومصدر دخل.

يشار إلى أن عادات وطقوس الزواج في محافظة درعا تغيرت بشكل جذري، بسبب الحرب والظروف الاقتصادية والأمنية السيئة، التي فرضت على المحافظة.

ففي حين كانت حفلات العرس تمتد سابقاً لعدة أيام، تقدم خلالها المأكولات والحلويات، والقهوة المرة والشاي، وتختتم بحفل غداء تنحر فيه الذبائح بالعشرات، أصبحت الآن تقتصر على يوم واحد، تقليصاً للنفقات، وتختتم بتوزيع بعض الحلوى على المدعوين، الذين تقلصت أعدادهم بشكل ملحوظ أيضاً.

ترك تعليق

التعليق