في دمشق.. كيف يعيد النظام تدوير السلع مجهولة المصدر؟


بعد كُلّ حملة تقوم بها جمارك نظام الأسد تُصادر خلالها العديد من مستودعات البضائع الضخمة، تعترف وزارة التموين بانتشار المواد مجهولة المصدر في الأسواق السورية، لا سيّما الدمشقية منها.

تُعرف المواد مجهولة المصدر بالسلع المزورة والمُقلدة لماركات معروفة ومنتهية الصلاحية وغير معلومة المنشأ وغير مطابقة للمواصفات، والتي يتم صناعتها خفيةً بطرق غير شرعية، أو السلع التي يتم إدخالها إلى الأراضي السورية عبر منافذ التهريب البحرية والبرية -وما أكثرها-.

اعتراف التموين بوجود كثيف لمواد مجهولة المصدر يحمل في طياته جانبين، الأول موجه للمواطنين بحيث يعتادوا على شراء تلك المواد كون الإنتاج المحلي شبه مفقود، والثاني تهديد للمهربين وأصحاب المنشآت الصناعية غير الشرعية بوجوب إيفاء التزاماتهم الدورية للجمارك وإلّا فعمليات المصادرة ستطال مستودعاتهم، بحسب ما قال لـ "اقتصاد"، تاجر في سوق الهال بدمشق، رفض الكشف عن أسمه لدواعٍ أمنية.

وأضاف التاجر أنّ أكثر المصانع غير الشرعية منتشرة في وادي بردى بالقرب من الحدود اللبنانية -السورية التي تسيطر عليها الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد شقيق "بشار الأسد"، وميليشيا حزب الله اللبناني. كما أنّ تلك المناطق تُعدّ منطلقاً لعمليات التهريب وإدخال البضائع الأجنبية إلى الأسواق السورية.

 وعن المخلفات المضبوطة المُعلنة، قال التاجر إنّها تطال صغار المهربين والمنشآت الصغيرة التي لا تعدو كونها ورشات لا أكثر.

البضائع مجهولة المصدر المنتشرة في الأسواق بكثافة تشمل كافة المواد المستهلكة من طحين وحبوب ومنظفات وعصائر وزيوت وسمون وبهارات ومستلزمات أطفال وأدوية ودخان، ولوحظ في الفترات الأخيرة قلّة في البضائع ذات المنشأ التركي على حساب انتشار بضائع ذات منشأ إيراني.

"اقتصاد" وفي تقريره مطلع العام الماضي بعنوان "لولا المنتجات التركية، ماذا يمكن أن يحدث في الأسواق بمناطق سيطرة النظام"، وضّح كيفية إدخال البضائع التركية إلى الأسواق السورية ومدى قبول المستهلك بها، إلّا أنّ قلّتها منذ عام تقريباً أجبر الناس على استخدام البضائع الإيرانية كونها الأكثر حضوراً في ظل ندرة البدائل، لا سيّما وأنّ أكثر من 60% من المنشآت الصناعية السورية خارج الخدمة، أما ما تبقى منها ضمن خارطة العمل والإنتاج، فمعظمه يقف حالياً عاجزاً عن تأمين المواد الأولية لمنشآته.

وحول أسعار جميع المواد المحلية ومجهولة المصدر والمنشأ فجميعها تصل لأضعاف ما تُعلن عنه "وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك"، إذ تقول في نشرتها الأخيرة بتاريخ 19/ تموز أنّ سعر كيلو البطاطا للمستهلك 300 ليرة سورية بينما يُباع بنحو 500 ليرة ونقيس بذلك بقية المواد والأصناف.

"أبو نهاد"، صاحب متجر مواد غذائية في حي الدويلعة بدمشق، أكّد لـ "اقتصاد" أنّ مخالفات وضبوط الأسعار الزائدة بسيطة جداً وغالباً ما يتم علاجها بين البائع ودورية التموين دون تنظيم ضبط، وإن تم تنظيم ضبط قانوني يتم التسوية عليه بسهولة بسبب التذبذب المستمر لسعر صرف الليرة السورية أمام العملات الصعبة، مُضيفاً بأنّ مخالفات البضائع مجهولة المصدر تسيطر على المشهد، إذ بعد مصادرتها يتم بيعها مجدداً لتجار الجملة الذين يقومون بدورهم بتوزيعها على نقاط بيع أصغر، وهكذا تكون الدوائر الرسمية حققت الفائدة 3 مرّات، الأولى، فرض ضريبة على من نُظم بحقه ضبط لبيعه مواد مجهولة المصدر، والثانية، إعادة تدويرها في الأسواق وتحصيل المال جرّاء بيعها مجدداً، والثالثة، المحافظة على وجود بضائع في الأسواق تُعّوض ضعف الإنتاج المحلي وتُشعر بعض المواطنين بارتياح نسبي كونهم كانوا يتوقعون فقدان البضائع بشكل رهيب بعد دخول قانون العقوبات الأمريكي "قيصر" حيز التنفيذ منتصف الشهر الماضي.

دون معالجة المواد المغشوشة والتلاعب بالميزان والفساد المستشري، يتضح لنا أنّ عقلية نظام الأسد الذي لم يكترث يوماً لصحة المواطنين لم تتغير إطلاقاً، وما صحة السوريين بالنسبة له إلّا سلعة تجارية، يعرضها في أسواق التجار "عرضاً وطلباً"، كُلما احتاج لتأمين المال وسداد ديونه المتراكمة.

ترك تعليق

التعليق