دمشق.. تئن معيشياً


لا تتملك "سعاد" الحيرة وهي تفكر في طبخة اليوم، وذلك لأن خيارات الغداء بالنسبة لمعظم سكان دمشق محدودة للغاية.

وإذا كانت سعاد تتمكن من إعداد وجبة بسيطة يومياً لعائلتها فإن "فاطمة" لا تضع قدر الطعام على النار إلا مرتين في الأسبوع بينما تعتمد في إطعام أسرتها الكبيرة على (السندويتش).

وهكذا تزداد المعاناة يوماً بعد يوم، في العاصمة دمشق، في ظل اتساع الشريحة الفقيرة والمعدمة، مع دخول السنة العاشرة من الحرب في شطرها الأخير.

تقول سعاد: "لا نتناول اللحم بكافة أنواعه بسبب الغلاء الرهيب". تدرك هذه السيدة الدمشقية أن الحياة في المنطقة الشاسعة التي يسيطر عليها النظام لا ترحم، لذلك تسعى لتقليل نفقاتها اليومية إلى أقصى حدود التقشف.

الخيارات المحدودة للطعام تتراوح بين البطاطا والكوسا على اعتبارها أرخص الخضار الحالية، وما يتوفر بين رفوف المطبخ، من حواضر كالمكدوس المحشي بفستق العبيد عوضاً عن الجوز، والزيت النباتي مع الزعتر، وأصناف من الزيتون الأخضر والأسود.

يقول "جابر" وهو موظف حكومي إن راتبه الشهري لا يكفي إلا لشراء الخبز وبعض الخضار والمواد الغذائية الأساسية كالرز والسكر والزيت النباتي.

ومنذ تدني الليرة السورية في السنة الثالثة للثورة، لم ترفع حكومة النظام، رواتب الموظفين، بما يوازي هبوط الليرة الجنوني والصعود الرهيب للأسعار.

لذلك يزداد الاتساع في شريحة الطبقة الفقيرة يوماً بعد آخر.

أثناء جولتها الصباحية المعتادة على الأسواق تحاول "آمنة" شراء كميات من الخضار الرديئة، بأرخص سعر ممكن.

على طاولة المائدة تضع لأسرتها وجبات روتينية، تنحصر غالباً بين "المفركة بكوسا" أو "البطاطا" و"الكواج" المصنوع من البصل والبندورة بدون لحمة طبعاً. وفي حال غابت هذه الأطعمة، يكون البديل هو البطاطا المقلية الذي يدخل في رأس قائمة الوجبات الأكثر حضوراً، على مائدة معظم سكان العاصمة.

لم يضف تطبيق القانون الأمريكي المعروف بـ (قيصر) أي جديد تقريباً على معيشة الدمشقيين السيئة أصلاً.

ويعتقد الأشخاص الذين تحدثوا إلينا من داخل العاصمة أن النظام استبق تنفيذ القانون قبل فترة طويلة حيث يعيش السكان في ظل ارتفاع كبير للمواد الرئيسية ودخل محدود جداً لا يتماشى مع الغلاء.

كما أن الحكومة قادرة على صرف زيادات كبيرة لرواتب الموظفين بشكل يعيد بعض الانتعاش الاقتصادي للبلد لكن العائلة الحاكمة التي يرأسها (بشار الأسد) آثرت وضع يدها على الموارد والنشاط الاقتصادي، لتتشكل طبقة مترفة من السياسيين ورجال الأعمال المقربين من السلطة، على حساب ملايين السكان ذوي الدخل المحدود.

يقول كل من سعاد وفاطمة وآمنة وجابر إن الوضع لم يعد يحتمل.

فـ "المعيشة تحت الصفر" و"الأمور تزداد تعقيداً".

وإذا كان هؤلاء الأشخاص يتمكنون في الوقت الحالي، من تأمين وجبات متواضعة لأطفالهم، فإن القلق يساورهم من حلول أيام قريبة، لا يجدون خلالها حتى هذه الوجبات والسندويتشات المعمولة بمنتهى البساطة.

(تم استبدال الأسماء الحقيقية للأشخاص الذين تحدثوا إلينا بأسماء مستعارة لدواعي أمنية)

ترك تعليق

التعليق