اقتصاديات.. حكومة "كل مين إيدو إلو"


تورطت وزارة الاقتصاد قبل أيام، بالإعلان عن أنها تقدمت بدراسة للحكومة تقترح فيها زيادة الرواتب والأجور، مع تغطية هذه الزيادة من خلال الموازنة الاستثمارية التي لم يتم الاستفادة منها هذا العام بسبب ظروف الإغلاق التي رافقت جائحة فيروس كورونا، بالإضافة إلى الاعتماد على بعض فوائض الأنشطة الاقتصادية الجديدة، والتي قالت الوزارة إنها تقدمت كذلك باقتراح لتأسيسها.

لم تمض سوى ساعات على هذا الإعلان، حتى خرجت وسائل إعلام أخرى، مدعومة من بعض الجهات الأمنية، والتي توجهت لوزارة الاقتصاد بعدد من إشارات الاستفهام، تسألها عن علاقتها بالحديث عن زيادة الرواتب، وأن هذا الأمر ليس من اختصاصها، وإنما من اختصاص وزارة المالية ورئيس الحكومة.. وهو ما اضطر وزير الاقتصاد الذي يدعى سامر الخليل، للتصريح مجدداً بأنه لم يطالب بزيادة الرواتب، وإنما كل ما قام به، هو أن وزارته تقدمت بدراسة اقتصادية للحكومة لمواجهة عقوبات قانون قيصر، وكما طلب رئيس الحكومة السابق عماد خميس قبل أن يتم إعفائه من منصبه، وأنه اقترح ضمن هذه الدراسة أن يتم زيادة الرواتب..

وأشار الخليل في ذات التصريح، مبرراً حسن نيته، بأنه لا يتعدى على اختصاص غيره، بدليل أنه لم يحدد نسبة لهذه الزيادة، والتي هي من اختصاص وزارة المالية وكامل الفريق الاقتصادي في الحكومة..

لكن الأمر لم ينته عند هذا الحد، وظلت بعض وسائل الإعلام تستثمر تصريحات وزير الاقتصاد والدراسة التي تقدم بها، على أنه يدعو لزيادة الرواتب، ما جعل العديد من المراقبين ينظرون للوزير بأنه وضع حداً لمسيرته الوزارية بنفسه، وأنه في أقرب فرصة سوف يتم الإطاحة به، في التعديل الحكومي القادم، بعد الإنتهاء من انتخابات مجلس الشعب.

التخبط الحكومي استمر في مواقف أخرى، عبر مساعي وزير التموين الجديد طلال البرازي، الذي زار غرفة تجارة دمشق ثلاث مرات، كأول وزير يقوم بهذه الخطوة منذ أكثر من أربعين عاماً، حيث جرت العادة أن تذهب الغرفة لزيارة الوزير لدى تعيينه.. إلا أن البرازي أراد أن يوصل رسالة بحسب ما ذكرت وسائل إعلام النظام، مفادها بأنه سوف يكسر البروتوكول كرمى لعيون الوطن، وأنه قد يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك في سبيل السيطرة على الأوضاع الاقتصادية المنفلتة في البلد، ومنها سعر الصرف، وارتفاع الأسعار.

ونحج البرازي بعد سلسلة الاجتماعات هذه، أن يجمع التجار والصناعيين مع رئيس الحكومة حسين عرنوس، والتوصل إلى تفاهمات، منها إعطاء التجار دوراً في تسعير المواد إلى جانب وزارة التموين، حيث وكما صرح محمد حمشو، أمين سر غرفة تجارة دمشق، وفي أعقاب الاجتماع، بأنهم اتفقوا مع عرنوس، أن يتم حساب تكلفة كل مادة في السوق ضمن الأسعار الحقيقية، مع إضافة هامش ربح معقول للتاجر وللمستهلك على حد سواء.

لكن سرعان ما فسد هذا الاتفاق، مع الإعلان عن رفع سعر السكر والرز، المباع في صالات السورية للتجارة، بأكثر من الضعف، وهو ما أفسد كل مساعي وزير التموين الذي حاول أن يقدم صورة عن نفسه بأنه يسعى لخدمة "الأخوة المواطنين".

أما التخبط الثالث الذي رصدناه، فهو قرار مصرف سوريا المركزي، بإيقاف كل أشكال القروض، بتوجيه من رئيس الحكومة الجديد، بعيد تعيينه، إذ لايزال القرار سارياً حتى اليوم، على الرغم من أن حاكم المصرف صرح في حينه، بأن القرار مؤقت، ويهدف لحصر إمكانيات المصارف المالية من أجل إعادة توظيفها في قروض تخدم الاقتصاد بالدرجة الأولى..

وقد تبين قبل يومين أن قرار وقف القروض، تبعه قرار بإطلاق مؤسسة التأمين على مخاطر القروض، والتي كان بشار الأسد قد أصدر مرسوم تأسيسها قبل خمس سنوات، إلا أنها لم تر النور سوى قبل يومين.

وبحسب الكثير من المحللين، فإن إطلاق هذه المؤسسة، يعني بتوقف حركة الإقراض حتى إشعار آخر، ولا يهدف لتسهيلها، كما قال حاكم المركزي، حازم قرفول، إذ أنه من الآن وصاعداً سوف تكون حسابات القرض خاضعة لحسابات هذه المؤسسة، التي من أبرز مهامها، الحفاظ على قيمة القرض والفوائد المحصلة منه، ما يعني زيادة الخدمات والضرائب على هذه القروض، سيما وأن النظام الداخلي والتعليمات التنفيذية لم تصدر بعد عن هذه المؤسسة، وهو أمر بحاجة إلى فترة زمنية لا تقل عن ثلاثة أشهر، كما يؤكد المحللون.

مما سبق يتضح بأن النظام وحكومته في حالة فقدان للسيطرة على كل الأوضاع الاقتصادية، بينما الكلمة العليا هي، للسوق والتجار وللعقوبات الاقتصادية الدولية.. وأكثر ما يتضح ذلك في ارتفاع الأسعار، حتى بالنسبة للمواد المنتجة محلياً، كبعض أنواع الفواكه والخضار والحمضيات، والتي وصل فيها سعر كيلو الليمون إلى نحو 5 آلاف ليرة.. أما بالنسبة لارتفاع أسعار اللحوم، وبالذات الفروج والبيض، فهو مأزق جديد يحتاج حله إلى أكثر من 100 مليون دولار بالسرعة القصوى، لاستيراد الأعلاف، وإعادة ترميم الخسارة في هذا القطاع، والتي بلغت أكثر من 70 بالمئة بحسب بيانات وزارة الزراعة.. فيما أقصى ما توصل إليه المسؤولون لحل مشكلة تأمين أعلاف الدجاج، هو بإيجاد بدائل محلية لها، بالاعتماد على محصول الشعير، ما أثار سخرية واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي قال روادها بتهكم: الحل معقول.. لكن تبقى المشكلة كيف سوف تقنعون الدجاج بأكل الشعير..!


ترك تعليق

التعليق