ما الذي يحدث في أسواق النفط العالمية..؟


ترك انهيار أسعار النفط العالمية إلى مستويات غير مسبوقة، الكثير من إشارات الاستفهام والتعجب، لناحية المتسبب بهذا الانهيار من جهة، والمستفيد منه من جهة أخرى، حيث برزت على الفور العديد من النظريات التي تتحدث عن حرب أسعار بين روسيا والمملكة العربية السعودية، لأسباب لها علاقة بفرض إرادة دولة على أخرى، بينما تحدث البعض عن أن المستهدف بهذه الحرب، ليس إلا الولايات المتحدة الأمريكية، بدليل أن الرئيس دونالد ترامب سارع، حالما هبط سعر البرميل إلى 22 دولاراً، قبل يومين، للاتصال بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مطالباً إياه بالتفاهم مع الرياض، وإعادة رفع الأسعار إلى مستويات ما قبل 6 آذار/مارس الماضي، عندما كان سعر النفط فوق 50 دولاراً للبرميل.

ولعل المراقب، لسيل الاتهامات المتبادلة بين الرياض وموسكو، حول المتسبب بانهيار أسعار النفط، لا بد أن يقف على جزء من الحقيقة المتداولة في أوساط المحللين الأمريكيين، بأن روسيا تتحمل المسؤولية الأكبر في هذا الانهيار، كونها رفضت الاقتراح السعودي في 6 آذار/مارس الماضي، حينما هبط سعر البرميل من 55 دولار إلى 30 دولار دفعة واحدة، إذ اقترحت السعودية تخفيض الإنتاج بمقدار 1,5 مليون برميل يومياً، وقد اعترفت موسكو بأنها رفضت هذا الاقتراح، لكنها قالت وعلى لسان وزير نفطها، ألكسندر نوفاك، إن سياسة تخفيض الإنتاج التي كانت قد اتبعتها روسيا بالاتفاق مع أوبك منذ العام 2016، والتي أدت بالفعل إلى رفع الأسعار بعد انهيارها في العام 2014 من 120 دولار إلى نحو 30 دولار للبرميل، كان المستفيد الأكبر منها شركات النفط الصخري الأمريكية، والتي سارعت بضخ كميات كبيرة من النفط في الأسواق العالمية، محققة أرباحاً كبيرة على حساب المنتجين في أوبك بالإضافة إلى روسيا، وهو ما يدعو للتساؤل بحسب وزير النفط الروسي: ما الجدوى من الاتفاق مع أوبك، إذا كانت أمريكا خارجه..؟!

وهذا الكلام يؤكد وجهة النظر السعودية والخليجية عموماً، التي ترى أن روسيا تريد الانتقام من الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب العقوبات التي فرضتها عليها، من خلال ضرب شركات النفط الصخري الأمريكية ودفعها للإفلاس، وهو ما بدأت ملامحه تلوح في الأفق، مع إعلان أكثر من 200 شركة نفط صخري أمريكية، ومنذ عدة أشهر، بأنها تعاني من صعوبات مالية، وعليها قروض تفوق ثلاثة أضعاف حجم أعمالها، بينما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، الأربعاء، أن شركة الحفر الأمريكيةWhiting Petroleum Corporation بدأت إجراءات تسجيل إفلاسها في ظل الهبوط الحاد في أسعار النفط.

وفي السياق ذاته، كتب وزير خارجية قطر السابق، حمد بن جاسم، الخميس، عدة تغريدات على تويتر، عبر فيها عن اعتقاده بأن الهدف من خفض أسعار النفط العالمية، هو ضرب شركات النفط الصخري الأمريكية، لكنه أشار إلى أن هناك اتفاقاً بين الرياض وموسكو على هذا الأمر، وليس كما تقول السعودية بأنها ضد انهيار الأسعار، لأنها من وجهة نظره، أي السعودية، تريد أن تثبت أن سلاح أسعار النفط لم يخرج من يدها، وبأنها لاتزال هي المتحكم به، حتى مع وصول إنتاج شركات النفط الصخري الأمريكية إلى أكثر من 13 مليون برميل يومياً..

ولا يخرج عن هذا السياق، بحسب الكثير من المراقبين، قرار المملكة العربية السعودية، زيادة إنتاجها النفطي بدءاً من 1 نيسان/أبريل الجاري، بواقع 3 مليون برميل، ليصل إنتاجها إلى أكثر من 13 مليون برميل يومياً، فيما أعلنت موسكو بنفس الوقت، زيادة إنتاجها بواقع 500 ألف برميل يومياً، لتنهار أسعار النفط على الفور، والتي وصلت الأربعاء إلى نحو 22 دولار للبرميل، مع توقعات أن تهبط إلى 10 دولارات، إذا ما استمرت حرب الضخ بين الدول المنتجة على هذا النحو، في ظل تراجع الطلب العالمي على النفط بسبب أزمة فيروس "كورونا".

ويراهن الكثير من المحللين على أن حرب الأسعار على النفط، لن تستمر طويلاً بين روسيا والمملكة العربية السعودية، بسبب أن ذلك سوف يسبب خسائر كبيرة لكلا اقتصاد البلدين، وبالذات الاقتصاد الروسي، الذي تبلغ تكاليف استخراج البرميل لديه نحو 20 دولار للبرميل، بينما تقول السعودية إن اقتصادها لن يتضرر كثيراً، لأن تكلفة استخراج البرميل لديها دون 10 دولارات، ويصل في بعض مناطق الاستخراج إلى 2 دولار فقط، أما فيما يخص موازنتها للعام الجاري، التي بنتها على أساس سعر فوق 40 دولار للبرميل، فهي تؤكد أن لديها احتياطي نقدي يتجاوز الـ 500 مليار دولار، بالإضافة إلى الصناديق الاستثمارية التي تمتلكها، بقيمة أكثر من 2 تريليون دولار، وهو ما يجعلها أكثر قدرة على الصمود في حرب أسعار النفط، من روسيا، وفق وصف منظّرين مقربين منها.

أما موسكو، فتؤكد هي الأخرى أنها لن تتراجع في سياستها النفطية، مهما بلغت خسائرها، مشيرة كذلك إلى أنها تمتلك احتياطي نقدي من الدولار يتجاوز الـ 420 مليار، بالإضافة إلى أنها من الأساس لم تول النفط تلك الأهمية في موازنتها للعام الحالي، وبالتالي يمكن لاقتصادها أن يتأقلم لفترة طويلة مع أسعار نفط منخفضة جداً..

وعلى ما يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الخاسر الأكبر في حرب الأسعار هذه حول النفط، والتي بدأت على الفور بإجراء اتصالات على أعلى مستوى مع قيادات النفط في روسيا، بينما أعلنت إدارة ترمب يوم الثلاثاء الماضي، أنها سترسل قريباً مبعوثة خاصة لشؤون الطاقة إلى المملكة العربية السعودية، هي فيكتوريا كوتس، من أجل إقناع الرياض بخفض إنتاجها، غير مستبعدة أن تسعى لعقد لقاء مباشر بين وزيري الطاقة في كل من روسيا والسعودية.. وهو أمر أقرت به  موسكو كذلك، التي أشارت إلى الجهود الأمريكية المبذولة في هذا المجال، وأنها لا تمانع من الجلوس مجدداً مع الرياض للاتفاق على سياسة نفطية جديدة.

تجدر الإشارة إلى أن تكلفة إنتاج النفط الصخري الأمريكي تبلغ أكثر من 45 دولار للبرميل، فيما يواجه الرئيس الأمريكي ضغوطاً كبيرة، من شركات النفط الصخري من أجل إعادة رفع الأسعار، والذي أعلن الخميس بأن هناك العديد من الشركات مهددة بالإفلاس إذا ما استمرت الأسعار بالانخفاض، مع أن انخفاض أسعار النفط العالمية، هو لصالح المواطن الأمريكي، ولصالح الدول المستهلكة الكبرى، في أوروبا واليابان والصين، والتي سارعت خلال الشهر الماضي إلى شراء كميات كبيرة بسعر رخيص، وتخزينها، تحسباً لأي ارتفاع قد يحصل على أسعار النفط في الفترة القادمة.. ولكن يبقى السؤال: ماذا لو لم تفلح أمريكا بالتوفيق بين روسيا والمملكة العربية السعودية، بتخفيض الإنتاج ورفع الأسعار..؟ هل من الممكن أن ينخفض سعر برميل النفط إلى 10 دولارات، كما يتوقع الكثير من المحللين ومراكز الدراسات الأمريكية..؟ والسؤال الأهم: هل ستتوقف أمريكا عن إنتاج النفط، وتعود للإستيراد من جديد بعد أن حققت الاكتفاء الذاتي ولأول مرة في تاريخها..؟ أم أنها سترضخ للشروط الروسية، بتخفيض إنتاجها هي الأخرى، وعقد اتفاق جديد يشملها بالإضافة إلى  روسيا وأوبك، من أجل إعادة التوازن لأسواق النفط العالمية..؟

الوقائع السابقة أشارت إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تحرك بتباطؤ حيال انهيار أسعار النفط العالمية، لأن ذلك سوف يساعده كثيراً في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بالنسبة للمواطن الأمريكي تحديداً. لكن بدون شك، فإن ترامب سيكون له أقوال أخرى فيما لو نجح في هذه الانتخابات.. على الأقل لن يسمح لروسيا أن تفرض شروطها عليه، ولن يسمح لشركات النفط الصخري الأمريكية أن تنهار نصب عينيه.. أما تحقيق ذلك، فهو رهن القوة العسكرية والاقتصادية التي تملكها أمريكا.. وهي مؤشرات ظهرت جلياً بعد ما أثمرت ضغوط ترامب على روسيا والسعودية، اتفاقاً على اجتماعٍ مرتقب بين الدول المنتجة للنفط، عبر الفيديو، سيتم يوم الاثنين.. فلننتظر ونرى، بماذا سيخرج هذا الاجتماع..

ترك تعليق

التعليق