جزء ثانٍ من قصة "عرب الغمر" المنسية


عام 1975، رحلت قبيلة "الولدة" إلى القامشلي بعد أن وُضعت بين خيارين أحلاهما مرّ، إما البقاء تحت وطأة الإجراءات التعسفية التي اتحذتها حكومة حافظ الأسد بحق أبناء العشائر المراد تهجيرهم، أو الرحيل مع الرهان على صدق النظام في وعوده، والتي سرعان ما أدرك أبناء القبيلة مدى جديتها بعد زيارتهم القرى المراد نقلهم إليها قبيل التهجير، والتي كانت عبارة عن قرى طينية.

تزامناً مع بدء حكومة حافظ الأسد بالتلميحات مشيرة إلى ضرورة رحيل العشائر العربية من الضفة اليمنى لنهر الفرات بدأت معها الإجراءات التعسفية والتي وصفها أبناء العشائر بالهمجية، وكان أبرزها إغلاق المدارس وهدمها من القرى المراد تهجير أهلها إضافة إلى هدم المساجد ومصادرة مولدات ضخ المياه والجرارات الزراعية إضافة إلى أراضٍ كثيرة لم يطلها الغمر تمت مصادرتها بعد رحيل أصحابها.
 
تلك الانتهاكات يُضاف إليها الاعتقالات السياسية التي طالت عدداً من أبناء العشائر رافقتها احتجاجات رفع خلالها الفلاحون شعارات أبرزها "بيوتنا قبورنا"، إلا أن اليأس الذي أصابهم بعد يقينهم بأن النظام لن يتراجع عن فكرة الترحيل، أجبرهم على الاستسلام، وفق ما أفاد به مصدر مقرب من شيوخ عشيرة الناصر زعماء قبيلة "الولدة" المهجرة.
 
يكمل المصدر في روايته لـ "اقتصاد": "الوعود التي قدمتها الحكومة السورية للعشائر بخصوص الرحيل كانت كبيرة، إذ لم تقتصر فقط على بناء قرى نموذجية، ولم تتوقف عند تعويض أصحاب الأرض".
 
"إحدى الوعود كانت، تَكفُّل النظام بتكاليف عملية الرحيل كاملة، إلا أن الأخير أجبر أبناء العشائر على دفع أجور الشاحنات الخاصة التي كان قد جلبها لينقل أبناء العشائر حاجياتهم من الرقة إلى مسكنهم الجديد. وخصوصاً ملاك الأراضي، أُجبروا على الدفع".

"أبرز الوعود التي قدمها النظام لأبناء العشائر أيضاً، وخصوصاً (الناصر)، أن تكون الخدمة الإلزامية لأبنائهم في صفوف الجيش داخل مدينة الحسكة بعد أن كان قد أسماهم بـ (سياج الوطن)، ويضاف لذلك تبني النظام فكرة تسليح أبناء العشائر التي ستنتقل للعيش على امتداد الخط العاشر تحت العنوان ذاته، إلا أن هذه الوعود أيضاً لم تتحقق".

ويستطرد المصدر في روايته: "توزيع الأراضي بين أبناء العشائر على امتداد 48 قرية كان متساوياً بين الشيوخ والفلاحين أي أن الذي كان يملك مساحات شاسعة حصل على 20 هكتاراً، والذي لم يكن يملك شيئاً حصل على مساحة مماثلة 20 هكتاراً تقل أحياناً أو تزيد حسب طبيعة القرية الجغرافية، حيث كانت تقل المساحة في حال كانت الأرض خصبة وتزيد مع تناقص خصوبة التربة".

مصدر آخر مقرب من شيوخ العشيرة أكد تقديم حكومة حافظ الأسد إغراءات للشيخ "شواخ البورسان" متزعم القبيلة حينها، أبرزها كان تقديم مساحة 300 هكتار في منطقة رأس العين تحت مسمى الحفاظ على هيبته ومكانته المادية إضافة إلى اختلاف مصاريفه عن بقية أبناء العشيرة.

توفي الشيخ "شواخ البورسان" في الثالث عشر من حزيران عام 1982 أي بعد سبعة أعوام تقريباً من استلامه الأرض. ليستثمرها بعده ابنه محمود شواخ البورسان، مدة قصيرة، قبل أن تعاود حكومة النظام مصادرتها، حيث أشرف على المصادرة حينها "حسين حسون"، والذي كان يتولى منصب محافظ الحسكة.

لمن تعود ملكية الأراضي التي تم تسليمها لعرب الغمر؟

يختلف توزع ملكية الأراضي التي نقل النظام عرب الغمر إليها ووَطنهم فيها على امتداد 48 قرية.
 
"اقتصاد" استطاع الحصول على أسماء بعض القبائل المالكة في منطقة رأس العين. مثلاً، كان ملاك الأراضي من قبيلتي "الباشات" و"عدوان" في منطقة عامودا. تعود الملكية لملاك كبار منهم حسن عبد الرحمن. وعشائر "الدقورية والشويش ومعصوم".
 
عملية المصادرة كانت قد بدأت منذ الستينات من القرن الماضي أي قبل تسلم حافظ الأسد للسلطة حيث سُلبت الأراضي حينها تحت مسمى قانون الاستصلاح الزراعي ومحاربة الإقطاعيين.

توزع العشائر على امتداد القرى

لم يكن أبناء العشائر المهجرة مخيرين بين القرى التي سيتم نقلهم إليها، حيث أشرفت حكومة النظام على عملية الترحيل وتوزيع العشائر ضمن قرى الخط العاشر.

الشيخ "شواخ البورسان" هو الوحيد الذي كان مخيراً بين بقية العشائر في اختيار المسكن، حيث اختار بلدة عامودا للاستقرار رغبة منه بالسكن فيها ورغبة من أصحاب الأرض الأصليين "الدقورية" تسليمها لشخص لهم معرفة سابقة به كالشيخ "شواخ البورسان".
 
خلال إعداد التقرير استطاع "اقتصاد" الحصول على أسماء 41 قرية من أصل 48 قرية أصلية مع توزع العشائر فيها حيث جاء التوزع على الشكل التالي:

1 ) المبروكة والدهماء والراية والتي تسكنها عشيرة البوظاهر.
2 ) المتنبي والعزيزية وأم عظام والمزيونة وتسكنها عشيرة العامر.
3 ) الأسدية والتي تشاركتها عشيرتي البوصلاح والبوظاهر.
4 ) أم عشبة والقيروان وأم الربيع  وتسكنها عشيرة البوصلاح.
5 ) ظهر العرب والتي تشاركتها عشائر الغانم والناصر وعلفارس.
6 ) القنيطرة والجابرية والحاتمية والثورة والبهيرة وتسكنها عشيرة الناصر.
7 ) تل تشرين والتي تشاركتها الناصر والبومسرة.
8 ) هيمو والتي تسكنها كل من العجيل والزبيدات.
9 ) أم الفرسان والتنورية والحلوة وتوكل وشبك والمصطفاوية وتسكنها عشيرة الجعابات.
10 ) مختلة وتتشاركها الحويوات والعجاج.
11 ) الحرمون ويسكنها كل من عجيل والناصر والحويوات.
12 ) قحطانية الغمر ويسكنها عشيرة المغلطان.
14 ) جوادية الغمر ويتشاركها حويوات والجعابات.
15 ) تل علو 1 ويسكنها المرادات.
16 ) تل علو 2 ويسكنها الحويوات.
17 ) كرديم حليمة ويتشاركها كل من المزاريع والترن والبومسرة والحويوات.
18 ) تل حظارة ويسكنها كل من البوظاهر والفردون.
19 ) انقرة ويسكنها البوظاهر والمشاهدة.
20 ) مشوق ويسكنها عشيرة البومسرة.
21 ) تل أعور ويتشاركها كل من الغانم والبومسرة.
22 ) تل الصدق ويتشاركها العلي والبوحميد.
23 ) الصحية والكرامة وتسكنها المرادات.
24 ) عين الخضرا ويتشاركها الحويوات والعجيل.
25 ) المثنى ويسكنها كل من البوظاهر والفراهيد.

الخدمات التي قدمت للقرى

خلال الحديث عن توفير الخدمات للقرى أكمل المصدر الذي بدأ حديثه لـ "اقتصاد" عن الممارسات التي ارتكبتها حكومة النظام السوري حينها، بحق أبناء العشائر، قائلاً: "بالنسبة للمياه فقد كانت الحكومة السورية قد جهزت كل قرية ببئر إرتوازية إلا أن تلك البئر لم تكن كافية لسد حاجة أبناء القبيلة سواء للشرب أو للسقاية أو للرعي على حد سواء ما أجبر كل عائلة على حفر بئر خاصة بها في منزلها قام البعض منهم بحفرها بالمعول والرفش. أما الكهرباء والتي غذى سد الفرات الذي بني على أنقاض منازلهم جميع المدن السورية بها، ووصل كهرباءه إلى لبنان والأردن، لم تصل إلى منازل من تركوا أرضهم لبناء السد، إلا بعد 5 سنين من ترحيلهم. أما المواصلات الحكومية فهي غائبة إلى تاريخ اليوم عن القرى حيث لا توجد وسيلة نقل بين القرى والمدينة سوى وسائط النقل الخاصة كسيارات التاكسي والبيك أب إضافة إلى غياب الطرقات المعبدة عن العديد من القرى حتى بدايات القرن الواحد والعشرين. المدارس أيضاً كانت عبارة عن مدارس طينية غير صالحة للدراسة استمرت على حالها قرابة 10 أعوام حتى أقدمت الحكومة السورية على بناء مدارس تعد مقبولة".

الضغوطات التي تعرضت لها عشائر العرب المهجرة لم تنتهي برحيلهم عن أرضهم عام 1975 بل عادت للظهور مجدداً خلال سنوات الحرب بعد 2011 في محاولة من النظام لضم أبناء العشائر إلى صفوفه.

   مواد ذات صلة:

ترك تعليق

التعليق