عمال المطاعم السورية في إسطنبول.. لا يجدون وقتاً للعيش
"بصراحة لا يوجد وقت لشيء، نعمل منذ الساعة العاشرة صباحاً وحتى الثانية عشر مساءاً وأحياناً أكثر من ذلك، والعمل في كل أيام الأسبوع وعطلة يوم واحد كل 15 يوماً"، هكذا بدأ هاشم الموسى حديثه لموقع "اقتصاد".
يوجد عشرات المطاعم السورية في ولاية إسطنبول التركية الأشهر والأكثر اكتظاظاً بالسكان والسياح، ما جعل الاستثمار في افتتاح المطاعم السبيل الاقتصادي الأول للسوريين في المدينة الضخمة والسياحية.
يعمل في هذه المطاعم مئات وربما آلاف من الشباب السوري "اللاجئ" والباحث عن لقمة العيش، مئات منهم تركوا مقاعد دراستهم ولم تتح لهم فرص الالتحاق بها مجدداً بسبب كثرة متطلبات المعيشة في تركيا، بالإضافة لساعات العمل الطويلة جداً للعاملين في المطاعم السورية والتي تتجاوز عدد ساعاتها الـ 10 ساعات في اليوم الواحد.
موقع "اقتصاد" تواصل مع عدة عاملين في مطاعم سورية من مناطق مختلفة بالطرف الأوروبي من إسطنبول للوقوف على واقع العمال في المدينة.
لم يقبل جميع من اتصل بهم موقع "اقتصاد" ذكر أسماء المطاعم التي يعملون فيها حتى لا يخسروا الوظيفة الوحيدة التي تعيلهم وتؤمن لهم الكفاف، بحسب وصفهم.
وقال "الموسى" لموقع "اقتصاد":" أعمل في مطعم بمنطقة إسنيورت وهي منطقة تعج بالسوريين وفيها عشرات المطاعم والمقاهي والمحلات السورية، والحركة فيها ممتازة ونعمل لأكثر من 12 ساعة في اليوم، إذ يفتح المطعم أبوابه في التاسعة صباحاً ويغلق في تمام الساعة الثانية عشرة، أنا أعمل نادلاً وأتحدث التركية بشكل متوسط ولكنني لا أعرف أي شيء عن الحياة خارج هذا المكان".
وأضاف "الموسى": "التعامل معي بصراحة جيد، صاحب المطعم محترم، ولكن أجرنا قليل فهو لا يتجاوز الـ 2000 ليرة في الشهر وبالطبع نادراً ما يكون هناك بقشيش فأغلب من يأتينا هم من عامة الشعب السوري وأوضاعهم المادية متوسطة والتزاماتهم كثيرة، وأنا أعمل هنا منذ 3 سنوات وارتفع راتبي من 1450 إلى 2000 ليرة تركية ومنذ ارتفع صرف الدولار مقابل الليرة التركية وعدنا صاحب المحل بأنه سيرفع رواتبنا ونحن ننتظر".
وأوضح "الموسى": "أنا كنت على مشارف الجامعة في سوريا ولكنني لم أدخل بسبب انخراطي في الثورة ثم خرجت بضغط كبير من أهلي. أشتاق جداً لكي أدرس ولكنني من أين سأعيش؟ لا أدري..".
من جهته أشار "سعيد الضاهر": "كل أقاربي يحسدونني أنني أعيش في مدينة إسطنبول ولكنني فعلاً لا أرى من المدينة شيئاً فأنا أنام بعد انتهاء دوامي فوراً واستيقظ مع بدايته، فأنا أعمل على المجلى في مطعم بمنطقة الفاتح، وقد أصبت بعدة أمراض بسبب الوقوف لساعات طويلة بشكل يومي ولكنني مضطر فأنا أعيل أسرة مكونة من أم وطفل".
وبيّن "الضاهر": "آخذ على الساعة الواحدة ما يقارب الخمس ليرات وأعمل في اليوم 11 ساعة أي قرابة 65 ليرة في اليوم يعني لا يتجاوز راتبي في اليوم 12 دولار أمريكي، ولكن زوجتي تعمل كمدرسة خصوصية في البيت فهي تساعدني في المصروف وإن كنت لا أراهم كثيراً، ولا يوجد وقت للبحث عن عمل آخر أفضل فإني أخشى أن أفقد عملي".
تنتشر المطاعم السورية بشكل رئيسي في عدة مناطق بمدينة إسطنبول تأتي في المقدمة بلدية الفاتح بما فيها من أحياء "أمنيات الفاتح، يوسف باشا، أكسراي" بشكل رئيسي ومنطقة باشاك شهير، ومنطقة إسنيورت، وشارع الاستقلال في بلدية بي أوغلو، ومنطقة بشكتاش، ومناطق أخرى متنوعة. ولكل منطقة أسعارها وروادها كما أن هذه المطاعم تؤمن أرزاق مئات العمال والمهنيين ولكن دون حقوق كاملة.
يقول المحامي السوري "عبد الرزاق الأحمد" لموقع "اقتصاد": "في الحقيقة كل العاملين في المطاعم السورية أو العربية لا حقوق لديهم حتى الآن فهم لا يخضعون لنظام التأمين الذي يؤمن لهم صحة مجانية وراتب تقاعدي مع التقدم في العمر كأقرانهم الأتراك الذين تعتبر رواتبهم متقاربة ولكن بدوام محدد لا يتجاوز الـ 8 ساعات يومية مع ساعة استراحة يتضمنها وجبة غداء، ويزداد الراتب مع ازدياد ساعات العمل مع عطلة أسبوعية يوم واحد على الأقل".
وأضاف "الأحمد": "أوضاع السوريين القانونية في تركيا غير واضحة بشكل كامل حتى الآن فلا نقابة عمال تطالب بحقوقهم وتوعيهم عليها ولا يوجد قوانين خاصة إنما غض نظر مؤقت حتى تنتهي الحرب في سوريا فيعود الناس إلى سوريا، وهو توقيت لا يمكن التنبؤ به".
من جانب آخر، أكّد "يشار كورت" صاحب مطعم تركي في منطقة "أمين أونو" السياحية أنّ العمالة السورية التي تتحدث اللغة التركية مع العربية لديها فرص عمل كثيرة في إسطنبول "بسبب حاجتنا لمن يتحدث العربية خصوصاً مع قدوم مئات آلاف السياح العرب من الخليج العربي ومناطق أخرى والذي يؤمن لنا المزيد من الزبائن والربح، ويأخذون رواتب مرتفعة تتجاوز الـ 4000 ليرة تركية بالإضافة للتأمين فأنا أحب العمل ضمن القانون".
ونوه "كورت" إلى أن النادل السوري "موهوب في جلب الزبائن خصوصاً ابن الشام (دمشق). لقد وظفت الكثير من السوريين. الشامي لديه قدرة عجيبة على استقطاب الزبون وإقناعه بالمزيد من الطلبات، لذلك أنا لا أظلمهم فهم سبب رزق كبير لي".
ويبقى سؤال العامل السوري "متى تتحسن أوضاعي أو أجد الوقت لأدرس أو أتعلم أو أرى عائلتي بشكل جيد؟، ومتى يُقدّر المستثمر السوري أن نجاحه مرتبط بكثير من الأيدي العاملة التي تكد ليلاً ونهاراً من أجل لقمة عيش حلال دون هدر كرامتها؟!
التعليق