إعلاميو المناطق المُهجّرة.. قصص تثير الجدل حول مظلوميتهم


"نحن نعلم مدى الجهد والعمل الذي بذلتموه من أجل إيصال صورة إعلامية حقيقية لوضع القابون لكن إمكانيات الدعم محدودة وملفات الداخل كبيرة جداً"، هكذا ردّ المركز السوري للإعلام وحرية التعبير في نص رسالة الاعتذار التي أرسلها لمراسل وكالة "قاسيون" السابق "أبو محمد الشامي" بعد انتقاله إلى تركيا عقب تهجيرهم منتصف العام الماضي من حي القابون. وجاء ردّ المركز بعد أن طلب "الشامي" دعماً مادياً يعوض جزءاً من خسارته عقب التهجير.

"أبو محمد" لم يكن الوحيد الذي رفضت منظمات حماية الصحفيين مساعدته بعد تهجيره من مسقط رأسه، فقد استطاع "اقتصاد" رصد عدة قصص لإعلاميين تخلت عنهم وكالاتهم التي كانوا يعملون لصالحها قبل التهجير.

"أبو محمد البرداوي" الناطق الرسمي باسم الهيئة الإعلامية في وادي بردى، والذي انتقل للعيش في اسطنبول بعد تهجيرهم من الوادي، روى لـ "اقتصاد" تفاصيل رحلته إلى تركيا ووضعه الحالي فيها، قائلاً: "دخلت إلى تركيا في 21 آذار من العام المنصرم، طلباً للعلاج بالدرجة الأولى، وهرباً بالدرجة الثانية. علاجي وفترة استشفائي وعودة قدمي إلى سابق عهدها بعد إصابتها بطلقة قناص في وادي بردي قبيل التهجير، تحتاج فترة تتراوح بين سنتين وثلاث سنوات. في الوقت ذاته بدأ أبناء منطقتي ممن خرجوا معي في رحلة التهجير بالدخول إلى تركيا، فبت مضطراً للدخول، كي أضمن سلامتي كوني مطلوباً لجبهة النصرة منذ عام 2015 في وادي بردى، وهم المسيطرون على الشمال السوري".
 
"أبو محمد" أضاف: "قلة الخدمات وتخصيصها لأشخاص محددين بإدلب، والتمييز بين ابن المدينة والمُهجّر، كانت أيضاً أسباباً في دخولي إلى تركيا".

أما بالحديث عن العمل في تركيا، فقد أكد "أبو محمد" عدم تمكنه من الحصول على وظيفة في مجال الإعلام رغم تقدمه لعدة وظائف تمكنه من العمل ضمن المنزل بسبب وضعه الصحي الذي لا يمكّنه من الالتزام بدوام رسمي حتى اليوم.
 
"أبو محمد" أشار إلى أن الدعم الذي تلقاه من منظمات حماية الصحفيين يعتبر بسيطاً جداً، مؤكداً طلبه المساعدة عقب انعدام المبادرة رغم إطلاع الجميع على وضعه.

"فادي الصيرفي" مراسل شبكة بلدي الإعلامية و"أبو محمد الشامي" مراسل وكالة قاسيون في حي القابون، تعرضا لعملية فصل متشابهة من وظائفهم عقب التهجير والدخول إلى تركيا.
 
"فادي" قال: "عقب وصولي إلى تركيا قام أحد المسؤولين في الشبكة بإخراجي من جميع الغرف الخاصة بالشبكة, حاولت بعدها التواصل مع مدير الشبكة والكادر الإداري إلا أن رسائلي قوبلت بعدم الرد. التواصل الوحيد الذي جرى بيني وبين وإدارة الشبكة كان عقب عرضي أرشيفي للبيع لأتمكن بثمنه من إخراج أهلي إلى تركيا، حيث قال المسؤول الذي تواصل معي بأن بيعي للأرشيف قد يسبب مشاكل كونه يحوي مقاطع فيديو سبق أن نُشرت بشعار الشبكة".

"اقتصاد" تواصل مع مدير شبكة "بلدي" الإعلامية، للاستفسار عن ظاهرة فصل مراسلين لهم، بعد عمليات التهجير. وتلقى "اقتصاد" رداً من صالح العبد الله، مدير شبكة بلدي، جاء فيه: "تعاملنا مع مراسلينا بما تقتضيه الأخلاق كزملاء ولم نعاملهم كموظفين فصبرنا على تقصير بعضهم أثناء الحصار، وقدمنا لهم رواتب بعد الخروج من الحصار أي عندما كانوا في الشمال السوري دون أن يقدموا أعمالاً تذكر خلال فترة تتراوح ما بين ثلاثة أشهر وستة أشهر. والمؤسسات الإعلامية كما تعلمون ليست جمعيات إنسانية، فهي تقدّم لمن يقدّم لها".

واستطرد العبد الله في ردّه: "حاولنا معهم للبقاء في الشمال والاستمرار مع الشبكة إلا أنهم رفضوا وقرروا السفر إلى تركيا، ولا يوجد أماكن لهم في المكتب بتركيا وبعضهم لا يجيد إلا التصوير".

وأضاف: "ولا بد من الإشارة إلى أن من بقي من مراسلينا من المهجّرين في سوريا لا يزال يعمل في الشبكة إلى الآن. هم من اختاروا الخروج ولم ندفعهم إلى ذلك، وأعلمناهم بأن الشبكة لا تمتلك القدرة على تشغيلهم في تركيا".

كذلك، "أبو محمد الشامي"، تعرض لعملية الفصل ذاتها إضافة إلى خصم طال راتبه الشهري رغم تلقيه رسالة قبيل التهجير بالمبلغ المراد إرساله، إلا أنه عقب التهجير والدخول إلى تركيا فوجئ بخصم تجاوز 25% من الراتب.
 
وتواصل "اقتصاد" مع وكالة "قاسيون" التي كان "الشامي" مراسلاً لها في القابون، لكن لم يصلنا أي تصريح من الوكالة، حتى ساعة نشر التقرير.

"فادي الصيرفي" كان قد أُصيب بيده خلال تغطيته القصف على حي القابون، حيث كان لا يزال يعمل مراسلاً لشبكة "بلدي" الإعلامية حينها. في حين أصيب "أبو محمد الشامي" مرتين أثناء تغطية المعارك بشظايا قذيفة هاون في قدمه اليسرى.

ويعمل كل من "فادي" و"أبو محمد الشامي" في مجال الصناعة اليوم، بعد رفض العديد من طلبات التوظيف التي تم تقديمها لجهات
إعلامية عدة، حيث يعمل "أبو محمد" في فرن للبخ الحراري، في حين يعمل "فادي" في ورشة لصناعة الثريات المنزلية.

تكثر الأسماء والشهادات لإعلاميين فقدوا أعمالهم عقب تهجيرهم من مدنهم بعد تخلي المنظمات التي يعملون لصالحها عنهم. والشبكات والوكالات التي ذُكرت أعلاه لم تتخل فقط عن الأشخاص الذين ذُكروا في التقرير بل تخلت أيضاً عن مراسلين آخرين سواء ممن كانوا يعملون في الغوطة الشرقية أو وادي بردى أو أحياء شرق العاصمة.
 
ويضاف إلى تلك الوكالات وكالات أخرى تخلت عن مراسليها.

يعمل أولئك الإعلاميون اليوم، بعد سنوات من نقلهم صورة الحقيقة من داخل مدنهم، كعمال في ورشات صناعية. ومن تحدثنا إليهم، من هذه الفئة، يعتقدون أنهم تعرضوا للظلم، فاليوم، حسب رأي هؤلاء، يشغل بعض المناصب الإعلامية أشخاص سافروا منذ اندلاع الثورة هرباً من التجنيد الاحتياطي أو خوفاً من اشتداد المخاطر الأمنية. فيما تم الاستغناء عمن كان مستعداً للمخاطرة في سبيل نقل الحقيقة، حالما أصبح في منطقة جغرافية، لا تحتاج وسائل الإعلام المعارضة، لتغطيتها.

لكن، على الضفة الأخرى، يقول مصدر إعلامي مطلع على نشاط وسائل الإعلام المُعارضة، طلب عدم الكشف عن اسمه، إن عدداً كبيراً من الشباب دخلوا مجال النشاط الإعلامي، عبر نقل الأحداث أو تصويرها في المناطق الساخنة والمحاصرة، لصالح وسائل إعلام سورية معارضة أو عربية وعالمية مهتمة. ولم يكونوا يتمتعون بأي خبرة إعلامية حقيقية، وكانت ميزتهم الوحيدة، هي تواجدهم داخل المناطق المُراد تغطيتها. وحينما دخلت تلك المناطق في اتفاقيات تهجير مع النظام، وخضعت لسيطرته، لم تعد هناك حاجة فعلية لهؤلاء الشباب، خاصة أن مهاراتهم المهنية لا تؤهلهم للعمل الإعلامي المحترف. فتم الاستغناء عن معظمهم.

وبين رأي الشباب الذي عملوا لسنوات كنشطاء إعلاميين، وبين مصالح وسائل الإعلام واحتياجاتها، يبقى السؤال معلّقاً حول مدى مظلومية من تم الاستغناء عنهم، من إعلامي المناطق المُهجّرة.

ترك تعليق

التعليق